“تفاكر”.. كيف يبتلع الاقتصاد الدِّين؟ (فيديو)

في حلقة هذا الأسبوع من برنامج تفاكر تناول الدكتور مصطفى المرابط علاقة الاقتصاد بالدِّين والاجتماع بالرجوع إلى التاريخ القريب والواقع الحالي.

إرهاصات علاقة الدِّين بالاقتصاد -أو بشكل أدق علاقة الاستهلاك بالدِّين- بدأت مع دين المسيحية، إذ لا يمكننا فهم ابتلاع الاقتصاد للدِّين دون فهم كيفية نشأة البروتستانتية في الغرب تحديدًا.

فمع البروتستانتية نشأ ما يسمى بـ”الاقتصاد الديني” مع آدم سميث، ثم بلغ نضجه مع ماكس فيبر وكتابه الشهير “الرأسمالية والروح البروتستانتية”.

وفي هذا الصدد قال ماكس فيبر إن “البروتستانت أسهموا نسبيا في ملكية الرأسماليات وفي الإدارة وفي أملاك كبار رجال الأعمال داخل المؤسسات الصناعية والتجارية الحديثة الكبيرة”.

وهذا يعني أن البروتستانت كانوا عصب الاقتصاد وقتها، إذ ناضلوا لتوفير أفضل الظروف للتقدم من الناحية الاقتصادية، لكن المهم في طرح ماكس فيبر هو بيانه كيف أن الرأسمالية نظام أخلاقي قبل أي شيء آخر، مما توافق مع التوجه الإصلاحي البروتستانتي.

ومن هنا لاحظ ماكس فيبر أن أصحاب المال والتجارة في ألمانيا أغلبهم من البروتستانت مقابل قلة من الكاثوليك، فكان النمو الاقتصادي يمشي بالتوازي مع الإصلاح البروتستانتي بألمانيا، مما دفع الكثير من الألمان إلى التخلي عن تعاليم الكنيسة الكاثوليكية الداعية إلى الزهد وتبني الكنيسة البروتستانتية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي.

والرغبة في العمل من أجل الكسب والربح ليست أمرا رأسماليا وإنما تنبع من الغريزة الإنسانية، لكن الرأسمالية قامت بعقلنة هذه الغريزة، والعلاقة بين الاقتصاد والدين قديمة لم تبدأ حصرا مع البروتستانتية ولكن البروتستانتية أضفت طابعا عقلانيا عليها.

ولو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا عددا من المصطلحات تنتمي إلى عالم الاقتصاد مثل الحساب والجزاء والشراء وغيرها، لكن القرآن أخرجها من دائرة التعامل بين الناس إلى دائرة التعامل مع الله، ولا يختلف الأمر في اليهودية والمسيحية.

ومن هنا فعلاقة الدين بالاقتصاد كانت دائما متشابكة، فالدين لم يتردد في استعمال قاموس الاقتصاد في المجال الإيماني، ولكن الجديد هنا هو استعمال الاقتصاد لقاموس الدين.

فلم نعد اليوم نتبين الخط الفاصل بين اللغة الدينية واللغة الاقتصادية، وأصبحت المفردات الدينية شائعة في الخطاب الاقتصادي المعاصر لإضفاء صبغة القداسة على مؤسسات الاقتصاد وظواهره من قبيل “الكنيسة أو المعبد” مقابل “البنك” أو “البورصة”، و”القديسين والرهبان” مقابل “مديري البنوك”، و”المؤمنين” مقابل “المساهمين” وغيرها من التقابلات.

وبالتالي فإن الرأسمالية ارتقت بالأنشطة الاقتصادية من مستوى التلقائية إلى مستوى التدبير بابتكار منظومات عقلانية ستعمل فيما بعد على أن تسلعن كل شيء بما في ذلك الدين والإيمان.

المصدر : الجزيرة مباشر