لمواجهة أثار الفيروس.. التكافل هو الحل!

 

في هذا المقال لا أناقش الفيروس كورونا من حيث الوقاية منه أو العدوى به ولا العلاج الذى لم يكتشف بعد، ولا الأبحاث العلمية بهذا الخصوص، ولن أتعرض كذلك  للإحصائيات ولا للآثار العالمية أو الركود الاقتصادي الكلي أو الجزئي، ولن أخوض في الأمر من حيث تفسيره وفق نظرية المؤامرة والحرب البيولوجية أو كونه وباء بمثابة  إنذار من الله لعودة البشرية عما ذهبت إليه وأوغلت فيه من المادية والجشع والمظالم والرأسمالية المتوحشة والفجوات الرهيبة بين الأغنياء والفقراء، ولن أناقش فيه شكل النظام العالمي المختل الحالي ولا شكل النظام العالمي ما بعد كورونا.

فسأفرد لكل محور من هذه المحاور مقالاً خاصاً به إن أمهلني الأجل ولكن ما يهمني اليوم وأناقشه هو مواجهة آثار هذا الوباء على أهلنا في مصر – وفى كل الأمصار – إذ أصبح في حكم المعلوم من الواقع بالضرورة أن الأمر مرشح للازدياد وأن الأمور في اتجاهها إلى حظر جزئي أو كلي للحركة والتجوال مما سيؤثر حتماً على طبقات كثيرة بعضها متوسطة فتصبح فقيرة وأخرى فقيرة تصبح أكثر فقراً ومصانع سيتم إغلاقها وعمالة سيتم تسريحها وطبقات ستستغل الأزمة فتثرى منها وأخرى ستُسحق بسببها.

إعلان
تقسيم الأدوار:

 ومحاولةً لتخفيف الآثار المترتبة على انتشار هذا الوباء وجب علينا طرح الأفكار العملية التي من شأنها التخفيف الحقيقي والفعلي عن أهلنا في مصر، وعليه لابد أن نُقسم الأدوار ما بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد القادرين، وإن كنت لا أؤمل كثيراً في الدولة الرسمية ممثلة في النظام الحالي نظراً لغياب الرؤية والاستراتيجية أو الخلل في سلم الأولويات، أو ضعف الإمكانات.

 ولذلك جعلت تعويلي الأكبر على فاعلية المجتمع المصري الذي أراه مازال بخير ويستطيع أن يتكافل لاجتياز الأزمة بما يملكه من رصيد ديني وأخلاقي وقيمي وبما تمت تجربته فيه في أزمات كثيرة فكان من أعظم الشعوب معدناً وأكرمهم طبعاً.

إعلان

وعليه أرى أن تقوم النقابات والغرف التجارية والجمعيات والمؤسسات والأفراد بالأدوار الذي أراها كفيلة به وقادرة عليه، وأقترح دوراً آخر – ليس كبيراً -على النظام أن يقوم به.

ويكون تفصيل الأمر على النحو التالي:

على النقابات المهنية تسجيل الحالات المتضررة من الأزمة وصرف معاش تكافل أو قرض ميسر لها من صندوق النقابة وحث أعضائها من ذوي القدرة وغير المتضررين بالتبرع لهذا الصندوق لتغطية النفقات المطلوبة، ولمجلس النقابة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لهذا الغرض.

إعلان

الباعة الجائلون: تُخَصِص لهم الوحدات المحلية أماكن لعمل أكشاك ثابتة لكل نشاط في مكان مجمع مثل الخضار والفاكهة في مكان واحد، الحبوب في مكان واحد، الملابس وغيرها كذلك على أن لا يتم تحصيل قيمة إيجارية منهم مدة أزمة الوباء ويتم إعفاؤهم كذلك من أي رسوم ثم ينظر في تقنين أوضاعهم بعد انتهاء الأزمة، ولا يسمح لباعة من مدينة أو قرية الانتقال إلى مدينة أخرى ولا يتم التخصيص لهم في مدينة أو قرية أخرى غير مدنهم وقراهم

–  عمال اليومية: يتم تسجيلهم في اللجان النقابية العمالية في مقار إقامتهم ووجودهم ويتم تسجيل طلبات الحاجة إليهم ممن يحتاجون إلى العمالة المؤقتة ويتم الاتصال بهم عبر اللجان النقابية العمالية إذا سمحت قواعد التدابير الاحترازية من المرض بتنقلهم إلى الأعمال المطلوبة، ويتم تسجيلهم ضمن أصحاب الحالات الأكثر حاجة لدى الشؤون الاجتماعية ويصرف لهم معاش استثنائي مدة الأزمة.

–  صغار التجار وأصحاب المحلات الصغيرة والمتضررون بشدة من الأزمة، يقومون بإبلاغ أسمائهم إلى الغرفة التجارية بمحافظاتهم وتقوم الغرفة بشُعَبِها المختلفة بدراسة حالاتهم وصرف معاش استثنائي لهم من صندوق يتم تخصيصه لهذا الغرض ويتم تمويله من الاشتراكات المنتظمة ومن تبرعات رجال الأعمال وكبار التجار التابعين لكل غرفة تجارية، كما يتم صرف معاش استثنائي لهم من التأمينات الاجتماعية يتم سداده للهيئة بعد زوال الأزمة بأقساط تسدد مع الاشتراكات الشهرية.

إعلان

 – الفلاحون أصحاب الحيازات الصغيرة: يعود دور الإدارات الزراعية والجمعيات التابعة لها في صرف البذور والأسمدة والمبيدات وما يلزم للمحاصيل ويؤجل استيفاء أثمانها لمدة عام ثم يتم تقسيطها أقساطاً يسهل عليهم سدادها ، ويعود دور الشُوَن التابعة للإدارات الزراعية بتجميع المحاصيل مثل القطن والأرز وغيرها وشرائها منهم بالسعر المناسب ، وفى ذلك مصلحة للدولة ومنفعة للفلاح ، ويتم الإعفاء من سداد قيمة ضريبة الأطيان الزراعية لمدة عام عن جميع الفلاحين      

–  الطبقات الفقيرة: وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإنه يوجد بمصر ثمانية ملايين أسرة فقيرة أو تحت خط الفقر ، وتشمل من بينها المرضى الفقراء والمرأة المعيلة وغير الموظفين وغير العاملين بالتجارة أو الحرف المنتظمة وغير الفلاحين أصحاب الحيازات الكبيرة

أرى أن تقوم مكاتب الضمان الاجتماعي أو وحدات الشؤون الاجتماعية بتسجيلهم على الفور وعمل البحوث اللازمة وتوفير ما يمكن من الميزانية المخصصة يضاف إليه تبرعات أهل الخير ويصدر قرار يجيز لها جمع التبرعات لهذا الغرض وتستعين بلجنة شعبية لهذا الخصوص تشرف مع رئيس كل وحدة على صرف الإعانات اللازمة وهذا الأمر معمول به لديها من قبل وقد كنت عضواً بإحدى هذه اللجان التابعة للشؤون الاجتماعية من قبل، وكانت تقوم بدور جيد بهذا الصدد وفى ظروف غير ظرف الجائحة هذه فالآن الحاجة إليها أشد 

إعلان

هناك فئات ستتضرر بشكل مباشر مثل سائقي التوك توك وصغار الموظفين الذين يقومون بأعمال إضافية لسد العجز في نفقات بيوتهم وأصحاب الأمراض المزمنة والخادمات في البيوت الذين ترفض البيوت استقدامهم خشية العدوى وغيرهم.

لجنة التكافل:

أقترح تشكيل لجنة مركزية في كل مركز أو وحدة محلية  تسمى لجنة التكافل تتكون من أعضاء من الجمعيات الخيرية التابعة للجمعيات الشرعية وجمعيات أنصار السنة وجمعيات تنمية المجتمع وبيوت الزكاة وبيوت المال ومؤسسات المجتمع المدني والنواب وتنتخب من بين أعضائها رئيساً وأميناً للصندوق وسكرتيراً ولجان بحث وفحص الطلبات المقدمة من المحتاجين وتستصدر قراراً من الدولة بتأسيسها  وترخيصاً عاجلاً بجمع التبرعات والزكوات من رجال الأعمال وكبار التجار في كل مدينة أو قرية وتقوم بمنح ما يلزم لكل أسرة بالطريقة التي تراها مناسبة.

إعلان

– على وزارة التموين أن تزيد الحصة التموينية لأصحاب بطاقات التموين وأن تراعي فيها كفاية السلع الأساسية لحاجة كل أسرة حسب عدد أفرادها.

– على وزارة المالية تعديل قواعد خصم التبرعات من الوعاء الضريبي بحيث يخصم التبرع كاملاً من الضريبة المستحقة مما يشجع المستثمرين وأصحاب الملفات الضريبية على التبرع ومعلوم أن الدفع الطوعي عند الكثيرين محبب عن الدفع الجبري ، وإذا لزم الأمر تعديل قانوني فعلى الوزارة التقدم بمشروع قانون بالتعديل المطلوب إلى مجلس النواب على وجه السرعة. 

– على الحكومة أيضاً أن توقف تحصيل فواتير الكهرباء والماء والصرف الصحي لمدة ستة شهور للراغبين في ذلك من غير القادرين ويتم احتساب القيمة الإجمالية وإعادة تقسيطها وتحصيلها مع الفواتير المستحقة بعد زوال الأزمة.

ثم يظل فعل الخير من شأن مجتمعنا هو من أكبر العوامل لدفع هذا الوباء ورفع هذا البلاء من صلة الأرحام وتفقد ذوي القربى ورعاية الأرامل وكفالة الأيتام والنفقة على المساكين

 وسنظل بخير ما أنفقنا في وجوه الخير نبتغى بذلك وجه الله ورفع البلاء.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه