مدارس بأسوار السجون

كلما علت أسوار المؤسسات، كلما اتضح تدني عطاءها التربوي والتعليمي، وكلما تفرقت أذهان التلاميذ، بين مستاءين من تحويل مدارسهم إلى سجون، وبين الراغبين في التحدي والباحثين عن منافذ جديد

لم يجد المسؤولون عن قطاع التربية والتعليم بالمغرب من حلول، لمنع التلميذات والتلاميذ من تسلق الجدران والتسلل إلى خارج المؤسسات التعليمية، أو احتواءهم وحمايتهم من المحيط الخارجي حيث المخدرات وحبوب الهلوسة والفساد الجنسي، سوى التنافس في  تعلية أسوار تلك المدارس، بل هناك من ألصقوا أسلاكا مشوكة وبقايا الزجاج أعلى تلك الأسوار.

كأنهم يؤثثون لسجون ومعاقل، ويحرسون مجرمين وإرهابين، وليسوا فقط تلاميذ قاصرين في حاجة إلى التربية على الأخلاق الحميدة والوطنية الحقة، والتعليم النموذجي الموازي لأسواق الشغل والضامن لنهضة وتنمية هذا البلد الأمين.

إعلان

وكلما زاد العنف بضواحي تلك المؤسسات، أو تزايد عدد المتسللين من التلاميذ إلى خارج الحرم التعليمي، كلما تمت المطالبة بزيادة علو تلك الأسوار وتحصينها، إنها ثقافة الردع والقمع التي ترسخت في أذهان القيمين على هذا القطاع الحيوي، والتي ولدت ثقافة الرد والانتقام والتحدي سواء من طرف التلاميذ أو لدى من يفسدون بمحيط المدارس والذين يفرضون أمنهم الخاص في غياب لأدنى حماية خارجية من ممثلي السلطات ولا المنتخبين ولا الأجهزة الأمنية، التي تكتفي بدوريات وزيارات ناذرة لما يعرف بالأمن المدرسي.

لا أحد ينكر الدور الواقي الذي تؤديه تلك الأسوار، لكن ألم يكن من الطبيعي والبديهي أن يكون علو الأسوار لا يتعدى سقف نظر التلاميذ على أعلى تقدير؟! ولما لا نضع بدلا منها سياجا واقيا وشفافا، ومنعشا لعقول هؤلاء الأبرياء، فقد أصبح التعثر الدراسي والشغب داخل المدارس وبمحيطها، يقاس بمستوى علو أسوارها، وما ينسج بها من رسوم وكتابات وحفر على أسوارها وجدران أقسامها ومراحيضها، وما تتعرض إليه ملاعبها الرياضية وفصولها وحدائقها من إتلاف وتخريب.

وكلما علت أسوار المؤسسات، كلما اتضح تدني عطائها التربوي والتعليمي، وكلما تفرقت أذهان التلاميذ، بين مستاءين من تحويل مدارسهم إلى سجون، وبين الراغبين في التحدي والباحثين عن منافذ جديدة للتسلل، وآخرين يرون في تعلية الأسوار، فرص للاختباء بعيدا أسرهم، وفرز سلوكيات مرفوضة، نادرا ما ينتبه إليها المشرفون والمدرسون.

إعلان

افتتحت المؤسسات التعليمية بالمغرب أبوابها هذا الموسم الدراسي، على موجة الصباغة والطلاء والحدادة والنجارة التي أطلقها محمد حصاد الوزير الوصي على قطاع التعليم.

الموجة المفروض ألا تكون عابرة، من أجل تلميع الصور، والتغطية على ما يجري ويدور داخلها من معاناة، الكل يعاني والكل متسبب في تلك المعاناة، وأكثر من هذا، وأصابع الاتهام تصوب هنا وهناك ولا أحد اعترف بنصيبه فيما يجري ويدور، ولا أحد انتبه إلى ضرورة فرض احترام (حرمة تلك المؤسسات) وسط الأحياء السكنية، إذ لا يعقل أن تتحول أسوارها إلى مرابط للحمير والبغال وخيام الباعة المتجولين، وأماكن لنشر الغسيل وبيع مواد البناء وتثبيت الملصقات، ولا يعقل أن يكون محيط تلك الأسوار هو المكان الوحيد للتبول والتغوط، ووضع حاويات الأزبال، والتي يرفض كل سكان الجوار، أن توضع أمام منازلهم.                                                                               

أسوار المؤسسات هي سبورات مفتوحة ودفاتر (الوسخ)، يمكن لأي كان أن يكتب عليها ما شاء وبما شاء، صباغة، فاخر (فحم خشبي)، مواد كيماوية، بل إن هناك آباء وأمهات يتلذذون ويستمعون بما يخططه أطفالهم على تلك الأسوار.

لابد من ترسيخ ثقافة التوعية داخل المجتمع من أجل تقديس المدارس إلى جانب تقديسهم للمساجد، وفتح المجال للأطر التربوية والإدارية من أجل تخليق التلاميذ  قبل تعليمهم برامج دراسية في حاجة إلى المراجعة والتعديل، ولابد من ترسيخ ثقافة تحصين الفكر بالتربية على المواطنة، والقيم النبيلة، وتمكين التلاميذ من الآليات والعتاد اللازمين لتوظيف دركيين داخل عقولهم، يؤمنون لهم طرق التعامل مع كل متطلبات الحياة. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها