حسن إصليح.. تهمته أنه “الصحفي الذي بث من داخل دبابة في 7 أكتوبر”
وثّق الطوفان فاغتاله الاحتلال

لم يكن استشهاد الصحفي الفلسطيني حسن إصليح باستهداف طائرات الاحتلال له، جريحا، وهو يتلقى العلاج من إصابته قبل نحو شهر، إلا حلقة ختامية أراد بها أن يكتب السطر الأخير في حياة صحفي نابغ من قطاع غزة.
لم تقف الإصابة حائلا بين الاحتلال وبين استهداف إصليح أو “أبو العبد” كما يُكنى، فمن دون أي رادع قانوني أو أخلاقي أو إنساني، شنت طائرات “جيشه الأخلاقي” غارة على قسم الجروح داخل مجمع ناصر الطبي، حيث كان يرقد حسن ويتلقى علاجه، ففاضت روحه إلى بارئها.

“الصحفي الذي بث من داخل دبابة في 7 أكتوبر”
احتفى الإعلام الإسرائيلي الرسمي باستشهاد إصليح حتى إن أحد مواقعه عنون الخبر بـ: تصفية “الصحفي” الذي بث من داخل الدبابة في 7 أكتوبر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالقسام: دمرنا ناقلتي جند للاحتلال وقصفنا “نيريم”
عشرات الشهداء في غزة.. وإسرائيل تواصل استهداف طوابير الجوعى (فيديو)
تحالف أسطول الحرية: 3 من ناشطي القارب “مادلين” لا يزالون رهن الاعتقال في إسرائيل
وهو عنوان “فاضح” إذ يلخص على وجه الدقة أي جريمة اقترفها حسن في نظر الاحتلال، وهي جريمة القيام بدوره الصحفي في نقل الخبر والصورة اللذين لم تكن إسرائيل تحب نقلمها.
مسلسل طويل من الاغتيال المعنوي وحتى نقطة النهاية
وفي منتصف ليل السابع من إبريل/نيسان الماضي، استهدف الاحتلال خيمة الصحفي حسن إصليح، استهدافا مباشرا، فحول هدوء الخيمة إلى كومة من النيران، التهمت حينها ثلاثة من زملائه أحياء: أحمد منصور، وحلمي الفقعاوي، ويوسف الخزندار، وتركت إصليح مصابا بشظية في رأسه وأخرى في كفّه.
لكن استهداف حسن باغتياله جسديا، كان نقطة النهاية بعد مسلسل طويل من اغتياله معنويا، منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، إذ كان أحد المصورين القلائل الذين قاموا بعملهم، فنقلوا وقائع السابع من أكتوبر عام 2023، لكبرى وكالات الأنباء ووسائل إعلام عالمية، مما مثل “جريمة” لم يغفرها له الاحتلال.
ومنذ ذلك الحين، أوغل الإعلام الإسرائيلي في دم الشهيد حسن إصليح وهو حي، فحرض على استهدافه مرة بعد أخرى، ووجه إليه تهم “الإرهاب”.
البداية كانت بعدما نشرت منظمة مؤيدة لإسرائيل تدعى “هونست ريبورتنج” تقريرا تساءلت فيه عن المصورين العاملين لصالح وسائل إعلام دولية، مشيرة فيه إلى حسن وأربعة زملاء آخرين بأصابع الاتهام زاعمة أن معلومات مسبقة كانت لديهم عما وصفته “بهجمات” السابع من أكتوبر.
In the hours following our expose, new material is still coming to light concerning Gazan freelance journalist Hassan Eslaiah whom both AP & CNN used on Oct. 7.
Here he is pictured with Hamas leader and mastermind of the Oct. 7 massacre, Yahya Sinwar. https://t.co/S9pXeIGaFq pic.twitter.com/RmEZU5RsM8
— HonestReporting (@HonestReporting) November 8, 2023
ثم غرد بعدها وزير دفاع إسرائيل حينها بيني غانتس على منصة إكس قائلا إن الصحفيين الذين قاموا بتصوير ما جرى في السابع من أكتوبر يجب معاملتهم “كإرهابيين”.
אם היו עיתונאים שידעו על הטבח, ששתקו וצילמו בזמן שילדים נטבחו – הם אינם שונים מהמחבלים ודינם חד הוא.
— בני גנץ – Benny Gantz (@gantzbe) November 9, 2023
ثم دخل على الخط مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فوجهت إدارة الإعلام الوطني فيه، رسالة إلى رؤساء المؤسسات الإعلامية الكبرى، التي تستخدم “مصورين في خدمة حماس“، طالبة توضيحا بشأن ذلك، مشيرة إلى أنهم متواطئون في جرائم ضد الإنسانية، وأن هذا انتهاك لقواعد أخلاقيات المهنة، مطالبةً باتخاذ إجراءات ضدهم.
الجريمة: نقل الخبر
وصحيح أن وسائل إعلام عالمية رضخت للضغوط الإسرائيلية، فعلقت تعاملها مع الشهيد إصليح، لكن وسائل إعلام عالمية أخرى أنصفته فوقفت في صفه تماما، مدافعة عن مهنيته وعن قدراته الصحفية وعن فرادته في نقل الصورة والخبر.
وقد ردت وكالتا رويترز وأسوشيتد برس الأمريكية بأنها “تستخدم صورًا لمصورين مستقلين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك غزة”، وأن حسن كان يعمل لديها مصورًا مستقلًا لصالحها، وأن “مهمة الوكالة هي جمع المعلومات بشأن الأحداث حول العالم، أينما وقعت، حتى عندما تنطوي على أحداث مروعة تخلف العديد الضحايا”.
عمله صحفيا ينقل الخبر كان جريمة حسن الأساسية على الأرجح، التي دعمها الاحتلال بنشر صورة التقطت له مع الشهيد يحيى السنوار قائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وهي الصورة التي دفعت وزير الطاقة الإسرائيلي كاتس لنشرها على موقع إكس والتغريد قائلا: من كان صديقا للسنوار فهو مثله.
דין צלם שידע ושתק ותיעד את הטבח כדין מחבל. מי שחבר של סינוואר יגמור כמו סינוואר. pic.twitter.com/IyxHG7vrUM
— ישראל כ”ץ Israel Katz (@Israel_katz) November 9, 2023
“من السلك إلى السلك”
ووسط بيئة ملتهبة تحيطها النيران من كل جانب، كان حسن يؤدي واجبه مصورا صحفيا، يصور ويكتب ويعالج الخبر والقصة وينقل معاناة أهل غزة، صحيحهم وسقيمهم، كبيرهم وصغيرهم، أحزانهم وأتراحهم حتى أصبح أيقونة صحفية ومصدرا موثوقا به للخبر والصورة، وعرفه جميع أهالي القطاع وفق ما يقولون “من السلك إلى السلك”.
ختم حسن حياته شهيدا لينضم إلى قافلة طويلة من الصحفيين الشهداء الذين قضوا نحبهم في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قائمة اكتملت خمسة عشر بعد المئتين، لم تكن جريمتهم سوى نقل صوت الحقيقة، الذي أزعج صوت الصاروخ.