علي خامنئي.. وريث الثورة وباني دولة الولي الفقيه

هو عالم دين وسياسي إيراني، ويُعد أحد أبرز رموز الثورة الإسلامية في إيران. شارك في إسقاط نظام الشاه محمد رضا بهلوي وأسهم في إيصال الإمام روح الله الخميني إلى السلطة.
آمن بنظرية ولاية الفقيه، وتولى منصب المرشد الأعلى بعد تعديل دستوري أتاح للمجتهدين تسلم هذا الموقع، بعدما كان حكرًا على الفقهاء.
عرف منذ شبابه بأنه أحد أعمدة الثورة ورموزها، ويُقال إن الخميني فجّرها، ثم تولى خامنئي ترسيخها وتوسيع نفوذها خارج الحدود.
المولد والنشأة
ولد علي جواد حسيني خامنئي في 8 سبتمبر/أيلول 1939 بمدينة مشهد شمال شرقي إيران، وسط أسرة فقيرة عُرفت بالعلم والدين. تعود أصول عائلته إلى مدينة تفرش وسط البلاد، قبل أن يهاجر أجداده إلى أذربيجان الإيرانية ومنها إلى النجف.
والده السيد جواد خامنئي من علماء الدين الأذريين هاجر من تبريز إلى مشهد، ووالدته خديجة ميردامادي تنحدر من مدينة أصفهان، وكانت حافظة للقرآن ومن سلالة ميرداماد، أحد أبرز علماء العهد الصفوي.
نشأ خامنئي في حي فقير بمنزل صغير لا تتجاوز مساحته 70 مترا، وعانى خلال طفولته من شظف العيش. يروي في مذكراته أن أسرته لم تكن تجد الطعام أحيانا، وكانت والدته تخيط لهم ملابسهم من ثياب والده القديمة.
ويُعد خامنئي الثاني بين 8 إخوة، منهم 3 علماء دين. تزوج عام 1964 وله ستة أبناء: مصطفى، ومجتبى، ومسعود، وميثم، وبشرى، وهدى. يُجيد اللغة التركية إلى جانب الفارسية والعربية، بسبب اهتمامه الديني والثقافي المبكر.

مسيرة علمية مبكرة
بدأ خامنئي رحلته التعليمية في سن الرابعة، حين التحق بالكتّاب في مدينة مشهد، وتعلم القراءة وشرع في حفظ القرآن الكريم. وفي المنزل، تولت والدته تعليمه أساسيات الشعر والأدب الفارسي، إلى جانب الفنون الإسلامية الإيرانية.
أكمل دراسته الابتدائية حتى الصف الخامس، ثم شرع في دراسة العلوم الدينية (الحوزوية) على يد والده والعالم جليل حسيني سيستاني. وبعد إنهائه المرحلة الابتدائية في مدرسة دينية، واصل دراسته في مدرسة حكومية مسائية، وحصل على الشهادتين الإعدادية والثانوية.
التنقل بين مشهد والنجف وقم
وفي عام 1958، انتقل إلى النجف الأشرف برفقة والده، وهناك تتلمذ على يد عدد من كبار المراجع، منهم محسن الحكيم، وأبو القاسم الخوئي، ومحمود شاهرودي. وبعد فترة وجيزة عاد إلى مشهد لمتابعة دراسته تحت إشراف المرجع محمد هادي ميلاني.
وفي عام 1959، سافر إلى مدينة قم لمواصلة تحصيله العلمي، ودرس على يد أبرز العلماء في الحوزة، مثل روح الله الخميني، ومحمد حسين الطباطبائي، وحسين بجنوردي، ومرتضى حائري يزدي، ومحمد محقق ميرداماد.
عاد إلى مشهد عام 1964 بعد أن فقد والده بصره، فشرع في تدريس الفقه والتفسير لطلبة الحوزة، وبدأ في الوقت نفسه نشر أفكار معارضة لنظام الشاه بين طلابه، وتمكن من استقطاب عدد كبير منهم، ممن كان لهم دور لاحق في الثورة الإيرانية عام 1979.

اهتمامات ثقافية
إلى جانب دراسته الدينية، كان لخامنئي اهتمام لافت باللغات والآداب، إذ تعلم اللغة التركية من بيئته الأسرية، وأجاد الفارسية والعربية، وكان يتلقى دروسًا في اللغة الإنجليزية داخل سجن “قزل حصار” بطهران من ناشط أرمني يساري خلال فترة اعتقاله في ستينيات القرن الماضي.
يُعرف عن خامنئي شغفه بالأدب، وخاصة الروايات والقصص الفارسية والعربية والعالمية، كما أبدى اهتمامًا بالنقد الأدبي والشعري، وكانت له علاقات وثيقة بعدد من الأدباء والشعراء المعروفين، من أبرزهم الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري.
تأثر خامنئي في شبابه بأفكار المفكر الإسلامي علي شريعتي، صاحب مشروع “إسلام بلا رجال دين”، لكنه سرعان ما انحاز إلى فكر الخميني، الذي أصبح لاحقًا أبرز تلامذته وأكثرهم وفاءً لمنهج “ولاية الفقيه”، حتى صار أحد دعاتها البارزين وأسهم لاحقًا في ترسيخها دستوريًّا وعمليًّا.
من المعارضة إلى قيادة الثورة والنظام
نشأ المرشد الإيراني علي خامنئي في بيئة سياسية معارضة لحكم الشاه، إذ أُعدم زوج عمته خلال تلك الحقبة، مما عمّق ارتباطه المبكر بالنضال السياسي.
انخرط منذ بداية ستينيات القرن الماضي في صفوف المعارضة ضد نظام محمد رضا بهلوي، واعتُقل ست مرات، كما منعه جهاز الاستخبارات (السافاك) عام 1965 من مغادرة البلاد لعقد كامل، وتم نفيه لاحقًا عام 1977 إلى مدينة إيرانشهر.
بدأ خامنئي نشاطه السياسي منذ وقت مبكر، إذ اعتقل لأول مرة عام 1962 على خلفية مشاركته في اجتماع مؤيد للقضية الفلسطينية بمشهد. وكان قد التقى في عام 1952 مجتبى نواب صفوي، زعيم “حركة فدائيي الإسلام”، التي كان لها تأثير كبير في الفكر الإسلامي الثوري.

تحالفات فكرية وتنظيمية في مواجهة الشاه
أقام خامنئي علاقات وثيقة مع عدد من الرموز السياسية والدينية المناهضين لحكم الشاه، من أبرزهم مرتضى مطهري، وأكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمود طالقاني، ومهدي بازركان، ويد الله سحابي. وكان أول لقاء له بالخميني عام 1957 في كربلاء، قبل أن يتوطد ارتباطه الفكري به خلال دراستهما في قم، إذ تشاركا السكن لفترة من الزمن، مما عزز تحالفًا سياسيًّا طويل الأمد بينهما استمر حتى وفاة الخميني.
في عام 1977، اختير خامنئي ضمن لجنة من 11 رجل دين شكلها الخميني بهدف إصلاح الحوزة الدينية في قم وتهيئتها سياسيًّا لمعارضة الشاه. وأسفرت هذه الجهود عن تأسيس “جمعية العلماء المجاهدين” التي تطورت لاحقًا إلى “الحزب الجمهوري الإسلامي”، الواجهة السياسية الرئيسية للثورة.
تعرضت هذه الجمعية لملاحقة أمنية، وتمكن السافاك من تفكيك جزء منها عام 1964، لكن خامنئي فرّ حينها قبل أن يُعتقل في مشهد عام 1965، ويُحكم عليه بالسجن ستة أشهر.
بعد خروجه، واصل نشاطه السياسي، واعتُقل مرات أخرى بسبب خطبه ومحاضراته التحريضية، حتى عاد عام 1978 إلى مشهد لقيادة الحراك الثوري في محافظة خراسان.
أحداث السفارة الأمريكية
شارك خامنئي بفاعلية في الثورة التي أسقطت نظام الشاه عام 1979، وكان من أبرز قادتها ومفاوضيها. كما كان من الشخصيات الرئيسية في أزمة السفارة الأمريكية بطهران، إذ دعم عملية اقتحامها من قبل الطلاب الثوريين، التي أسفرت عن احتجاز 52 دبلوماسيًّا أمريكيًّا مدة 444 يوما.
وبعد انتصار الثورة، اختاره الخميني عضوًا في “لجنة الثورة”، التي ضمت عددًا من القيادات البارزة مثل مرتضى مطهري ومحمد بهشتي ورفسنجاني، وأسندت إليها مهمة إدارة المرحلة الانتقالية، والتفاوض مع الحكومة السابقة والدول الأجنبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
كان من أبرز قرارات اللجنة تأسيس تشكيلات أمنية لحماية الثورة، شملت “الحرس الثوري”، و”اللجان الثورية”، و”الباسيج”، وقد أشرف خامنئي على هذه التشكيلات حتى أواخر عام 1979، حين استقال من مهامه العسكرية ليرشح نفسه لعضوية البرلمان.

الوصول إلى منصب المرشد
وفي 26 يونيو/حزيران 1981، تعرض خامنئي لمحاولة اغتيال خلال خطبة له في جامع أبي ذر بطهران، حين انفجرت عبوة ناسفة مخبأة داخل جهاز تسجيل. نجا من الحادث، لكنه أُصيب إصابة بالغة تسببت في شلل دائم بيده اليمنى، وأجبرته على التوقف عن الخطابة فترة.
شارك لاحقًا في الحرب العراقية الإيرانية متطوعًا على جبهات القتال، وخاصة في منطقة الأهواز، وكان من أبرز المؤيدين لفكرة تأسيس “مجمع تشخيص مصلحة النظام”، الذي اقترحه على الخميني لتسوية الخلافات بين مؤسسات الدولة.
كما أسهم في تأسيس “الحزب الجمهوري الإسلامي” مع محمد بهشتي ورفسنجاني وموسوي أردبيلي، الحزب الذي هيمن على القرار السياسي الإيراني خلال سنوات الثورة الأولى، قبل أن يُحل بقرار من الخميني عام 1987.
ويُعد خامنئي من أبرز مهندسي المرحلة الانتقالية بعد الثورة، إذ جمع بين الخلفية الدينية العميقة والحنكة السياسية، مما مهد لاحقًا لتصعيده إلى منصب المرشد الأعلى عام 1989.
مؤلفاته
إلى جانب نشاطه السياسي والديني، عُرف المرشد الإيراني علي خامنئي بإسهاماته الواسعة في التأليف والترجمة، إذ أنتج عشرات الكتب في مجالات العلوم الشرعية، والتنظير السياسي، والفكر الإسلامي.
ترجم خامنئي عددا من مؤلفات المفكر المصري سيد قطب إلى اللغة الفارسية، من أبرزها كتاب “في ظلال القرآن” و”المستقبل لهذا الدين”، مساهمًا بذلك في نقل الأفكار الإسلامية الحركية إلى الوسط الثقافي الإيراني.
ومن أبرز مؤلفات علي خامنئي التي تعكس اهتمامه العميق بالفكر الإسلامي وتاريخ الحوزات العلمية، كتابه “تشريح رؤية الإسلام في القرآن” الذي يتناول فيه المفاهيم القرآنية من منظور ثوري وسياسي، وكتاب “النموذج الصادق” الذي يسلط الضوء على السيرة النبوية باعتبارها قدوة عملية للمسلمين.
كما ألّف دراسة تاريخية بعنوان “تاريخ الحوزة العلمية في قم” تناول فيها نشأة وتطور الحوزة ودورها السياسي والديني.