“من لا يملك لمن لا يستحق”.. وعد بلفور المشؤوم الذي أسس لقيام “إسرائيل”
لولا وعد بلفور لما وُجِدَت إسرائيل
يُعد وعد بلفور أحدَ أهم الوثائق السياسية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث أصبح ركيزة الانتداب البريطاني على فلسطين مدة 30 عامًا، التي رسّخ فيها الوجود اليهودي، ووسّع الهجرات، ودعم العصابات الصهيونية، حتى تم إعلان قيام ما عُرف بدولة “إسرائيل” عام 1948.
“من لا يملك لمن لا يستحق”.. نص الوعد المشؤوم
كان وعد بلفور على شكل رسالة قصيرة بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 موجّهة من وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور إلى رئيس الجالية اليهودية في بريطانيا اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، بعد موافقة مجلس الوزراء البريطاني.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالاحتلال يرتكب مجزرة جديدة في بيت لاهيا ويقصف مبنى به 30 نازحا (فيديو)
تركيا تعلق على دخول القوات الإسرائيلية إلى الأراضي السورية
جيش الاحتلال يقتل أسرتين من 25 شخصا بمجزرة جديدة في بيت حانون
وجاء نص الوعد المشؤوم على النحو التالي “يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته”.
وتابع “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”.
وختم “سأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح”.
وجاء وعد بلفور نتيجة جهود مناصري الصهيونية داخل الحكومة البريطانية بمن فيهم بلفور، ورئيس الوزراء ديفيد لويد جورج، وعضو مجلس اللوردات هربرت صموئيل، كما أدى حاييم وايزمن، رئيس الاتحاد الصهيوني البريطاني منذ فبراير/شباط 1917 دورًا بالغ الأهمية في تلك الجهود، بحكم علاقته الوثيقة مع بلفور ولويد جورج وونستون تشرتشل.
وعد بلفور ووعود بريطانيا للعرب
تناقض وعد بلفور مع وعود بريطانيا للعرب، حيث دخلت القوات البريطانية فلسطين واستولت على القدس في ديسمبر/كانون الأول 1917، ثم أكملت احتلالها للبلاد في أكتوبر/تشرين الثاني 1918، وفرضت حكومة عسكرية في فلسطين، لتكريس دعائم الوطن القومي اليهودي على الأرض بناء على وعد بلفور.
المواقف الغربية من وعد بلفور
عرضت الحكومة البريطانية نص وعد بلفور على الرئيس الأمريكي آنذاك ودرو ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918، ثم وافق عليه الرئيس ولسون رسميًّا عام 1919، وكذلك اليابان.
وفي 24 يوليو/تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر/أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن إعلان بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.
وبعد مؤتمر باريس للسلام سنة 1919 وتأسيس عصبة الأمم، تمّ منح الانتداب على فلسطين (وشرق الأردن والعراق) لبريطانيا في مؤتمر سان ريمو في نيسان/إبريل 1920، واشتمل صكّ الانتداب على فلسطين، الذي وافق عليه مجلس عصبة الأمم في 24 يوليو/تموز 1922، على ديباجة و28 مادةً، وأكّدت الديباجة التزام بريطانيا بالمشروع الصهيوني، كما جاء في وعد بلفور، بدعوى اعترافها “بالصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين”. ودخل الانتداب على فلسطين حيز التنفيذ رسميًّا في 29 سبتمبر 1923.
الموقف الفلسطيني من إعلان بلفور
في يوليو 1920، أصبح الصهيوني هربرت صموئيل، أوّل مندوب سامٍ في فلسطين، وفي أغسطس/آب 1920 وافقت الإدارة البريطانية على أوّل مرسوم هجرة يهودية إلى الأراضي الفلسطينية، وأبدى سكان فلسطين منذ البداية معارضتهم لسياسة بلفور بطرق عديدة، بما في ذلك التظاهرات والاشتباكات العنيفة في إبريل/نيسان 1920 ومايو/أيار 1921.
وكانت المعارضة الفلسطينية المستمرّة الدافع وراء الكتاب الأبيض الذي أصدره وزير المستعمرات ونستون تشرتشل سنة 1922، الذي سعى فيه إلى توضيح أنّ نيّة بريطانيا كانت إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وليس تحويل مجمل فلسطين إلى وطنٍ لليهود.
ولم يستسلم الشعب الفلسطيني للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.
وعد بلفور وسياسات الانتداب البريطاني
فيما بين 1917 و1920 أنشأت بريطانيا نظام حكم عسكريًّا في فلسطين بهدف تهيئتها لتصبح وطنًا قوميًّا لليهود، وفي عام 1920 وافقت الإدارة المدنية التي أسستها بريطانيا، بديلا عن نظام الحكم العسكري، على أول مرسوم هجرة يهودي إلى فلسطين.
وبين عامي 1920 و1925 قام أول مندوب سامٍ للانتداب البريطاني على فلسطين، وهو هربرت صموئيل، بتغيير القوانين العثمانية لتسهيل انتقال الأراضي الفلسطينية إلى اليهود.
وفي عام 1922 صدر “الكتاب الأبيض” البريطاني الأول، المعروف باسم وثيقة تشرشل البيضاء (وزير المستعمرات البريطانية آنذاك)، الذي جدد التزام بلاده بوعد بلفور، وحاول احتواء الغضب العربي الفلسطيني بالقول إن هذا الوعد “لا يعني تهويد فلسطين كلها، والاستيطان لن يؤثر على وجودهم”.
وفي المقابل تم إنشاء الوكالة اليهودية في فلسطين استنادا إلى صك الانتداب البريطاني، واعترفت بريطانيا بالوكالة باعتبارها “هيئة عمومية يتم التعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي، ومصالح السكان اليهود بفلسطين”.
وفي عام 1928، أصدرت بريطانيا قانونًا يجبر الفلاحين الفلسطينيين على تسليم أراضيهم الزراعية لأغراض المنفعة العامة لقاء تعويض زهيد، وكان الهدف نقل الملكية للمهاجرين من اليهود.
وعد بلفور وتكوين العصابات الصهيونية
في عام 1935، اكتشف الفلسطينيون شحنات أسلحة ضخمة مهرّبة لصالح عصابة “الهاغاناه”، الصهيونية المسلّحة، وتم توجيه الاتهام لبريطانيا باعتبارها المسيطرة على طرق المواصلات البرية والبحرية إلى فلسطين، هذا في الوقت الذي تبنت فيه سلطة الانتداب البريطاني سياسات اقتصادية تقدم تسهيلات وامتيازات استثمارية لليهود.
وعقب اندلاع الثورة العربية بفلسطين عام 1936، أصدرت لجنة بيل الملكية البريطانية تقريرًا عام 1937 يقترح تقسيم فلسطين إلى دولتين: الأولى عربية تضم إمارة شرق الأردن والثانية يهودية، في حين تبقى الأجزاء ذات الأهمية الدينية والاستراتيجية تحت الانتداب البريطاني، ويحل محل الانتداب معاهدات تعقدها بريطانيا مع الدولتين.
وفي عام 1947، تم إنشاء الفيلق اليهودي الذي يضم 5 آلاف عنصر باعتبارها وحدة عسكرية مستقلة في الجيش البريطاني، ليكون نواة جيش الدولة الصهيونية بعد ذلك.
قرار التقسيم وانسحاب بريطانيا
في نفس العام، اجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب بريطاني، وأصدرت القرار رقم 181 في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، ويقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: يهودية على 54% من مساحة فلسطين التاريخية، وعربية على 45% فقط، مع استثناء 1% من الأماكن المقدّسة بالقدس، يكون تحت إدارة دولية.
وتوسعت بريطانيا في تسليح اليهود بكميات كبيرة من الأسلحة بعد قرار التقسيم مع تصاعد المواجهات بين اليهود والعرب، ثم أعلنت انسحابها وإنهاء انتدابها على فلسطين 1948، بعد أن تم الترتيب مع المنظمات الصهيونية التي استولت على مخازن الأسلحة البريطانية في فلسطين، لإعلان قيام دولة “إسرائيل” في 15 مايو 1948، وأعلنت بريطانيا اعترافها رسميًّا بإسرائيل في 13 مايو 1949.