أحمد الشرع.. رحلة صعود طالب الطب إلى قيادة عملية إسقاط نظام الأسد

ملقب بـ”أبو محمد الجولاني”

أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) قائد إدارة العمليات العسكرية لتحرير سوريا

ينتمي أحمد الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، لأسرة سورية من الطبقة الوسطى، والده حسين الشرع خبير اقتصادي يحمل شهادة الدكتوراه واختص في مجال النفط لسنوات استقر خلالها في السعودية حيث ولد ابنه أحمد في عام 1982، قبل أن تعود العائلة إلى سوريا وتستقر في أحد الأحياء الراقية بالعاصمة دمشق.

درس أحمد الشرع الطب لمدة عامين في جامعة دمشق، وتقول مصادر إنه درس الإعلام في الجامعة نفسها، وفي الحالتين لم يكمل تعليمه، مفضلاً الالتحاق بركب المتطوعين لقتال الأمريكيين في العراق.

أما اختياره لقب “الجولاني”، فيعود إلى المنطقة التي تنتمي لها عائلته في الأصل، وهي مرتفعات الجولان السوري المحتل جنوبي غرب البلاد، ونزحت العائلة إلى دمشق بعد حرب 1967.

“العلامات الأولى”

في عام 2021، قال الجولاني في مقابلة مع محطة (بي بي إس) الأمريكية، إن اسمه الحركي مستوحى من أصول عائلته المنحدّرة من مرتفعات الجولان، وإن جدّه نزح من الجولان بعد احتلال إسرائيل لجزء كبير منها عام 1967.

بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، توجّه الشرع للقتال فيها حيث انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، قبل أن يُسجن لمدة خمس سنوات، وبعد بدء الحراك الاحتجاجي ضد الأسد في عام 2011، عاد إلى وطنه ليؤسس جبهة النصرة التي أصبحت فيما بعد هيئة تحرير الشام.

رجل دولة في طور التكوين؟

صرّح الجولاني عام 2015 بأنه لا ينوي شنّ هجمات ضد الغرب، وأوضح أنه عندما انفصل عن تنظيم القاعدة، فقد فعل ذلك “لإزالة ذرائع المجتمع الدولي” لمهاجمة تنظيمه.

وفي يناير/ كانون الثاني 2017 فرض على الفصائل الإسلامية في شمال سوريا الانخراط في صفوف هيئة تحرير الشام، بعد مواجهات وتوترات بين المجموعات المسلحة، وشكّل إدارة مدنية لإدارة المناطق التي تسيطر عليها الهيئة في شمال غرب سوريا.

ومع بدء هجوم قوات المعارضة السورية، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لإسقاط نظام بشار الأسد، سعى الجولاني إلى طمأنة سكان حلب التي تضم نسبة كبيرة من المسيحيين، داعيا مقاتليه إلى الحفاظ على “الأمن في المناطق المحررة”.

الجولاني والقتال في العراق

عندما بدأ الغزو الأميركي للعراق في 2003، كان أحمد الشرع (21 عاماً آنذاك)، من بين المتطوعين الأوائل الذين قطعوا الحدود السورية وانضموا إلى الفصائل العراقية.

وفي مقابلته مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، قال الجولاني، إنه لم يتجه إلى العراق للانضمام إلى “القاعدة”، بل هبّ للدفاع عن العراقيين، حتى ألقت القوات الأمريكية القبض عليه، وأودعته في سجن أبو غريب، ثم تنقل بين عدد من السجون من بينها بوكا، قبل أن يودع سجن تُشرف عليها السلطات العراقية.

وفي عام 2008، تم إطلاق سراح الجولاني، ليعاود نشاطه ضمن صفوف تنظيم الدولة بقيادة أبي بكر البغدادي، وتم تعيينه مسؤولاً عن أنشطة التنظيم في الموصل شمالي العراق.

تكوين جبهة النصرة 2012

بعد اندلاع الصراع في سوريا في عام 2011، كان الجولاني من بين عدة أشخاص أوفدهم آنذاك البغدادي إلى سوريا لتمهيد الظروف من أجل تأسيس فرع جديد للتنظيم على الأراضي السورية، واتخذت الخلية مقراً لها في بلدة “الشحيل”، بمحافظة دير الزور شرقي سوريا، على مقربة من الحدود العراقية، وبدأت عملها عبر توزيع المساعدات.

وأعلن الجولاني، في بيان له عام 2012، تشكيل “جبهة النصرة لأهل الشام”، داعياً السوريين إلى “الجهاد لإسقاط النظام”، وكان يقول قادته الميدانيون إن هدفهم “إقامة دولة إسلامية تقوم على نظام الشورى يسود فيها العدل والإحسان”.

وأعلن الجولاني مبايعة زعيم القاعدة أيمن الظواهري وقال إنه عمل وفق توجيهاته وإرشاداته حتى يوليو/تموز 2016 حين أعلن فك ارتباط تنظيمه بالقاعدة، وتغيير اسمه إلى “جبهة فتح الشام”، وقال إن فك الارتباط “جاء تلبية لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي”، موضحا أن هذه الخطوة هدفت إلى تحقيق “العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس، والتوحد مع الفصائل المعارضة لرصّ صفوف المجاهدين وتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه”.

وأضاف أنه كان يهدف إلى “حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك، والسعي لخدمة المسلمين والوقوف على شؤونهم وتخفيف معاناتهم، وتحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس”.

وبشأن الخلافات بين “الجبهة” و”تنظيم الدولة”، قال الجولاني حينئذ “نرفض الخلافة التي يعلنونها ونعتبرها غير شرعية لأنها أقيمت على أسس غير شرعية”.

موقف الجولاني من العلويين وحزب الله

في لقاء أجرته قناة الجزيرة مع الجولاني، تم بث الجزء الأول منه في 27 مايو/ أيار 2015، قال الجولاني إن جبهة النصرة لن تقاتل العلويين في سوريا إذا ألقوا سلاحهم وتبرؤوا من الأسد، وأضاف أن الجبهة لن تقاتل إلا من يرفع السلاح عليها، وأنها ستعفو عمن ألقى سلاحه، حتى إن كان قاتلا فيما مضى.

وأوضح الجولاني أن المناطق التي سيطرت عليها الجبهة عام 2015، تكمن أهميتها الإستراتيجية والعسكرية في أنها تشكل خطوطا دفاعية أولى لمناطق الساحل، فضلا عن أنها مناطق سنية مجاورة للمناطق التي يقطنها العلويون، كما أكد الجولاني أن حزب الله يدرك أن معركته مع الجبهة خاسرة، لكنه مجبر على خوضها حتى الآن.

موقف الجولاني من إيران

في الجزء الثاني من اللقاء الذي تم بثه في 3 يونيو/حزيران 2015، قال الجولاني إن “أمريكا تريد جر إيران إلى حرب مع تنظيم القاعدة حتى يقاتلونا نيابة عنها”، مضيفاً: “إيران تهرب من مواجهتنا بجنودها وجيشها على الأرض حتى الآن، وتكتفي بالمليشيات”.

وأشار إلى أن “أمريكا أصيبت بالانكفاء بعد هزيمتها في أفغانستان والعراق ولم يعد لديها قدرة لإرسال الجيوش للخارج”.

وأضاف “لذلك طوعت إيران وأطلقت يدها في سوريا واليمن ولبنان والعراق”. وأكد الجولاني -حينها- أن إيران لم ترسل بعد قوات برية إلى سوريا، مضيفاً أن معلوماته مما يعايشونه من القتلى والأسرى في أرض الميدان تؤكد أن إيران أرسلت خبراء ومرتزقة، لكن لم ترسل جنوداً.

العقوبات الأمريكية على الجولاني

في ديسمبر 2012، صنفت الخارجية الأمريكية جبهة النصرة “منظمة “إرهابية”، وفي مايو 2013، تم تصنيف الجولاني، على أنه “إرهابي عالمي مُصنَّف بشكل خاص”، وأعلنت الولايات المتحدة حجز ممتلكاته الخاضعة لنطاق سلطتها، ومنع أي مواطن أمريكي من التعامل معه.

وفي العام نفسه أدرجت لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، الجولاني في قائمة “الإرهابيين المحظورين” وجعلته موضع تجميد دولي، ومنع من السفر، وحظر الأسلحة.

وفي عام 2017، عرض برنامج “مكافآت من أجل العدالة الأمريكي” عن صرف مكافأة تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار أمريكي مقابل الإدلاء بأي معلومات متعلقة بالجولاني.

تحولات الجولاني الفكرية والسياسية

في يوليو 2016، أعلن الجولاني فك ارتباط تنظيمه بـ”القاعدة”، وتغيير اسمه إلى “جبهة فتح الشام”، وقال في أول ظهور علني، إن القرار “جاء نزولاً عند رغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي في قصفهم وتشريدهم عامة المسلمين في الشام بحجة استهداف جبهة النصرة التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد”.

وفي عام 2017 حاول التنظيم دمج عدد من الفصائل المعارضة ضمن تشكيل جديد باسم “هيئة تحرير الشام”، إلا أن الفصائل انسحبت سريعاً ليبقى التنظيم الأساسي بقيادة الجولاني معتمداً المسمى الجديد.

واستقر في شمالي غرب سوريا وتحديداً في مدينة إدلب، حيث استطاع إقصاء وطرد فصائل المعارضة السورية، والقضاء على بعضها، بما فيها كتائب تابعة لـ”الجيش السوري الحر” و”جبهة ثوار سوريا”.

وخلال السنوات التالية، عملت “هيئة تحرير الشام” بموازاة بناء منظومتها العسكرية، على إدارة مختلف القطاعات في مناطق سيطرتها، حيث أسّست “حكومة الإنقاذ” في نوفمبر 2017، لتتولى مهام الشؤون المدنية، بما في ذلك التعليم والصحة والأمن الداخلي والخدمات العامة.

وتبنّت الهيئة شعارات المعارضة السورية المدنية، واعتماد علم الثورة السورية راية لها، وبالرموز على الزي الرسمي لعناصرها.

الجولاني وحرب تحرير سوريا

بعد أيام من السيطرة على مدينة حلب، زار الجولاني قلعة حلب، والتقط عدداً من الصور، في رسالة أراد منها “إظهار الثقة والنفوذ اللذين بات يتمتع بها”، وبدأ في إصدار البيانات موقعة باسمه الحقيقي، أحمد الشرع، وذلك في إطار محاولات إظهار أنه خلع ثوبه السابق كزعيم تنظيم متشدد، وبدأ ينحو أكثر فأكثر نحو “مشروع سوري وطني”.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية

إعلان