زهران ممداني.. مرشح مسلم يقلب موازين السياسة في نيويورك

زهران ممداني أمام داعميه
زهران ممداني أمام داعميه (غيتي)

في سابقة تاريخية، فاز زهران ممداني، عضو الجمعية التشريعية في ولاية نيويورك، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح رسميا أول مسلم يُرشح عن أحد الحزبين الكبيرين لهذا المنصب في الانتخابات العامة المرتقبة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

توافد مئات الآلاف من الناخبين الديمقراطيين، الثلاثاء، إلى مراكز الاقتراع، رغم التحذيرات الرسمية من الارتفاع الشديد في درجات الحرارة،  في واحدة من أكثر الجولات التمهيدية تنافسًا في تاريخ المدينة، التي احتدمت فيها المنافسة بين التقدمي زهران ممداني، وأندرو كومو، حاكم نيويورك السابق الذي اضطر إلى الاستقالة عام 2021 بعد اتهامات بالتحرش الجنسي بـ11 امرأة، والذي كان حتى أيام قليلة من نهاية السباق، صاحب الحظ الأوفر في الفوز، بسبب الدعم الكبير الذي تلقاه من اللوبي الإسرائيلي وكبار رجال الأعمال وشخصيات سياسية بارزة  بينها الرئيس السابق بيل كلينتون.

فوز ممداني بفارق كبير يمهد له الطريق لتولي منصب العمدة، في الولاية التي يفوق فيها عدد الديمقراطيين عدد الجمهوريين بثلاثة أضعاف، ويقلب المعادلة في المدينة التي تضم أكبر عدد من اليهود في العالم خارج إسرائيل.

من أوغندا إلى نيويورك: رحلة مهاجر حمل هموم الطبقة العاملة:

ولد زهران ممداني في أكتوبر/تشرين الأول عام 1991 في العاصمة الأوغندية كمبالا، لعائلة هندية مسلمة. والده المفكر البارز محمود ممداني، ووالدته المخرجة المعروفة ميرا ناير.

هاجر ممداني مع أسرته إلى الولايات المتحدة وهو في السابعة من عمره، واستقر في مدينة نيويورك ثم التحق بكلية بودوين وتخصص في الدراسات الإفريقية.

حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وفي عام 2020 انتُخب عضوًا في الجمعية التشريعية عن منطقة كوينز.

زهران بجانب والديه

ينتمي ممداني إلى التيار الديمقراطي الاشتراكي، الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي، الذي يعتبر السيناتور بيرني ساندرز من أبرز رموزه. وقد بنى سمعته السياسية على تبنيه لقضايا العدالة الاجتماعية والدفاع عن الفئات المهمشة، وهو ما عزز حضوره بين الشباب والطبقة العاملة.

فلسطين حاضرة دائمًا

لم تتميز حملة ممداني الانتخابية ببرنامجه الاقتصادي الجريء فقط، بل بمواقفه الواضحة من القضية الفلسطينية، التي جعلت منه هدفًا لحملات إعلامية وسياسية من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل. فهو من أبرز داعمي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، وسبق أن وصف أفعال الجيش الإسرائيلي في غزة بأنها إبادة جماعية.

ويعود نشاط ممداني ودفاعه عن القضية الفلسطينية إلى سنوات دراسته بالجامعة، حين شارك في تأسيس فرع “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”.

وفي عام 2023، قدم مشروع قانون “ليس على حسابنا”، الذي يدعو إلى حظر تمويل المستوطنات الإسرائيلية من خلال الجمعيات الخيرية الأمريكية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، شارك في إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، كما نظم إفطارًا عامًّا في رمضان 2024 تحت شعار دعم فلسطين.

ورفض ممداني التوقيع على قرار تقليدي سنوي للاحتفال بتأسيس إسرائيل، مشيرًا إلى أن صياغته تتجاهل الانتهاكات الواقعة على الفلسطينيين. وأثار هذا الموقف عاصفة من الانتقادات، أبرزها اتهامه بـ”معاداة السامية”، لا سيما بعد رفضه إدانة عبارة “عولمة الانتفاضة” في مقابلة صحفية. غير أن ممداني دافع عن موقفه قائلا إن الكلمة تُستخدم بمعناها الرمزي للمقاومة ضد الظلم.

وحتى اللحظة الأخيرة قبل فوزه واجه ممداني مضايقات وتهديدات وصلت إلى حد تهديده بالقتل.

صعود انتخابي مدفوع بقيم العدالة والمساواة

مع بداية عام 2025، دخل ممداني سباق الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ضد حاكم نيويورك السابق أندرو كومو، الذي كان مدعوما من قيادات بارزة في الحزب الديمقراطي مثل بيل كلينتون، كما كان يحظى بدعم العديد من رجال الأعمال في وول ستريت ومن بينهم الملياردير البارز مايكل بلومبرغ، عمدة نيويورك السابق.

ولكن سرعان ما حسم ممداني النتيجة بفارق كبير، بحصوله على 43% من الأصوات في مقابل حصول كومو على 36%، مما دفع الأخير إلى الاعتراف بالهزيمة والاتصال بخصمه لتهنئته بعد أقل من ساعتين من إغلاق صناديق الاقتراع.

يعتمد ممداني في خطابه على برنامج إصلاحي شامل، يدعو إلى وقف زيادة الإيجارات، وتوفير نقل عام مجانًا، وبناء وحدات سكنية بأسعار ميسورة، وفرض ضرائب على الأثرياء لتمويل هذه السياسات. ويحظى بدعم شعبي متزايد، خاصة من الجاليات المهاجرة والشباب والمجتمعات الملونة.

رمزية الترشيح

ترشح زهران ممداني لا يحمل فقط بعدا انتخابيا، بل يمثل رمزية كبيرة في المشهد الأمريكي؛ فهو أول مسلم وأول أمريكي من أصل آسيوي يترشح عن حزب كبير لمنصب عمدة مدينة نيويورك، التي تضم أكبر تجمع لليهود خارج إسرائيل، والتي طالما كانت مسرحا لتوازنات دقيقة بين المال والنفوذ والسياسة.

وبفوزه في الانتخابات التمهيدية، سيواجه ممداني مرشح الحزب الجمهوري الناشط اليميني كورتس سليوا، في الانتخابات العامة يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفي حال فوزه في الانتخابات العامة، لن يمثل هذا مجرد انتصار سياسي، بل إعلانا بأن الأصوات القادمة من الهامش قادرة على اقتحام مركز السلطة، وأن الدفاع عن القضية الفلسطينية لن يوقف الفوز في أكثر المدن الأمريكية حساسية اتجاه هذه القضية.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان