هل تتجرع المقاومة الدواء المُر بنزع سلاحها؟

فصائل المقاومة أكدت أن سلاحها سيبقى طالما استمر الاحتلال
ماهو مستقبل سلاح المقاومة؟ (غيتي)

خطة أمريكية، أو صفقة لإنهاء حرب غزة، مكونة من 21 بندًا، نشرها البيت الأبيض عقب اجتماع عقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أعلن موافقته على الخطة.
تشتمل الخطة في بنودها على وقف كافة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، سواء قصفًا جويًا أو مدفعيًا لمدة 72 ساعة، بينما تُطلق حركة حماس خلال 48 ساعة منها سراح جميع الأسرى الأحياء لديها، مع تسليم جثامين القتلى الإسرائيليين. في المقابل تُفرج إسرائيل من سجونها عن 250 سجينًا فلسطينيًا من المحكومين بالسجن المؤبد، و1700 من سكان غزة المعتقلين بعد عملية طوفان الأقصى (7/10/2023)، وتُعيد رفات 15 شهيدًا فلسطينيًا مقابل كل جثة لقتيل إسرائيلي. وتنص الخطة على انسحاب جيش الاحتلال تدريجيًا من قطاع غزة، وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه لاحقًا، يرتبط بمراحل نزع سلاح حماس، مع توفير ممر آمن للراغبين من أفراد الحركة في الخروج طوعًا من القطاع. كما تتضمن الخطة إدخال المساعدات فورًا إلى القطاع.

الشيطان في التفاصيل

الخطة الأمريكية تبدو خطوطًا عامة، هي تخلو من جداول زمنية تنفيذية سوى 72 ساعة تعليقًا للقصف على غزة، و48 ساعة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وما عدا هذا فليس هناك قيود زمنية على الاحتلال الإسرائيلي. أما المعتقلون الفلسطينيون المقرر إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية، فليس هناك موعد مُلزم للإفراج عنهم. معلوم أن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، فالانسحاب الإسرائيلي وفقًا للخطة تدريجي دون جدول زمني محدد.

نزع السلاح.. والمذابح التي تعقبه

هنا نأتي إلى قضية سلاح المقاومة، فالانسحاب حسب الخطة يرتبط بنزع سلاح المقاومة، لنكون أمام «عُقدة في المنشار» كما يُقال في أمثالنا الشعبية. فالمقاومة (حركتا حماس والجهاد وغيرهما) أعلنت مرارًا رفضها القاطع لتسليم السلاح، فهذا خط أحمر يصعب تجاوزه. قد تضع السلاح جانبًا في حالات الاتفاق على إنهاء الحرب أو هدنة، أما تدميره أو التنازل عنه فهذا من اللاءات التي لا تتنازل عنها حماس.
فالحركة، وإن كانت لا تمانع في التخلي عن حُكم غزة، فإنها ليست مستعدة لمغادرة القطاع. فالسوابق مع الغرب وإسرائيل أن تسليم السلاح تعقبه مجازر وحشية للمدنيين، مثلما حدث عام 1995 في البوسنة والهرسك (مذبحة سربرنيتشا – 8000 قتيل)، ومجزرة «صبرا وشاتيلا» بعد تسليم المقاومة الفلسطينية لسلاحها عام 1982.

كما أن التجربة القريبة لاتفاق وقف حرب لبنان (27/11/2024) ماثلة في الأذهان، فقد التزم حزب الله بالانسحاب من جنوب نهر الليطاني وتم تفكيك أسلحته في الجنوب، إلا أن إسرائيل خرقت الاتفاق بأكثر من 4000 عملية اغتيال وغارة جوية على لبنان، ولم تنسحب من خمس نقاط محتلة في الجنوب اللبناني بل توسعت في احتلال نقاط جديدة تحت ذرائع غير واقعية.

حماس تدرس.. ووصفة لاستمرار العدوان

في السياق، أفادت مصادر دبلوماسية مطلعة لقناة الجزيرة بأن وفد حركة حماس المفاوض في قطر تلقى نسخة رسمية من الخطة الأمريكية (الصفقة) وهو عاكف على دراستها بدقة وشمولية ومسؤولية عالية. لكن القيادي في حركة حماس طاهر النونو وضع النقاط على بعض الحروف، مؤكّدًا أن الحركة لا تُمانع في إطلاق الأسرى مقابل إنهاء الحرب وضمان الانسحاب الإسرائيلي، لكنها ترفض تسليم السلاح.
كما أكد النونو أن المقاومة مشروعة بكافة أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة، فالسلاح للدفاع عن الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال. فما دام الاحتلال قائمًا، فلا يمكن ترك السلاح إلا عند زواله واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه وقيام الدولة الفلسطينية، حينها لن تكون هناك حاجة للسلاح.
أما الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة فوصف «الخطة» بأنها تعطي إسرائيل ما لم تستطع الحصول عليه بالحرب، معتبرًا إياها وصفة لاستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني.

شبح التهجير.. وشقيق الشيطان

يُحسب للخطة الأمريكية أنها أبعدت شبح «التهجير»، فلم تأتِ على ذكره ونصت على عدم فرضه، بل فتحت الباب للراغبين من القطاع في المغادرة أو العودة إن شاءوا. لكنها شددت على استبعاد حماس من «إدارة غزة»، وأوكلتها لمدة خمس سنوات إلى هيئة دولية قد تضم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير. وهو ما قوبل برفض شعبي عربي، لما يتمتع به بلير من سمعة سيئة، لضلوعه في تضليل حكومته والبرلمان البريطاني بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، تبريرًا للغزو والمشاركة البريطانية فيه.
عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران وصف توني بلير بأنه «شقيق الشيطان» ونذير شؤم للشعب الفلسطيني، وأكد أن إدارة القطاع شأن داخلي يجب أن يتم بتوافق فلسطيني.

الصفقة الأمريكية فضفاضة في الكثير من بنودها، وتفتح الأبواب أمام إسرائيل للمراوغة وحشر صياغات مطاطة للتحلل من القيود، بما يشي بأننا مقبلون على مسار تفاوضي شاق لانتزاع صياغات توافقية منضبطة.
حركة حماس بدورها أمام خيارات صعبة جدًا: فهل تتجرع كأس الدواء المُر بالموافقة على «تسليم السلاح» أو نزعه وهو من المحظورات؟ أم ترفض وتستمر الحرب؟ وإذا سلمت السلاح، فهل ستلتزم إسرائيل بإنهاء الحرب؟ أم تختلق الذرائع كما هي العادة؟

نسأل الله العون والسلامة والنصر للشعب الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان