وهم السلام مع إسرائيل: دلالات وتداعيات

الوهم هو تصوّر ذهني غير مستند إلى الواقع، قد يكون ناتجا عن الخيال أو عن معلومات خاطئة، بينما الحقيقة تعتمد على أدلّة ملموسة وواقع يمكن التحقّق منه بالحواس أو بالعقل أو بالمنطق.
والسلام لغويا مصدر مشتق من الفعل «سَلِمَ»، ويعني الطمأنينة أو الأمان. أمّا اصطلاحا فيُعرّف على أنّه حالة من الأمان والسكينة، وهو مناقض للحرب والنزاعات. ومصطلح «السلام الحقيقي» هو مفهوم شامل يتجاوز فكرة الهدن المؤقتة أو التسويات السياسية المجزّأة، بل يعني: التعايش العادل والمستدام بين الأطراف المتنازعة مع احترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة في جميع جوانب الحياة.
ومصطلح «السلام مع إسرائيل» يشير إلى الجهود السياسية المحلية والإقليمية والدولية المبذولة لتحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشكل خاص، وبين الدول العربية بشكل عام. وهذه الجهود محكومة بالفشل لعدّة عوامل أهمها أسباب أيديولوجية وسياسية واقتصادية ودينية، بالإضافة إلى توازنات القوى الإقليمية والدولية. إسرائيل تعاني من نواقص قانونية خطيرة منذ تأسيسها الذي اعتمد على وعد بلفور، وهو تصريح سياسي أحادي الجانب من دولة لا تمتلك الأرض. وتطبيق بريطانيا له على أرض الواقع جعله أداة لتنفيذ مشروع استعماري صهيو-غربي في قلب العالم العربي، دفع ثمنه الفلسطينيون بالدرجة الأولى. كما أن قرار التقسيم 181 الصادر عام 1947 كان توصية غير ملزمة قانونيا، جرى تمريره بالضغوط والرشاوى، ونفذ رغم رفض العرب له، مما يجعل شرعية إسرائيل القانونية ناقصة. وإضافة إلى ذلك، لم تلتزم إسرائيل بقرار 194 الخاص بحق العودة، ولم تلتزم بحدود التقسيم، بل توسعت وارتكبت المجازر والتهجير المستمر.
اتفاقيات بلا سلام
منذ عام 1948، لم تتوقف إسرائيل عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، من تهجير الفلسطينيين وتدمير قراهم إلى الاحتلال المتواصل للضفة وغزة والقدس والجولان وأجزاء من لبنان وسوريا. ورغم موجة التطبيع مع بعض الدول العربية والإسلامية، فإن الشعوب العربية والإسلامية –وخاصة الفلسطينيين– لا تقبل بشرعية إسرائيل، لافتقارها إلى الأساس الأخلاقي والسياسي. فالسلام الحقيقي لا يقوم على اتفاقيات بين قادة فقط، بل على عدالة ومساواة واعتراف بالحقوق الفلسطينية.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4أوروبا على صفيح ساخن.. فضيحة فساد أوكرانيا تهز برلين وتربك زيلينسكي
- list 2 of 4الانتخابات في مرآة السينما: من بخيت وعديلة إلى رشدي الخيام!
- list 3 of 4كيف شكّلت إسرائيل شبكة من المثقفين المزورين؟!
- list 4 of 4من هولاكو إلى تل أبيب: إعادة إنتاج التوحش
تجارب الماضي تثبت ذلك: اتفاقية كامب ديفيد (1979) ووادي عربة (1994) لم تؤديا إلى تسوية، بل زادت المستوطنات، وتكريس السيطرة الإسرائيلية على القدس، خصوصا بعد نقل السفارة الأمريكية إليها عام 2018. كما صعّد نفوذ الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة من سياسات الاستيطان والتوسع. وقد نصح أحد المفكرين اليهود المغاربة الفرنسيين العرب بقوله: «لا يمكن عمل السلام مع إسرائيل… إذا اعتقدتم ذلك فأنتم إمّا أبرياء أو أغبياء». وكذلك رفض إدوارد سعيد، المفكر الفلسطيني-الأمريكي، «السلام الذي يفرضه القوي على الضعيف»، مؤكدا أنّه لا يمكن أن يكون هناك سلام بينما تُنتهك الأرض وتُهدر الحقوق.
اتفاقية أوسلو (1993) لم تكن سوى غطاء لتمرير مشروع استيطاني أكبر، حيث ضاعفت إسرائيل الاستيطان ووسعت قوتها الاقتصادية والعسكرية على حساب الفلسطينيين. أما الولايات المتحدة فظلت الحليف الدائم لإسرائيل، تدعمها في كل سياساتها، متبنية روايتها عن «الحق في الدفاع عن النفس». وكانت «صفقة القرن» خير مثال على ذلك، إذ شرعنت المستوطنات وضم القدس والجولان، وفرضت الهيمنة الإسرائيلية كأمر واقع.
تداعيات الوهم ومستقبل الصراع
أخطر تداعيات وهم السلام أنّه يتيح استمرار العدوان الإسرائيلي، ويمنح الاحتلال فرصة الحفاظ على السيطرة العسكرية الكاملة دون أي التزام بإنهاء الاحتلال أو الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. كل ذلك يجعل الوضع الراهن دائرة مفرغة مستمرة منذ 77 عاما. فالمجتمع الدولي يتحدث عن «حل الدولتين» لكن دون ضغط حقيقي، والولايات المتحدة تدعم إسرائيل بلا شروط، بينما يتعرض الفلسطينيون لمجازر وتهجير وتجويع.
إن نهاية هذا الوهم حتمية، لأنه يقوم على تناقض جوهري: احتلال يرفض التكيّف مع متطلبات العدالة، ويصرّ على فرض واقع بالقوة. لقد أثبتت التجارب أن أي «سلام» لا يقوم على الحرية والحقوق والعدالة، ليس سوى وهم يُستخدم غطاءً لتمرير المزيد من الاستيطان والتوسع. وما لم يُكسر هذا الوهم، فلن يكون هناك سلام حقيقي، بل استمرار للصراع حتى تُستعاد الحقوق كاملة.
