
تفاكر.. ما أسباب الخوف؟ وكيف يستخدم كاستراتيجية ويتحول لسلطة قاهرة؟
الخوف اليوم ليس حالة عابرة فقط، بل صار إحساسًا جماعيًا ملازمًا للإنسان، وصار من الأدوات التي يُتوسل بها ليكون سياسة استراتيجية، ويتحوّل إلى سلطة قاهرة.
ويأتي الخوف ملازمًا للفوضى حيث تربطهما علاقة جدلية، فوجود أحدهما يقتضي وجود الآخر بالضرورة، ولذلك نجد أن كثيرًا من الظواهر الحديثة تأتي لتعزيز الإحساس بالخوف ولتكريسه مثل الإرهاب وكورونا وغيرهما الكثير.
فالإرهاب مثلًا يعتمد استراتيجية تقتضي إشاعة الخوف في المراكز الرأسمالية من خلال زرع الرعب في مفاصل الحياة كلها، ومن جهة أخرى زرع الفوضى في عالم الأطراف أو عالم الجنوب وخلخلة توازناته المجتمعية، والعمل على تفجير التناقضات وتضخيمها بين مكوناته عموديًا بين الدولة والمجتمع وأفقيًا بين قواه الحية سواء على المستوى السياسي أو الإثني أو الأيديولوجي.
وليس المقصود بالخوف هنا الخوف الغريزي المرتبط بغريزة البقاء، فذلك أمر مقبول بل هو المحرّك لاستمرار النوع، ولكن المقصد هو تلك الحالة من الهوس الجمعي الناتجة عن التلاعب بغريزة الخوف الطبيعية لدى الناس، فتشل معها القدرات الذهنية وتنطفئ أنوار العقل.
وبهذا النوع من الخوف يُحكم الناس، وباسمه تُسن التشريعات وتُبرر الميزانيات، بل وتُعلن حالة الطوارئ.
ومن أمثلة ذلك صعود اليمين المتطرف، وشيوع الخطابات الشعبوية خاصة في أوربا والولايات المتحدة، فما يتم غالبًا في هذه الحالات صناعة عدو يشتغل كفزاعة تُبرر بها السياسات داخليًا وخارجيًا فضلًا عن الاختيارات الاقتصادية، بدلًا من بنائها على منطق الإقناع والتداول الواضح للأفكار والاقتراحات.
وهكذا صار هذا الخوف سلطة مكّنت من خلق حالة إجماع سمحت بتعبئة المراكز من أجل اكتساح الأطراف أو عالم الجنوب، كما أن ربط استقرار الأسواق وضمان استمرار رفاهيتها بشن حروب على ما يعدونه مصادر تهديد مهّد الطريق للإطاحة بمكتسبات الحضارة من حريات وحقوق.
ومن وجهة نظر الدكتور مصطفى المرابط، لا يوجد وصف لسياسة الخوف أفضل من تعريف زبغنيو بريجنيسكي المفكّر الاستراتيجي ومستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي ذهب إلى أن “الإنسان يجعل الأشياء تبدو أمامه غامضة وغير واضحة المعالم، كما أنه يضخم العواطف ويكثفها ويجعل منها أداة طيعة في أيدي السياسيين الديماغوغيين الذين يمكنهم استخدامها من أجل حشد الرأي العام وراء السياسات التي يريدون اتباعها”.
كيف تمكّن الخوف من حياتنا؟
لم يكن بالإمكان تغلل الخوف في حياتنا لولا تضافر جهود مؤسسات ثلاث هي: المؤسسة السياسة العسكرية، والمؤسسة الاقتصادية المالية، والمؤسسة الإعلامية الفنية.
أما المؤسسة السياسة العسكرية فجعلت من الخوف برنامجها الأساس لخوض الانتخابات في الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا، كما جعلت منه دافعًا قويًا لتبرير ميزانياتها وإنعاش صناعاتها.
وأما المؤسسة الاقتصادية المالية فقد استطاعت أن “تخوصص” هذا الخوف بفضل فتوحات العولمة وتحوّله إلى استثمار يدر ربحًا على الشركات المتعددة الجنسيات وتبدع صناعات جديدة مرتبطة بالأمن.
وأما المؤسسة الإعلامية الفنية فهي الأخطر على الإطلاق، لأنها تستهدف وعي الإنسان ومتخيله، وقد نجحت بفضل الصورة والصوت في توطين الخوف داخل الإنسان.