الحج ومنافع التجارة البينية بين الدول الإسلامية

مع فرض الرئيس الأمريكي رسوما جمركية مرتفعة على العديد من الدول في إبريل/نيسان الماضي، بلغت نسبتها 20% على دول الاتحاد الأوروبي، راحت تلك الدول الأوروبية تتحدث عن ضرورة إعادة أوروبا اكتشاف نفسها كي توسع من تجارتها البينية، لتفادي أضرار الرسوم الأمريكية المرتفعة، رغم أن نسبة التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي بلغت خلال العام الماضي 61%.
والمسعى نفسه تبنته دول رابطة جنوب شرق آسيا المعروفة باسم آسيان، والمكونة من عشر دول هي: فيتنام والفلبين وتايلاند وكمبوديا وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة ولاوس وميانمار وبروناي، وهو الأمر الذي ينبغي أن تسلكه دول منظمة التعاون الإسلامي السبع والخمسون، خاصة أن نسبة التجارة البينية فيما بينها خلال عام 2022 قد بلغت 18.7%.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsدعوة صادقة لقادة الدول الإسلامية
هل انتهى المشروع النووي الإيراني إلى غير رجعة؟
الضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
وهو أمر تذكّرنا به مناسك الحج، وقول الله تعالى في سورة الحج {ليشهدوا منافعَ لهم}، بالحصول على منافع دينية ودنيوية من الفريضة، بأداء المناسك والتجارة وتحقيق الربح التجاري في الوقت نفسه، وهو ما يدعو إلى زيادة التعاون التجاري بين الدول الإسلامية، إذ إن زيادة التجارة البينية تعني التوظيف الكفء للموارد، والحفاظ على فرص العمل القائمة، وإتاحة فرص عمل جديدة، وتسهيل انسياب المواد الخام والسلع الوسيطة اللازمة للنشاط الصناعي، وتوفير السلع للنشاط التجاري والاستهلاكي بما يقلل من عوامل التضخم.
ونجد أن هناك معدلات متدنية من الصادرات البينية بين الدول الإسلامية والعديد من تلك البلدان، إذ بلغت النسبة 1.8% في ألبانيا، و3.2% في المالديف، و3.7% في غيانا، و4.7% في بنغلاديش، و4.9% في الكويت، و5.8% في العراق، و6% في ليبيا، حيث تتجه معظم الصادرات البترولية لكل من الكويت والعراق إلى الدول الآسيوية، وتتجه الصادرات البترولية الليبية إلى أوروبا، كما بلغت النسبة 7.4% في جزر القمر، و7.5% في الغابون، و7.9% في غينيا.
نسب واردات بينية منخفضة
كما انخفضت نسب الواردات البينية من الدول الإسلامية في العديد من البلدان، إذ بلغت النسبة 3.1% في سورينام و3.6% في غيانا الواقعتين بأمريكا الجنوبية، و4.2% في نيجيريا، و6.6% في كازاخستان، و11% في تركيا، و12% في الغابون، و13% في ماليزيا، و14% في إندونيسيا، و15% في كل من قطر والجزائر.
وفي ضوء استفادة تركيا من تجارتها مع الدول الإسلامية في تقليل حدة العجز التجاري السلعي المزمن بها والمتواصل منذ عام 1947 بلا انقطاع، والذي بلغت قيمته 82 مليار دولار في العام الماضي، نستعرض بتفصيل أكثر تجارة تركيا مع الدول الإسلامية في العشرين عاما الأخيرة.
ففي العام الماضي، توزعت التجارة التركية بنسبة 54% مع دول أوروبا، و28% لدول آسيا، وأكثر من 8% لدول الأمريكتين، وأكثر من 5% لدول إفريقيا، وحققت تركيا عجزا تجاريا مع الدول الآسيوية بقيمة 44 مليار دولار، ومع دول أوروبا 30 مليار دولار، ومع دول الأمريكتين 3.5 مليارات دولار، بينما حققت فائضا تجاريا مع دول إفريقيا 10 مليارات دولار، وهو ما ساعد عليه وجود عدد كبير من الدول الإسلامية في القارة.
وفي العام الماضي، كان نصيب الدول الإسلامية 27% من مجمل الصادرات التركية للعالم، بينما كان نصيبها من الواردات 12% فقط، ليصل نصيبها النسبي من التجارة التركية 18.6%، وفي العشرين عاما الأخيرة، كان أقل نصيب للدول الإسلامية من تجارة تركيا 12% عام 2005، وأعلى نسبة 22.3% عام 2013، وتخطى النصيب نسبة 20% في خمس سنوات من السنوات العشرين.
نحو 27 مليار دولار.. فائض تركي مع الدول الإسلامية
وفي العام الماضي، بلغت قيمة صادرات تركيا لدول منظمة التعاون الإسلامي 69.9 مليار دولار، مقابل واردات منها بقيمة 42.8 مليار دولار، لتحقق فائضا بلغ 27.1 مليار دولار، ومن بين الدول السبع والخمسين أعضاء منظمة التعاون الإسلامي التي تعاملت معها، فقد حققت فائضا تجاريا مع 47 دولة مقابل تحقيقها عجزا مع تسع دول فقط.
وإذا كان الاتحاد الأوروبي يمثل الكتلة التجارية الرئيسية التي تتعامل معها تركيا، والذي ظل لسنوات طويلة يستحوذ على نحو 40% من تجارة تركيا الخارجية، فقد حققت تركيا في العشرين عاما الأخيرة منذ عام 2005 عجزا تجاريا معه خلال 16 سنة من تلك السنوات العشرين، مقابل تحقيق فائض تجاري معه في أربع سنوات، وبينما بلغت قيمة العجز مع الاتحاد الأوروبي في بعض السنوات أكثر من 28 مليار دولار، فقد كان أعلى فائض تجاري معه أقل من 10 مليارات دولار عام 2022.
لكن الصورة مختلفة تماما بتعامل تركيا مع الدول الإسلامية، إذ حققت فائضا مستمرا معها في السنوات العشرين الأخيرة، وتخطى هذا الفائض 20 مليار دولار في ست سنوات من تلك السنوات العشرين، كما تخطى 10 مليارات دولار خلال 16 عاما من السنوات العشرين.
وبالنظر إلى خريطة تجارة تركيا في العام الماضي، فقد كانت أعلى الدول الإسلامية التي حققت تركيا معها فائضا تجاريا العراق بقيمة 11.2 مليار دولار، وهو أعلى فائض أيضا تحققه تركيا مع دول العالم، وبلغت قيمة الفائض مع ليبيا 2.2 مليار دولار، والمغرب ملياري دولار، وسوريا 1.7 مليار دولار، والجزائر 1.4 مليار دولار.
4 دول إسلامية بالعشرين الأوائل
أما أعلى قيمة للعجز التجاري مع الدول الإسلامية فكانت مع ماليزيا بقيمة 4.2 مليارات دولار، وإندونيسيا ملياري دولار، وسلطنة عمان 477 مليون دولار، وقيم أقل مع كل من كوت ديفوار ومصر وتشاد وكازاخستان والبحرين.
وكانت أقل نسب تغطية للصادرات التركية إلى الواردات التركية مع دول العالم الإسلامي مع ماليزيا بنسبة أقل من 10%، إذ بلغت قيمة صادراتها إليها 449 مليون دولار مقابل واردات منها 4.7 مليارات دولار، وإندونيسيا بنسبة 16% بصادرات إليها 386 مليون دولار وواردات منها 2.4 مليار دولار، ولهذا كانت جولة الرئيس أردوغان لدول جنوب آسيا في فبراير/شباط الماضي، التي شملت ماليزيا وإندونيسيا وباكستان، واستهدفت زيادة الصادرات التركية إليها.
وفي العام الماضي، كانت أعلى قيمة للتجارة بين تركيا والدول الإسلامية مع الإمارات بقيمة 15.7 مليار دولار، تليها العراق بقيمة 14.9 مليارا، ومصر 8.6 مليارات، والسعودية 7 مليارات، وكازاخستان 6.7 مليارات، وفي المركز السادس إيران 5.7 مليارات، وماليزيا 5.1 مليارات، وأذربيجان 4.9 مليارات، والمغرب 4.8 مليارات، وفي المركز العاشر للدول الإسلامية الجزائر 4.4 مليارات دولار.
لكن وجود الدول الإسلامية على قائمة كبار شركاء التجارة مع تركيا في العام الماضي كان محدودا، إذ لم تتضمن قائمة العشر الأوائل للتجارة التركية مع العالم سوى الإمارات في المركز التاسع، والعراق في المركز العاشر، حيث تتصدر القائمة عادة روسيا والصين والولايات المتحدة، وعددا من الدول الأوروبية على رأسها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا وإسبانيا.
كما ضمت قائمة العشر الثانية للتجارة التركية دولتين إسلاميتين فقط أيضا، هما مصر في المركز السادس عشر، والسعودية في المركز العشرين، بينما ضمت قائمة العشر الأوائل الثالثة خمس دول هي: كازاخستان في المركز الحادي والعشرين، وإيران في الخامس والعشرين، وماليزيا في السابع والعشرين، وأذربيجان في الثامن والعشرين، والمغرب في المركز الثلاثين.