أطباء نفسيون: اضطرابات ما بعد الصدمة قنبلة موقوتة تهدد أطفال قطاع غزة

أدى عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي استمر 11 يومًا، إلى تدمير البنية التحتية لمناطق مختلفة في القطاع، لكن الأطباء يرون تدميرًا نفسيًا أصاب القطاع بدءًا من الأطفال وحتى النساء وكبار السن.
ويدرك الأطباء وعلماء النفس أن إعادة إعمار قطاع غزة تتجاوز بناء المباني، لا سيما في المنطقة التي يعيش فيها نحو مليوني نسمة، وقد تضرر أهلها ماديا ونفسيا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأخير.
وخلال العدوان الأخير على قطاع غزة، فقدت الشابة الفلسطينية علا أشكنتنا (30 عاما) شقيقتها الوحيدة وأبناءها الأربعة الذين استُشهدوا في غارة إسرائيلية على القطاع.
وتقول وهي تحاول حبس دموعها “كنت آمل أن نجدها حية تحت الركام” رافضة عرض الطبيبة النفسية بالحصول على أدوية مهدئة، وتقول “أخشى الإدمان على المهدئات”.
وزارت علا أشكنتنا (وهي أم لثلاثة أطفال) طبيبة نفسية تعمل في جمعية محلية تسعى لمساعدتها وغيرها من سكان غزة نفسيا بعد “حرب الأحد عشر يوما” الأخيرة بين إسرائيل وقطاع غزة التي حصدت 260 شهيدًا في الجانب الفلسطيني بينهم 66 طفلا، و13 قتيلا في الجانب الإسرائيلي.
كل اطفال العالم يتعلمون التاريخ من الكتب ، الا اطفال غزة هم يعيشون تاريخم ..!
اطفال العالم يتعلمون مهارات الحياة
اطفال غزة يصنعون الحياة بالتحدي والاصرارصورة بمليون صورة !!!! pic.twitter.com/vCikxFpYt1
— محمد شواهنة (@A5obcT4IxxwZcjm) June 10, 2021
وفي ليلة دامية بمدينة غزة، دمّرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزل عبير، شقيقة علا، في حي الرمال الذي تعرض لأكثر من مئتي غارة جوية إسرائيلية، وقد أدى التصعيد الأخير إلى تدمير أكثر من ألف وحدة سكنية، وفق سلطات القطاع الذي خاض أربعة حروب مع إسرائيل، منذ 2008.
بعد عشر ساعات، تمكنّت طواقم الدفاع المدني من إنقاذ رياض أشكنتنا (35 عاما) وطفلته سوزي (8 سنوات) من تحت الركام، بينما لم تنجُ زوجته عبير وأربعة من أطفالهما.
وتقول علا “لا أتوقف عن تخيّل شعور أختي وأبنائها وهم أحياء لساعات تحت الركام، أشعر بصدمة وخوف من فقدان أبنائي”.
في غرفة مجاورة، تجلس سوزي في حضن والدها الذي يشجعه الطبيب النفسي حسن الخواجا الناشط في الجمعية أيضا، على الخضوع لجلسات علاج نفسي، ويرد الأب “أشعر بالاختناق”.
ويقول رياض الذي يتجنب الحديث مع أي شخص منذ الحادثة، حسب عائلته، “فكرت في الانتقال لأعيش إلى جوارهم في المقبرة”.
ويتابع مشككا في قدرة العلاج النفسي على مساعدته “صدمتي كبيرة، كيف سيتغير ما أشعر وأفكر به؟ لا يمكن أن أعود كما كنت”. علا ورياض اثنان من بين كثيرين من سكان قطاع غزة تحت تأثير الصدمة.
ويقول الطبيب النفسي حسن الخواجا “هذه ليست الحرب الأولى في غزة، عدد كبير من الناس يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة ومع كل حرب هناك صدمات جديدة”.
ويتابع “أتوقع أزمة اضطرابات ما بعد الصدمة في الأشهر المقبلة”، مشددا على أن النزاعات المتكررة تضع المرضى في مواجهة انتكاسات مثل اضطراب الضغط الحاد مع أعراض تشمل الصدمة والإنكار.
ويوضح الخواجا أن التأخر في التدخل العلاجي يمكن أن يتطور ما يمثل تحديا للأطباء النفسيين في القطاع إذ عليهم مواجهة “انفجار” الحالات.
ويشدّد على ضرورة أن تكون هناك فرق متخصصة على الأرض قائلا “بعد الحرب نذهب إلى الأرض، لكن لا يمكننا أن نقيم ببساطة معاناة الأشخاص ثم نقول لهم وداعا يجب أن نتمكن من مساعدتهم”.
وفي مستشفى العودة -بمدينة جباليا شمال غزة- يرقد الشاب بلال الداي (24 عاما) على سرير الشفاء بعد أن أصيب بجروح في غارة إسرائيلية شرقي مدينة غزة.
من يدعم أطفال غزّة نفسيا لمواجهة “اضطرابات ما بعد الصدمة”؟ https://t.co/PUJHfZCtgWغزة-من-يدعم-الأطفال-نفسيا-لمواجهة-اضطر/ pic.twitter.com/1Tp18WBlJ9
— جريدة الإرشاد النّفسي (@epsycho_com_kw) June 9, 2021
ويروي الداي بعد تجبير ساقه اليسرى “كنت أشرب الشاي عند باب منزلي العاشرة مساء حين سمعت صوت قصف مقابل بيتنا، ورأيت جارنا مصابا ويستغيث وذهبت لمساعدته لكن ما إن حملته حتى أصابني صاروخ آخر”.
ويستطرد “كانت الجثث والأشلاء في كل مكان والدخان يغطي المنطقة. زحفت 15 مترا إلى الخلف لعلّ أحدا يتمكن من رؤيتي والوصول لمساعدتي حتى جاء أخي وحملني إلى المستشفى”.
إلى جوار سريره، يقف الطبيب النفسي في منظمة “أطباء بلا حدود” محمود عوض وهو يراقب بلال ويوضح أنه يمر بمرحلة اضطراب حاد.
ويشرح الطبيب كيف أن الشاب “يعاني من الصدمة والإنكار، إذ يميل إلى تعميم كل شيء من دون الحديث عن نفسه”، مضيفًا “نحاول أن ندفعه للحديث، نريد تجنب تطور الحالة إلى اضطراب ما بعد الصدمة” (بي تي أس دي).
نيويورك تايمز تنشر صور لضحايا (اطفال غزة ) الذي استهدفتهم إسرائيل في الاعتداء الأخير على غزة . pic.twitter.com/weRJkD4w4C
— فيصل السعيدي (@h5KXDq2VCzppAy5) June 9, 2021
ورغم أن الحرب الأخيرة على القطاع كانت أقصر من التي سبقتها في 2014 وأوقعت عددًا أقل من القتلى، فإن “تداعياتها النفسية ستكون أكثر حدة”، حسب مدير برنامج غزة للصحة النفسية الطبيب ياسر أبو جامع.
ويتساءل أبو جامع “كيف يمكنك أن تطمئن طفلك عندما يتواصل القصف لأكثر من نصف ساعة؟”، ويقول “الأمر مستحيل، نخبر الناس أنهم بحاجة للعيش في مكان آمن ليشعروا بالأمان، لكن في غزة لم يكن هناك مكان آمن على مدار 11 يوما”.
وتعجز الخدمات الصحية النفسية المتوفرة في قطاع غزة عن تلبية الطلب على العلاج النفسي، خصوصا في ظل نقص عدد الأطباء النفسيين إلى جانب عدم توفر دراسة تخصص الطب النفسي في جامعات القطاع.
ويشكك بعض المتخصصين في مفهوم اضطراب ما بعد الصدمة في قطاع غزة، ويقول الأخصائي النفسي سمير زقوت “لا يوجد اضطراب ما بعد الصدمة، لأنها صدمة مستمرة” موضحًا أن “الشفاء من الصدمة يعني أن تعيش في مكان آمن، لكن في غزة لا يوجد مكان آمن”.
وحسب زقوت “يمكنك التحدث عن التكيف والصمود، لكن لا يمكنك العلاج حقا”.
"من أجل طفل أنت مسلح".. كاميرا TRT عربي توثّق بعضاً من معاناة الأطفال في بلدة #سلوان بالقدس المحتلة#سلوان_حلف_التهجير pic.twitter.com/NWUK92XqpJ
— TRT عربي (@TRTArabi) June 12, 2021