محمد يونس.. من مؤسس “بنك الفقراء” الحائز على نوبل إلى رئيس وزراء بنغلاديش
من قاعات المحاكم إلى رئاسة الحكومة
أعلن رئيس بنغلادش محمد شهاب الدين، الأربعاء 7 أغسطس/ آب 2024، أن الأكاديمي محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006 سيرأس حكومة انتقالية في البلاد، بعد حل البرلمان وفرار رئيسة الوزراء حسينة واجد إلى خارج البلاد.
وقال شهاب الدين إن قرار تشكيل حكومة انتقالية برئاسة يونس اُتخذ خلال لقاء بين رئيس الجمهورية وكبار ضباط الجيش وقادة مجموعة طلبة ضد التمييز التي قادت الاحتجاجات ضد الحكومة السابقة، في تموز/يوليو 2024.
نشأة محمد يونس ودراسته
ولد محمد يونس في 28 يونيو/ حزيران 1940 بمدينة شيتاجونغ، وكان والده يعمل صائغاً في المدينة، وهو ما يسَّر عليه أمر تعليم أبنائه. وكان الثالث من تسعة أخوة، وقضى طفولته المبكرة في القرية حتى عام 1944، حيث انتقلت عائلته إلى مدينة شيتاغونغ، وانتقل إلى مدرسة قريته (لامابازار الابتدائية).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفوز ناشط بيلاروسي ومنظمتين حقوقيتين من روسيا وأوكرانيا بجائزة نوبل السلام
فرنسي وأمريكي ونمساوي يفوزون بجائزة نوبل في الفيزياء
زملاء السويدي الفائز بجائزة نوبل للطب يلقونه في حوض مياه احتفاء به (صور)
اجتاز شهادة الثانوية من مدرسة شيتاغونغ وحصل على الترتيب 16 من بين نحو 40 ألف طالب في باكستان الشرقية (بنغلاديش)، وخلال سنوات دراسته، كان مشاركاً في الكشافة، وسافر إلى غرب باكستان والهند في عام 1952، وإلى كندا في عام 1955.
درس في كلية شيتاغونغ، وأصبح عضواً نشطاً في الأنشطة الثقافية وحصل على جوائز للدراما، وفي عام 1957 التحق بقسم الاقتصاد في جامعة دكا، وأكمل درجة البكالوريوس عام 1960، والماجستير في عام 1961.
في عام 1965، حصل يونس على منحة من مؤسسة “فولبرايت”، لدراسة الدكتوراة في علوم الاقتصاد من جامعة “فاندربيلت” بولاية تينيسي الأمريكية.
وأثناء دراسته في الولايات المتحدة، كان يونس ضمن الحركة الطلابية البنغالية المؤيدة للاستقلال، وخلال حرب استقلال بنغلاديش عام 1971، أسس محمد يونس لجنة للمواطنين البنغاليين في أمريكا، لدعم تحرير بنغلاديش.
وبعد الحرب عاد إلى بنغلاديش وعُين في لجنة التخطيط في الحكومة، لكنه استقال للانضمام لجامعة شيتاغونغ رئيساً لقسم الاقتصاد، وكان يقوم مع طلابه بجولات ميدانية على القرى الفقيرة في البلاد للوقوف على مشاكل الفقراء بشكل مباشر.
محمد يونس وتأسيس “بنك الفقراء”
في عام 1976 وخلال زياراته لقرية جوربا البنغالية، اكتشف أن القروض الصغيرة جداً يُمكن أن تُحدث فرقاً للفقراء، حيث وجد مجموعة من النساء يصنعون من الخيزران أثاثاً ويعتمدون على القروض الربوية لشراء الخيزران، ولهذا فإن حتى أرباحهم تذهب للمقرضين.
وفي ديسمبر من نفس العام، اتفق على قرض من الحكومة عن طريق بنك جاناتا لإقراض الفقراء في قرية جوربا، وواصلت المؤسسة العمل، وتأمين قروض من البنوك الأخرى لمشاريعها.
في عام 1979 قام بإنشاء بنك “غرامين” في بلاده، كمؤسسة غير ربحية هدفها إقراض الفقراء بنظام القروض متناهية الصغر، تساعدهم على القيام بأعمال بسيطة، تدر عليهم دخلا معقولاً، ووصل عدد المقترضين نحو 28 ألفاً عام 1982.
وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول 1983، بدأ المشروع التجريبي العملي لبنك متكامل لفقراء بنغلادش، وتمت تسميته بنك غرامين (بنك القرية). وواجه الكثير من المشاكل التي استطاع التغلب عليها.
وبين عامي 1983 و2007، كان بنك غرامين قد أقرض 7.4 مليون مقترض ما قيمته 6.38 مليارات دولار أمريكي، ولضمان السداد، استخدم البنك نظام “مجموعات التضامن” لدعم جهود بعضهم البعض في النهوض بالاقتصادي الذاتي.
محمد يونس وجائزة نوبل للسلام
حصل محمد يونس على جائزة نوبل للسلام سنة 2006، مناصفةً مع مشروعه “بنك غرامين”، وكان أول بنغالي يحصل على جائزة نوبل، وبعد إعلان نبأ الجائزة أعلن أنه سيستخدم جزءا من نصيبه من الجائزة (1.4 مليون دولار) لإنشاء شركة لتقديم تكلفة منخفضة للمواد الغذائية للفقراء، وبقية الجائزة ستذهب لإقامة مستشفى العيون للفقراء في بنغلاديش.
وحصل يونس كذلك على وسام الحرية الرئاسي، والميدالية الذهبية للكونغرس، وجائزة الغذاء العالمية، وجائزة سيمون بوليفار الدولية، وجائزة سيدني للسلام، وجائزة سيول للسلام.
ومُنح محمد يونس 50 درجة دكتوراة فخرية من جامعات في 20 بلداً، و113 جائزة عالمية من 26 دولة مختلفة، بما في ذلك أوسمة الشرف من 10 دول.
الصدام بين محمد يونس وحسينة واجد
في عام 2009 بعد أن وصلت حسينة واجد إلى السلطة في بنغلاديش واجه يونس الكثير من العقبات، حيث اتهمت حسينة مقرضي التمويل المتناهي بـ “امتصاص دماء الفقراء” وأنهم يستغلون حاجات الناس لأخذ فوائد كبيرة.
وواجه يونس عشرات القضايا أمام المحاكم، بما في ذلك اتهامات بالفساد خلال الفترة التي حكمت فيها حسينة بين 2009 و2024.
كانت الشيخة حسينة تنظر إلى يونس على أنه منافس محتمل؛ خصوصاً بعدما أعلن في 2007 عن خططه لإطلاق حزب سياسي منافس لحزب “رابطة عوامي” الذي تتزعمه حسينة، إلا أنه تخلّى عن هذه الخطط في العام التالي. وأكد يونس “لم أسعَ أبداً للعمل بالسياسة”.
من قاعات المحاكم إلى كرسي رئاسة الوزارء
في أغسطس (آب) 2023، نشرت 160 شخصية دولية، بينهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، والأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، رسالة مفتوحة مشتركة، تندد بالمضايقات القضائية المتواصلة التي يتعرض لها يونس، وتبدي مخاوف على أمنه وحريته”.
ووجَّه 12 عضواً بالكونغرس الأمريكي في يناير/ كانون الأول 2024، خطاباً إلى الشيخة حسينة، يطالبها بوقف المضايقات المتكررة ليونس.
لكن يونس وثلاثة من زملائه في “غرامين تيليكوم”، وهي واحدة من الشركات التي أسسها، اُتهموا بعدم إنشاء صندوق ادخار فيها، وبالتالي انتهاك قانون العمل، وأدينوا بموجب قوانين العمل في البلاد، وحُكم عليهم بالسجن 6 أشهر، ثم تم إطلاق سراحهم بكفالة.
وقال يونس بعد النطق بالحكم “عُوقبت على جريمة لم أرتكبها”، وأضاف “السبب الوحيد لملاحقتي قضائياً أن حسينة تراني تهديداً سياسياً بسبب شعبيتي؛ لأني عملت من أجل الناس، وزرت تقريباً كل القرى في بنغلاديش”.
محمد يونس واحتجاجات 2024
مع تصاعد الاحتجاجات في بنغلاديش في يوليو/ تموز 2024، قال يونس إن الجيش تخلى عن الشيخة حسينة، وإلا فلم يكن ممكناً أن تستقيل وتخرج من البلاد، مضيفاً أنه من الضروري تشكيل حكومة مدنية وإجراء انتخابات في أسرع وقت.
ويرى يونس أن أولئك الذين يملكون البلاد لعقود من الزمن سيفعلون كل ما بوسعهم لزعزعة استقرار البلاد، وأن الثورة لم تنتهِ بعد؛ لأن المطلوب الآن هو العمل على تغيير الأمور بعمق، معتبراً أن بنغلاديش تمر بنقطة تحول في تاريخها.
وقال إن بنغلاديش كانت “بلداً محتلاً” في عهد حسينة، مضيفاً “يشعر جميع سكان بنغلاديش اليوم بأنه تم تحريرهم”، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.