حمدين صباحي وأحمد طه.. بين السياسي والمذيع

بينما يتميز أحمد طه، المذيع المتألق بقناة الجزيرة مباشر، بخبرة كبيرة بدأها منذ سنوات بعيدة في القنوات المصرية، ثم بانتقاله إلى شبكة الجزيرة واستقراره في الجزيرة مباشر كواحد من أكثر مقدمي البرامج السياسية شهرة وهدوءًا، فكرًا وموقفًا، يقف حمدين صباحي، السياسي المصري صاحب التاريخ الطويل في النضال السياسي والمقاومة، سواء في مصر أو في الأمة العربية، لأول مرة في تاريخه كمذيع ومقدم برامج على قناة الميادين، في برنامجه الأول تليفزيونيًا كمذيع تليفزيوني. وهو الحلم الذي بدأ معه منذ تخرجه في كلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 1977، وتعطل بسبب مواقفه السياسية ضد سياسات الرئيس المصري أنور السادات.
خبرات متغيرة ونجاحات
هذا المقال ليس من أجل المقارنة بين صباحي وطه، وهما صديقان مقرّبان لي بقدر سنوات المعرفة التي تمتد مع حمدين إلى 35 عامًا، ومع طه إلى ما يقارب 15 عامًا. إذن، هو ليس مقالًا للتنافس أو المقارنة، بقدر ما هو رسالة محبة للثنائي، وهو أيضًا مساحة لنُصِل إلى أن الخبرات تؤثر في مدى جودة المنتج الإعلامي. فبقدر تاريخ حمدين السياسي سيظل هذا في برنامجه واضحًا وصريحًا. ورغم تخرجه بتفوق من الجامعة ورسالة الماجستير التي حازها كخريج بها، إلا أن خبرات حمدين السياسية تظهر بوضوح في كلماته ونبرات صوته، وأيضًا فيما يخرج عبر برنامجه في المكان المذاع أسبوعيًا. نبرة صوت حمدين وطريقة وقوفه أمام الكاميرا متأثرة جدًا بتاريخ حمدين السياسي، ويكاد في بعض الأوقات أن تظنه سياسيًا يلقي بيانًا.
أما خبرات أحمد طه فتجعله قادرًا على كبح جماح صاحب الرأي والموقف لصالح المحاور والمذيع.
ويستخدم خبراته وموقفه الواضح من الثورات العربية ودعمه للقضية الفلسطينية والمقاومة في هدوء قاتل لمن يحاوره، لكي يحشره في الزاوية ويجعله يهرب أو يقرّ بضعف موقفه. وكم تكون سعادة المذيع صاحب الموقف حينما لا يظهر موقفه عبر شاشته، وحينما تأتيه نتائج جهده وفكره في محبة الجماهير التي تتابعه. وينال أحمد طه من جماهير الدول العربية محبة كبيرة، خاصة في السودان وسوريا وفلسطين. ما أجمل جملة «بنحبك يا أحمد طه» من جماهير السودان وغزة.
مؤهلات كبيرة
يمتلك حمدين صباحي كل مقومات المذيع ومقدم البرامج التليفزيونية، من حيث الكاريزما الجماهيرية والثقافة بكل أشكالها، بخبراته كصحفي وشاعر وسياسي، والشكل المقبول دومًا منذ سنوات شبابه حتى الآن.
فهو صاحب قبول جماهيري، ومن الممكن بعد خبرة قليلة، سنة أو أكثر، أن يتخلص حمدين المذيع من السياسي حمدين. نبرة صوته تفلت كثيرًا في بعض اللحظات ليتحول إلى زعيم سياسي أو متحدث سياسي. هذه أول ملاحظة كانت لدي حين شاهدت أولر حلقات برنامجه. وأعتقد أن الملاحظة وصلت له في أولى الحلقات وحاول التخلص منها، ولكن دائمًا ما تعود له، وخاصة في المقدمات الطويلة والاستطرادات البلاغية أو السياسية.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4أوروبا على صفيح ساخن.. فضيحة فساد أوكرانيا تهز برلين وتربك زيلينسكي
- list 2 of 4الانتخابات في مرآة السينما: من بخيت وعديلة إلى رشدي الخيام!
- list 3 of 4كيف شكّلت إسرائيل شبكة من المثقفين المزورين؟!
- list 4 of 4من هولاكو إلى تل أبيب: إعادة إنتاج التوحش
أحمد طه يمتلك خطًا سياسيًا واضحًا داخله، لكنه لا يمر عبر كلماته إلا بقدر ضئيل جدًا لمن يدقق في داخل مفرداته. تلك القدرة اكتسبها أحمد أيضًا من سنوات عمل طويلة. كما يتمتع بصوت هادئ جدًا في مقدماته وأسئلته لمن يحاوره، وصاحب صورة بها قدر كبير من الكاريزما، أضافت لها بعض الشعيرات البيضاء هيبةً تذكرك بمذيعي الإذاعة والتليفزيون المصري الكبار. ولأحمد حضور وثقافة هؤلاء الذين أثروا الإذاعات العربية بثقافتهم وخبراتهم. كما أنه يتمتع بطلة إعلامية قلما توجد في مقدمي البرامج على الشاشات العربية.
موقف واحد في قضية غزة
يشترك الثنائي: السياسي حمدين صباحي، والمذيع الخبير أحمد طه، في أنهما أبناء موقف واحد من القضية الفلسطينية. الثنائي أيضًا لا يستخدمان الشحن الجماهيري القائم على الصوت العالي وما يسمى بالزعيق الإعلامي، وهو أحد الأساليب الإعلامية التي انتشرت في السنوات الأخيرة منذ ثورات الربيع العربي. نعم، حمدين يتحدث بلغة السياسي أكثر، لكنها ليست زاعقة، بينما خبرة أحمد طه وثقافته تجعله لا يقترب منها.
حمدين لديه مشروع سياسي عربي وقومي، يظهر هذا في محتوى برنامجه وضيوفه، ولا يخرج عن خط سياسي معين. وهذا طبيعي جدًا مع شخص حمدين. بل إنني في أحيان كثيرة أجد نفسي في ذات الموقف وأنا أكتب أو أتكلم. وهذا فارق بيننا وبين أحمد طه، الذي تتغير موضوعات برنامجه (المسائية) المذاع على شاشة الجزيرة مباشر من شرق الأمة إلى غربها، ومن شرق العالم إلى غربه. هذا التنوع أتاح له كثيرًا من الخبرات الإذاعية والتليفزيونية. ويجيد أحمد الفصل الظاهر بين قضاياه التي يؤمن بها وبين ظهورها ووضوحها على الشاشة، إن لم أقل إنها خبرة السنوات.
نجم كبير وسياسي متميز
أحمد طه أصبح نجمًا كبيرًا في عالم التقديم التليفزيوني بمحاوراته المبدعة، وخاصة خلال طوفان الأقصى. ويضع الكثير من ضيوفه ومحاوريه في الزاوية بما يختزنه من خبرات فكرية ورزانة العمر. لا ينفعل على الضيوف، مما يؤكد أنه وصل إلى مراحل شيوخ المهنة الكبار. لا يعتمد على خبرات أو ثقافات سابقة، فبرنامجه اليومي يحتاج إلى اطلاع دائم وبحث لا يكلّ معه، ولا يملّ من كثرة المعلومات، أو اعتمادًا على أنه يعرف. وتلك أهم مزايا أحمد طه، صاحب الحضور المبهج والواثق على الشاشة التي يطلّ علينا فيها يوميًا.
أما حمدين صباحي، رغم ثقافته الكبيرة وخبراته الفكرية والثقافية الكبيرة، والتي تختزنها خبرات أكثر من نصف قرن، لا يحتاج إلى مقومات المقدم أو المذيع، فهو يمتلكها يقينًا، ولا إلى جماهيرية، فهو أيضًا يمتلكها بحكم سنواته السياسية، بل إن حمدين من أصحاب الجماهير الخاصة. ولكن يحتاج حمدين إلى خبرة الإعلامي قليلًا، وأن يخفف قليلًا من نبرة البيان السياسي، وأن يتحول برنامجه إلى برنامج تليفزيوني لا سياسي. عندها سنكسب مقدمًا تليفزيونيًا مهمًا وكبيرًا تحتاجه الشاشات العربية.
أكرر مرة أخرى: هذه ليست مقارنة، وإن جاء فيها أفراد لمقومات الصديقين، بل هي تحية واجبة لمذيع يتألق يوميًا على شاشة الجزيرة مباشر، وسياسي يدخل مجالًا كان من الطبيعي أن يكون الآن أحد رواده الكبار.
