السوريون في دمشق يعودون إلى الحج للمرة الأولى منذ 12 عاما

للمرة الأولى بعد 12 عاما، قسمت المملكة العربية السعودية ملف الحج في سوريا بين النظام والمعارضة، بعد أن كانت تديره المعارضة السورية ممثلة في لجنة الحج العليا طوال هذه السنوات.
لكن يبدو أن فرحة السوريين المقيمين داخل مناطق سيطرة النظام السوري بالسماح لهم بأداء مناسك الحج في موسم 2024، مع لجنة الحج التابعة لأوقاف النظام لم تكتمل، وذلك لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى حسب شهادات العديد منهم للجزيرة مباشر.
فقد كشف أحدهم عن انسحاب بعض المسجلين في قوائم الحج؛ بسبب عجزهم عن تأمين تكاليفه الباهظة.
وأعلنت وزارة الحج التابعة للنظام الموافقة على طلبات 17 ألفًا و500 سوري، وهو العدد الذي سمحت به السلطات السعودية، وقد اختير هؤلاء من بين 50 ألف متقدم عبر منصة إلكترونية مخصصة لهذا الغرض، تشرف عليها وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، وفق ما نقلته جريدة الوطن الرسمية.
وكانت فرحة السوريين الذين سيؤدون الفريضة عبر وزارة الأوقاف التابعة للنظام كبيرة، بعد إتاحة الفرصة لهم حسبما ذكر الشيخ أحمد أبو عبد الله (اسم مستعار)، وهو أحد المشرفين العاملين بمكتب للحج والعمرة في منطقة كفر سوسة بالعاصمة دمشق، مضيفًا أن “المناسك الدينية لا علاقة لها بالسياسة”.
تكاليف فوق طاقة السوريين
ورغم تقدم 50 ألف سوري لقرعة الحج واكتمال العدد المحدد وهو 17500 حاج فقد قال أبو عبد الله إنه بصفته مسؤول فوج يؤكد أن “التكاليف للسوريين غير معقولة ونسبة الناس التي كانت قادرة على دفع هذه المبالغ قليلة جدًّا”.
وأوضح الشيخ أحمد أن “تكلفة الحج للسوريين في مناطق سيطرة النظام هذا العام تتراوح بين 4000 و5150 دولارا أمريكي وهو رقم كبير مقارنة بقدرات السوريين وأوضاعهم المعيشية”.
ويزيد من تلك المعاناة قرار البنك المركزي السوري بفرض دفع هذا المبلغ بالعملة الأجنبية وتسديد كل الرسوم والتكاليف بالدولار “لبنك البركة سوريا” في قرار انتقده سوريون لكونه يتناقض مع المرسوم رقم 5 لعام 2024.

انسحاب سوريين مسجلين على قوائم الحج
وكشف المسؤول في فوج الحجاج بأحد مكاتب العاصمة السورية دمشق أن كثيرين من الحجاج المسجلين انسحبوا بسبب عدم قدرتهم على تأمين المبلغ المطلوب.
وتشرف مكاتب الحج والعمرة في سوريا على مهمة تسهيل تأمين التأشيرة وتوفير ما يُطلب من أوراق ومستندات قانونية ومرافقة الحجاج في المملكة وتأمين الخدمات لهم حتى العودة إلى سوريا حسبما أوضح الشيخ أحمد.
ومع انسحاب قسم من المسجلين بسبب تكاليف الحج الباهظة اضطر قسم آخر ممن أتم معاملة القبول للحج هذا العام “لبيع شيء من ممتلكاته كي يتمكن من أداء الفريضة”، وفق ما أوضحه أبو عبد الله.
ويرى قسم من السوريين أن فتح الباب لأداء الحج هذا العام قد لا يتوفر في العام القادم، ولهذا يصر على استغلال الفرصة ولو كلفه ذلك طلب المساعدة من أقربائه في الخارج أو بيع ما لديه من ممتلكات في سوريا.

فرحة كبيرة لم تكتمل
وتحدثت سهام -وهي مدرّسة في إحدى مدارس ريف دمشق- للجزيرة مباشر فقالت إن “فرحة كبيرة غمرت القلوب لإعادة إتاحة الحج هذا العام وعودة أجواء الزينة واستقبال الحجاج بعد عودتهم وتقديمهم للهدايا من ماء زمزم وما شابهه وهو مشهد اشتاق له السوريون”، وفق وصفها.
لكن تلك الفرحة لم تكتمل بسبب عدم قدرة كثيرين ومنهم سهام التي عبرت عن أملها في أن تكون الظروف أفضل في العام القادم لتتسنى لها المشاركة وتكون من بين الحجاج المغادرين نحو السعودية لأن “دخلها الحالي هي وأسرتها لا يكاد يكفي لأبسط أساسيات المعيشة”، وفق قولها.
وأوضحت سهام للجزيرة مباشر أن “ظروف الحرب والانهيار الاقتصادي ووضع الشعب المنهك حيث راتب الموظف ومتوسط الأجور لا يتناسب مع تكاليف الحج الباهظة” كل ذلك أسهم في إحجام الكثيرين عن قرار الانضمام لقوافل الحجاج هذا العام.

حوالة مالية أنقذت الحاج مصطفى
وبالمقابل شارك الدمشقي مصطفى عبد الرحمن (اسم مستعار) وهو أحد المقبولين في قرعة الحج هذا العام الجزيرة مباشر مشاعر فرحته، قائلًا إنه رغم المبلغ الكبير المطلوب لأداء الفريضة فإن أولاده تمكنوا من مساعدته من خلال حوالة مالية.
وأردف عبد الرحمن (71 سنة) أن عمره كان له دور كبير في قبوله وتسهيل إجراءات إتمام القبول من خلال المكتب الذي سجل فيه، وهو ما ساعده على تأمين كل الأوراق والمستندات القانونية اللازمة من ورقة اللقاح والتأشيرة إلى الموافقات الأمنية.
أما محمد المحمد الذي ينحدر من القنيطرة جنوبي سوريا فقد رأى أنه لو أتيح للسوريين السفر عن طريق البر كما كان الوضع قبل الحرب لكانت التكلفة أقل، وقال إن إلزام الناس الدفع بالعملة الأجنبية (الدولار) أمر ليس صعبًا نظرًا إلى أن الكثيرين يدخرون الذهب والنقد الأجنبي لأن ادخار الليرة السورية يتسبب لهم في خسارات كبيرة مع انخفاض قيمتها المستمر يومًا بعد آخر.
وينص المرسوم رقم 5 الصادر عن مصرف سوريا المركزي على استمرار منع التعامل بغير الليرة السورية في الدفع أو أي نوع من أنواع التداول التجاري.
ويصل سعر الدولار الواحد مقابل الليرة السورية في مناطق سيطرة النظام السوري إلى نحو 15 ألفًا ويختلف السعر بين محافظة وأخرى.
وحسبما نقلته مصادر إعلامية في تركيا ومناطق الشمال السوري فإن نحو 5000 حاج سوري يشاركون بموسم الحج هذا العام تحت إدارة الهيئة السورية للحج والعمرة التابعة للمعارضة، على أن يكون السفر إلى المملكة من خلال مطارات تركيا وقطر وأربيل.
جدير بالذكر أن المعارضة السورية استلمت إدارة ملف الحج منذ 12 عامًا، وذلك بعد انطلاق الثورة السورية وقطع السعودية علاقاتها مع النظام السوري.