محمود درويش.. عاشق فلسطين الذي كتب “قصيدة لا تنتهي” في الإنسان والأرض

“إن سألوك عن غزة قل لهم: بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد”

الشاعر الفلسطيني محمود درويش (رويترز)

في التاسع من أغسطس/آب من كل عام، يُحيي الفلسطينيون ذكرى رحيل شاعرهم الكبير محمود درويش الذي شغل الدنيا بقصائده، وترك بصمات مهمة في القصيدة العربية الحديثة، وعبّر بصدق وعمق عن قضية العرب الأولى، وكان لأشعاره الوطنية دور مهم في نقل القضية إلى العالم، من خلال تعبيره الإنساني عن معاناة الفلسطينيين داخل وطنهم وخارجه.

نشأة محمود درويش

ولد محمود سليم درويش في 13 مارس/آذار عام 1941، في قرية البروة قُرب ساحل مدينة عكا، ثم انتقل إلى لبنان عام 1948، وعاد في 1949 فوجد القرية قد هُدمت وبُنيت على أنقاضها مستوطنة يهودية، فاضطرت العائلة إلى السكن في قرية الجديدة.

توقف تعليمه الرسمي عند المرحلة الثانوية، وتفرّغ بعدها للشعر وللعمل المبكر في الصحافة والسياسة، وكتابة الشعر والمقالات في الصحف مثل “الاتحاد” والمجلات مثل “الجديد” التي أصبح فيما بعد مشرفًا على تحريرها، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي الذي كان عضوًا فيه، كما اشترك في تحرير جريدة “الفجر”.

الشاعر الفلسطيني محمود درويش
الشاعر الفلسطيني محمود درويش (أرشيفية الجزيرة)

المسيرة السياسية لمحمود درويش

اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1961 لتصريحاته المناهضة للاحتلال، ولنشاطه السياسي، وحكم عليه أكثر من مرة بالإقامة الجبرية.

في عام 1972 سافر للدراسة في الاتحاد السوفيتي، وانتقل من هناك إلى مدينة القاهرة، ليلتحق بمنظمة التحرير، ومنها إلى بيروت.

غادر بيروت عام 1982، بعد العدوان الإسرائيلي الذي حاصرها وطرد منظمة التحرير منها، ليتنقل بعدها بين باريس وتونس وسوريا وقبرص والقاهرة، ثم يعود إلى فلسطين.

انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1988، ثم مستشارًا للرئيس الراحل ياسر عرفات.

شارك في صياغة وثيقة الاستقلال الفلسطيني التي أعلنت في الجزائر عام 1988، واستقال من اللجنة التنفيذية بعد خمس سنوات احتجاجًا على توقيع اتفاق أوسلو.

محمود درويش و”خيبة الأمل” بعد أوسلو

بعد توقيع اتفاقية أوسلو في 1993، أُصيب درويش بـ”خيبة أمل”، وبعد عامين من توقيعها، ترجم ذلك في قصيدته “لماذا تركت الحصان وحيدًا”.

الوظائف التي شغلها محمود درويش

شغل درويش العديد من المناصب الثقافية، فترأس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وأسس مجلة “الكرمل” الأدبية الثقافية عام 1981 وظل رئيسًا لتحريرها حتى وفاته.

عمل رئيسًا لتحرير مجلة شؤون فلسطينية في بيروت، وأصبح مديرًا لمركز أبحاث المنظمة، وبلغت مبيعات دواوينه باللغة العربية وحدها أكثر من مليون نسخة.

جوائز محمود درويش

حصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها: جائزة لوتس عام 1969، جائزة البحر المتوسط 1980، درع الثورة الفلسطينية 1981، لوحة أوروبا للشعر 1981، جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي 1982، جائزة لينين في الاتحاد السوفيتي 1983.

وكذلك جائزة الأمير كلاوس (هولندا) عام 2004، وجائزة العويس الثقافية مناصفة مع الشاعر السوري أدونيس في 2004.

أعمال محمود درويش

ترك درويش آثارًا أدبية عديدة، وترجمت أعماله إلى نحو 40 لغة، وما زالت تترجم إلى لغات أخرى، ومن الأعمال التي تركها درويش: “عصافير بلا أجنحة” 1960، و”أوراق الزيتون” 1964، و”عاشق من فلسطين” 1966، و”آخر الليل” 1967، و”العصافير تموت في الجليل” 1970، و”حبيبتي تنهض من نومها” 1970، و”أحبك أو لا أحبك” 1972، و”محاولة رقم 7″ 1973، و”يوميات الحزن العادي” 1973، و”وداعًا أيتها الحرب، وداعًا أيها السلام” 1974، و”تلك صورتها وهذا انتحار العاشق” 1975.

ومن آثاره أيضًا: “أعراس” 1977، و”مديح الظل العالي” 1983، و”حصار لمدائح البحر” 1984، و”هي أغنية، هي أغنية” 1986، و”ورد أقل” 1986 و”في وصف حالتنا” 1987، و”أرى ما أريد” 1990، و”عابرون في كلام عابر” 1991، و”أحد عشر كوكبًا” 1992، و”لماذا تركت الحصان وحيدا” 1995، و”جدارية” 1999، و”سرير الغريبة” 2000، و”حالة حصار” 2002، و”لا تعتذر عما فعلت” 2003، و”كزهر اللوز أو أبعد” 2005، و”أثر الفراشة” 2008.

أشعار محمود درويش

كان درويش من الشعراء العرب القلائل الذين يكتبون نثرًا لا يقل في صفائه وجماله عن الشعر ومن مؤلفاته النثرية: “شيء عن الوطن”، “يوميات الحزن العادي”، “ذاكرة للنسيان”، “في وصف حالتنا”، “الرسائل” بالاشتراك مع سميح القاسم، “الكتابة على ضوء البندقية”، “في حضرة الغياب” و”حيرة العائد”.

وفي قصيدته “مديح الظل العالي”، التي خطّها بعد مجزرة صبرا وخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، يتناول درويش المجزرة والشتات بشيء من الأمل، بثقة المناضل. تلك الثقة التي انعكست في العديد من أجزاء القصيدة حين يوصي درويش قائلًا “هي هجرة أخرى فلا تذهب تماما.. وهي هجرة أخرى فلا تكتب وصيتك الأخيرة والسلاما”.

نشر آخر قصائده بعنوان “أنت منذ الآن غيرك” يوم 17 يونيو/حزيران 2007، وقد انتقد فيها التقاتل الفلسطيني.

محمود درويش “الإنسان والأرض”

ربط درويش ميلاده وحياته بالوجود الفلسطيني، وتوقّف في كثير من قصائده عند شهر مارس/آذار، شهر الميلاد وشهر الأرض، ففي قصيدته (الأرض) دمج بين سيرته الذاتية وسيرة فلسطين منذ وقوعها تحت الانتداب الإنجليزي، ثم النكبة عام 1948، إذ يقول “في شهر آذار، قبل ثلاثين عامًا وخمس حروب.. وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء”.

ثم يقول “وفي شهر آذار نمتدُّ في الأرضِ.. في شهر آذار تنتشرُ الأرضُ فينا”، ثم يعود فيقول “في شهر آذار ندخلُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حُبٍّ.. وتنهمرُ الذكرياتُ على قرية في السياج”.

محمود درويش وغزة

هو الذي كتب عن غزة قبل وفاته “إن سألوك عن غزة قل لهم: بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد”.

“أحن إلى خبز أمي”

اقتيد إلى السجن وعندما زارته أمه في زنزانته أحضرت معها قهوته المفضلة، لكن جنديَّ الاحتلال انتزع منه الكوب وسكبه على الأرض. انقضى وقت الزيارة، وعادت السيدة حورية إلى بيتها، فأطبق الشوق على محمود فكتب “سلامٌ عليكِ وأنتِ تعدّين نار الصباح”.

ثم يقول “أحن إلى خبز أمي.. وقهوة أمي.. ولمسة أمي، وتكبُر في الطفولة.. يوما على صدر يوم، وأعشق عمري لأني.. إذا متُّ.. أخجل من دمع أمي”. وهي القصيدة التي أبدع في غنائها صوت لبنان مرسيل خليفة.

وفاة محمود درويش

توفي محمود درويش في التاسع من أغسطس/آب عام 2008، بعد عملية قلب مفتوح أجراها في مركز تكساس الطبي في هيوستن بالولايات المتحدة، دخل بعدها في غيبوبة، وأعلن الأطباء وفاته بعد رفع الأجهزة عنه حسب وصيته، حيث قال قبل العملية إنه لا يريد أن يعيش وهو ميت إكلينيكيًّا.

شارك في جنازته آلاف من الفلسطينيين، ونُقل جثمانه في جنازة مهيبة إلى رام الله حيث دفن، وأقيم له صرح معروف باسم “حديقة البروة” أو متحف محمود درويش.

“لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”

الديوان الأخير لمحمود درويش بعنوان “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي”، وينقسم الديوان إلى ثلاثة أقسام، الأول بعنوان “لاعب النرد” والثاني خصص لقصيدة واحدة هي “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” والأرجح أنها آخر قصيدة كتبها، وأراد لها الشاعر أن لا تنتهي. وهي ترمز إلى علاقة الشاعر بذاته وأرضه وموته.

أما القسم الثالث فيضم مجموعة من القصائد التي كتبها محمود درويش على مراحل، منها الوطني ومنها الشخصي وبينها قصيدتان إلى نزار قباني وإميل حبيبي.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية

إعلان