
سلسلة أمثالنا.. “أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك” مع شاب راوي (فيديو)
وقال شبراوي: في تداول الثقافة الشعبية خيط تماسٍ مع العربية الفصيحة، وعقول النَّاسِ على قدر زمانهم، فما نستعمله اليوم في كثيرٍ من أقوالنا واستشهاداتنا التراثية له أصل عند القدماء.
وأشار إلى مورد المثل بأنه كانت لفتاة من العرب عمات وخالات، فقالت لأبيها يومًا: يا أبتِ! إن عماتي يُلهينني، وإن خالاتي يبكينني إذا زرتهن؛ فقال أبوها: يا بنيّتي! (أمرَ مُبكياتِكِ لا أمرَ مُضحِكَاتِكِ)؛ فأرسلها مثلًا، وقصد الرجل بذلك أن يلازم الإنسان من يخوّفه عواقب الأمور لا من يزيّن له الأشياء ويجاريه فيها.
وأضاف: في (فصل المقال في شرح كتاب الأمثال)، ينقل لنا أبو عبيد البكري قصةً موازية نقلها عن المفضل الضبي، وهم إن اختلفوا في مورد المثل، فالاتفاق بينهم جاء في مضربه، وقريب من ذلك قول الحسن البصري “إنَّ من يُخوِّفك حتى تلقى الأمنَ أشفقُ عليك ممن يؤمنك حتى تلقى الخوف”.
وقال شبراوي: في الأمثال المصرية الشعبية نقول “يا بخت من بكاني وبكى عليَّ، ولا ضحّكني وضحّك النَّاس عليَّ”، والمراد به أن الناصح لن يجامل أو يداهن؛ فالناصح أمين والمستشار مؤتمن، ومن أراد لك الخير نصحك وإن لم يصحبْك، ولربما صحِبَك من لم ينصحْك.
ويرفع هؤلاء شعار الحيطة والحذر، واختلف الناس في مسألة التخويف بين الناصح المشفق والمحب والمهادن “المِهاوِد”، فقد تتقبّل فكرة التخويف وتأخذها على محمل التماس السلامة، وقد تنظر إلى الناصح على أنه “زي الشريك المخالف”، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وقد تتأفّف من عتابه وتقريعه، وتتناسى أن وراء هذا العتاب إشفاق وإخلاص، رافعًا شعار “أكثرُ الخوفِ باطِلُه”، متمثِّلًا قول الأول (تُخوِّفُني صروف الدَّهرِ سلمى/ وكم من خائِفٍ ما لا يكون).
وتناقش سلسلة (أمثالنا) الصلة بين الأمثال الشعبية في العالم العربي وعلاقتها بأصولها في الفصحى، بجانب التأثيرات الاجتماعية والثقافية في توليد الأمثال، وتعبيرها عن آمال الشعوب وآلامها.