الروهينغيا.. مسلمو ميانمار والوجع المنسي على امتداد النهر

أقلية الروهينغيا المسلمة وحقول القتل في ميانمار

الأمم المتحدة وصفت الروهينغيا بأنهم الأقلية الدينية الأكثر اضطهادًا في العالم (رويترز)

مسلمو الروهينغيا، أقلية استوطنت إقليم راخين (أراكان سابقا) في ميانمار (بورما سابقا)، وبدأت معاناتهم مع الاحتلال البريطاني الذي حرّض البوذيين على قتلهم وتعذيبهم، واستمرت المعاناة عقودا، واعترفت الأمم المتحدة بأنهم أشدّ أقلية اضطهادًا في العالم، وصنفت محكمة العدل الدول قضيتهم ضمن قضايا الإبادة الجماعية عام 2020.

من هم الروهينغيا؟

الروهينغيا جماعة عِرقية مسلمة عاشت قرونًا في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، ويوجد حاليًّا نحو مليونين منهم يعيشون هناك، وقد وصل الإسلام إلى المنطقة في القرن السابع الميلادي مع قدوم التجار العرب، ثم تتابعت الوفود الإسلامية إليها من أنحاء المعمورة، فأقبل عدد كبير من الناس على اعتناق الإسلام.

ودخلت الإسلام عرقيات أخرى أشهرها مسلمو ميانمار الذين عرفوا باسم “باتي” وكانوا في وسط البلاد في العاصمة القديمة “ماندالاي”. وكان للروهينغيا مملكة استمرت نحو 350 عاما (من 1430 إلى 1780)، وتأسست أول دولة إسلامية لهم بقيادة الملك سليمان شاه، وجاء بعده 48 ملكا مسلمًا.

نساء من الروهينغيا يبكين أثناء هروبهن من ميانمار إلى بنغلاديش فرارا من عمليات التطهير العرقي (رويترز)

أين يعيش الروهينغيا؟

يتركز أغلب الروهينغيا في ولاية راخين (أراكان) على الساحل الغربي لدولة ميانمار، وتقع على مصب أطول نهر في الولاية، وتشرف عاصمتها سيتوي على الجزء الشمالي من الساحل ويحدها من الشمال ولاية تشين ومنطقتا ماغاوي وباغو، ومن الشرق منطقة إيباروادي، ومن الغرب خليج البنغال.

وفي شمال غرب راخين تقع بنغلاديش، التي تشترك معها في 275 كيلومترا من الحدود البرية والبحرية.

وتبلغ مساحة راخين نحو 37 ألف كيلومتر مربع، وتشكل جبالها حاجزًا طبيعيًّا بين الولاية وباقي مناطق ميانمار، كما تطل سواحلها على عدة جزر أشهرها شيدوبا ومينغون.

الروهينغيا والاستعمار البريطاني

في عام 1824 احتلت بريطانيا ميانمار وضمتها إلى حكومة الهند البريطانية، وواجه مسلمو الروهينغيا الاستعمار البريطاني بقوة؛ مما أوغر عليهم صدور البريطانيين، فعمدوا إلى تحريض البوذيين على المسلمين وأمدوهم بالسلاح، فارتكبوا مذبحة قتلوا فيها نحو مئة ألف مسلم في أراكان سنة 1924.

وفي سنة 1937 جعلت بريطانيا ميانمار مع أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية، عرفت بحكومة ميانمار البريطانية.

وبعد حصول ميانمار على استقلالها عن بريطانيا عام 1948، عانى الروهينغيا أبشع أنواع القمع والتعذيب، وأُجبر مئات الآلاف منهم على الفرار إلى الدول المجاورة مثل بنغلاديش وماليزيا وتايلند ودول جنوب شرق آسيا الأخرى.

فتاة من الروهينغيا تبكي لأنها أُخرجت من طابور انتظار الطعام في مخيم بالونغخالي في بنغلادش

وفي عام 1982 صدر قانون الجنسية في بورما ونص على تجريد الروهينغيا من حقوقهم في المواطنة، وصنّفهم على أنهم مسلمون بنغاليون جاؤوا من بنغلاديش المجاورة، وحرمهم من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية.

كما حرمهم من حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، ومن تأسيس المنظمات وممارسة الأنشطة السياسية، ومنعهم من مواصلة التعليم العالي، وكبّلهم بقيود تحدّ من تنقلهم وسفرهم وزواجهم.

وقامت سلطات ميانمار عام 1988 بإنشاء ما يسمى “القرى النموذجية” في شمالي راخين، لتشجيع البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق بدلًا من المسلمين.

الروهينغيا ومجازر 2012

في يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2012 قامت قوات الأمن في ميانمار بتنفيذ اعتقالات جماعية للمسلمين ودمرت آلاف المنازل، وحاول النازحون الهرب عبر نهر ناف إلى بنغلاديش المجاورة، فغرق بعضهم أثناء العبور.

وذكر تقرير المفوضية العليا للاجئين سنة 2012 أن الروهينغيا عُرِّضوا لكل أنواع “الاضطهاد”، ومنها “العمل القسري والابتزاز، وفرض القيود على حرية التحرك، وانعدام الحق في الإقامة، وقواعد الزواج الجائرة، ومصادرة الأراضي”.

ووصفت الأمم المتحدة مسلمي الروهينغيا بأنهم من أشد الأقليات اضطهادًا في العالم، ورغم الاعتراف الأممي بالوضع المأساوي لهم، فإن رئيس الدولة لم يحرّك ساكنًا، بل طلب من الأمم المتحدة إيواءهم في مخيمات لاجئين، حيث قال في 2012 “إن الحل الوحيد لأفراد هذه العرقية يقضي بتجميعهم في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلد”.

ووفقًا للبيانات المتاحة من الأمم المتحدة فقد هرب أكثر من 168 ألف شخص من الروهينغيا من ميانمار بعد مجازر عام 2012.

الروهينغيا وكارثة 2017

في أغسطس/آب 2017 شنَّ جيش ميانمار حرب إبادة وتهجير قسري على مسلمي الروهينغيا؛ مما اضطر نحو مليون روهينغي إلى الهروب والخروج من أرضهم، وظل نحو 300 ألف آخرين في مخيمات احتجاز بحكم الأمر الواقع في وسط ولاية راخين، محرومين من الخدمات الأساسية وسبل العيش، ونحو 500 ألف في المناطق الشمالية من الولاية محرومين بشكل شبه تام من المساعدات الإنسانية الدولية، وفقًا لبيانات منظمة أطباء بلا حدود 2018.

محكمة العدل الدولية وقضية الروهينغيا

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 تقدّمت دولة غامبيا بطلب إلى محكمة العدل الدولية، ترى فيه أن انتهاكات جيش ميانمار في ولاية راخين ضد الروهينغيا تخرق “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.

وفي 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت حكومتا كندا وهولندا أنهما تعتبران “من واجبهما دعم غامبيا أمام محكمة العدل الدولية، حيث ينبغي أن تهمّ (هذه القضية) البشرية جمعاء”، وفي 9 يناير/كانون الثاني 2020، رحبت الحكومة البريطانية بقضية غامبيا ضد ميانمار.

وفي 23 يناير/كانون 2020 أصدرت محكمة العدل الدولية أمرًا قضائيًّا يقضي بأن تمنع ميانمار جميع أعمال الإبادة الجماعية ضد مسلمي الروهينغيا.

وقد أمرت المحكمة ميانمار بالإجماع بمنع جميع الأعمال المنصوص عليها في المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية، وضمان عدم ارتكاب جيشها للإبادة الجماعية، واتخاذ تدابير فعالة للحفاظ على الأدلة المتعلقة بقضية الإبادة الجماعية.

الأمم المتحدة وقضية الروهينغيا

يعترف المجتمع الدولي بوجود أكثر من 1.2 مليون لاجئ من أقلية الروهينغيا في مخيمات اللجوء على الحدود بين ميانمار وبنغلاديش، وتشير تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى وفاة أو فقد ما يقرب من 900 من الروهينغيا في بحر أندامان وخليج البنغال عام 2013 وأكثر من 700 عام 2014.

وبحسب تقرير “منظمة رعاية الطفولة” الذي نشر في أغسطس/آب 2020، ولد ما يقرب من 76 ألف طفل روهنيغي في مخيمات اللاجئين بين أغسطس 2017 وأغسطس 2020.

وتقول المنظمات التابعة للأمم المتحدة إن عام 2022 يعد أحد أسوأ الأعوام بالنسبة للروهينغيا في الوقت الذي يحاول فيه اللاجئون الفرار من ظروف الحياة الصعبة في مخيمات بنغلاديش، حيث يعيش أكثر من مليون شخص في مخيمات مكتظة بعد فرارهم من ميانمار ذات الأغلبية البوذية.

لاجئو الروهينغيا و7 سنوات من المعاناة

في 24 أغسطس/آب 2022، ناشدت الأمم المتحدة، المجتمع الدولي “بذل جهود أكبر بكثير لتأمين الدعم المالي والحلول للاجئين الروهينغيين”، وجاء ذلك بمناسبة إحياء ذكرى فرار أكثر من 700 ألف شخص من مسلمي الروهينغيا إلى بنغلاديش في أغسطس 2017.

وفي 24 مايو/أيار 2024، أفادت الناطقة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إليزابيث ثروسيل بنزوح عشرات آلاف المدنيين من الروهينغيا خلال شهر مايو 2024 بسبب القتال في مناطق بوثيدونغ ومونغداو.

وأضافت “يقدر عدد الروهينغيا الذين فروا بنحو 45 ألفا، وقد انتقلوا إلى منطقة على نهر ناف قرب الحدود مع بنغلاديش بحثًا عن الأمان”.

وأشارت ثروسيل إلى أن “أكثر من مليون من الروهينغيا موجودون في بنغلاديش، بعد أن فروا من عمليات تطهير سابقة”.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية

إعلان