إلى أين يقود الجنرال البرهان الشعب السوداني؟

عبد الفتاح البرهان

في 12 أبريل/ نيسان 2019 أدى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان اليمين الدستورية رئسًا للمجلس العسكري الانتقالي، وتولى رسميًّا قيادة البلاد، وقد مر على ذلك نحو أربع سنوات، انتقلت فيها السلطة نسبيًّا إلى الدكتور عبد الله حمدوك، ثم عادت إلى البرهان مرة أخرى، عقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من دون أن يحدد الرجل وجهته، أو ما يريد أن يفعله بالسودان!

المهمة الغامضة

احتفظ البرهان خلال تلك السنوات بقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، نائبًا له، إلى جانب الفريق شمس الدين الكباشي، والفريق بحري إبراهيم جابر، والفريق ياسر العطا، وتم إسقاط عضوية الفريق طيار صلاح عبد الخالق والفريق أول ركن عمر زين العابدين، لينتهي المطاف بهذا المكوّن العسكري، الذي يثق فيه البرهان، ويعاونه على إنجاز مهمة غامضة، تمضي خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء. ولا تبدي هذه المجموعة العسكرية أي حماس للانتقال بالأمور إلى وضع سياسي مستقر، أكثر من الاحتفاظ بالسلطة أطول فترة مُمكنة.

إعلان

سمح البرهان لنائبه حميدتي باحتلال مقار المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم السابق، وهيئة العلميات التابعة لجهاز الأمن، وفي نفس الوقت ظلّ هو يحتفظ بقادة نظام الإنقاذ في السجون، بمن فيهم المشير عمر البشير صاحب أكبر رتبة في الجيش السوداني حاليا، وعشرات من الضباط، وقادة الحركة الإسلامية، والمؤتمر الشعبي، بعضهم يواجه عدة بلاغات أقل عقوبة فيها الإعدام، وآخرون لم يتم تقديمهم إلى العدالة، ومع ذلك حصل البرهان على دعم كثير من الإسلاميين نكاية بخصومهم من اليسار والقوى العلمانية، الذين أربكوا خطط المكون العسكري من اليوم الأول، حتى اضطر إلى إنهاء الشراكة معهم بالقوة، في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ويحاول اليوم إعادتها بضغوط خارجية، أو لسبب آخر غير واضح للعيان.

حالة من التناقضات

يعاني البرهان حالة من التناقضات بين أفعاله وأقواله، يتخذ القرارات ثم يبتلعها، ينسحب من العملية السياسية ثم يعود للاستحواذ على كافة الفضاء السياسي، يقول لن نجلس مع قوى الحرية والتغيير في مائدة واحدة، ويشدد على ذلك في تنوير ضباط الجيش، ثم يجلس هذه الأيام لإنجاز ما يعرف بالتسوية السياسية، يتعهد بتشكيل حكومة ولا يجرؤ على ذلك، يلوح بالانتخابات ثم يتراجع عن كل تعهداته، وأحيانًا يظهر أمام الشارع السوداني على أنه ضعيف مرتبك انقلابي لا حول له ولا قوة.

إعلان

ربما ليست تلك هي الحقيقة، البرهان ليس ضعيفًا، بل هو من أشهر قادة القوات البرية الذين اتسموا بالجرأة، ويتبع تكتيك ضباط التنشين والرماية بالتركيز والتصويب على قلب الهدف، الذي لا نعلم حقيقته، ويشبه البرهان بركان جاليراس في كولومبيا الذي يخمد طويلًا ثم يثور بقوة، فهو إلى حد كبير شخصية متهورة، لدرجة أنه فاجأ الجميع بلقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأوغندا في فبراير/ شباط 2020، وهي خطوة لم يجرؤ عليها أي زعيم سوداني بهذا المستوى من قبل، وقبل ذلك وضع قائده البشير في الحبس من دون أن يتراجع، لكنه طوال أشهر الشراكة آثر الصمت، وتمرير كل ما تريده حكومة قوى التغيير، حتى القوانين المثيرة للجدل التي تطعن في دين وتقاليد الشعب السوداني.

الفرصة الأخيرة

حركة عجلة البلد ارتبطت بحركة البرهان، الذي يبدو للناس أنه لا يستشعر أي أهمية للزمن، يناور طويلًا، ولا يعبأ بالتدخلات الخارجية، يستخدم البعثات الأممية للعبور من مكان إلى آخر، ويراهن على الصبر المفضي إلى فقدان الأمل والرضا باليسير المنقطع.  الشارع السوداني يحمل البرهان وحده المسؤولية الكاملة، ويتطلع عبره إلى الخلاص، وبالتالي فعليه أن يتصرف وفقًا لهذه الثقة، علاوة على أن الوقت ليس في صالحه وهو لا يزال يحتفظ بالكرة، وأمامه فرصة أخيرة لتعديل نتيجة المباراة.

إعلان

كثيرًا ما يتحدث البرهان عن التوافق السياسي، وأنهم سوف يسلمون السلطة إلى حكومة مدنية متوافق عليها، وهو يعلم استحالة ذلك التوافق في بيئة سودانية لا يرضى فيها أحد عن الآخر، أو كما قال الأديب الطيب صالح “نحن من بلد إذا غضب فيها الرجال، قال بعضهم لبعض: يا ابن الكلب”، ولذلك فإن البرهان لا يملك أي إجابة عن أسئلة السودانيين، وأكثر ما يتجنبه الإشارة إلى مواقيت وجداول زمنية يمضي بها نحو أهدافه، كالإجابة عن سؤال متى، متى يصلح الحال؟ متى يتوفر الخبز والدواء؟ متى تتكون الحكومة المدنية؟ متى الانتخابات؟ دائمًا يترك المجال مفتوحًا لأقصى مدى، ليهلك من هلك على غير بينة، يتحدث طويلًا من دون أن يقول شيئًا، ولكنه اليوم مطالب بالصدق والوضوح، والكشف عن ما يخبئه ويسعى له، ولاسيما وأن خسائر البلاد في ازدياد كل يوم، بما فيها الأمن القومي ووحدة السوان التي تهددها المخاطر أيضًا.

استراتيجية علبة الصلصة

نحن إزاء تجربة عسكرية في حكم السودان، ليس لها مثيل، ولا معالم واضحة، رغم أن عبد الفتاح البرهان قد توفرت له فرصة مثالية للعبور بالسودان إلى بر الأمان، ووضع اسمه في التاريخ، لكنه يتحرك ببطء، ويتبع استراتيجية، تسببت في نهاية الأمر في إنهاك الجميع، حتى بدا الرجل ضعيفًا مهزوزًا عديم الحيلة لا حول له ولا قوة، يتبع تكتيكًا يلعب فيه على التناقضات، يركل علبة الصلصة إلى الأمام ويجري وراءها، ومن خلفه المغلوبون على أمرهم، وقد أضر بالبلاد وبنفسه أيّما ضرر.

إذا كان البرهان يعاني من إكراهات أمنية وسياسية، كما يلتمس له البعض الأعذار، فالحكم أساسًا قائم على تلك الإكراهات، وهو ليس مهمة سهلة تفرش فيها النمارق، وإنما خوض في وحل وتجاذبات وحقل من الألغام، نجاحك رهين بالتعامل مع تلك الظروف والتعقيدات، لكن البرهان وهو يعود اليوم من حيث بدأ، صار كالمنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهْرًا أبقى، ولا بلغ مبلغ المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي تسلّم السلطة أثناء انتفاضة أبريل/ نيسان 1985 بصفته القائد الأعلى للجيش السوداني، وسلمها لحكومة منتخبة بعد عام واحد فقط، لكن الوضع يختلف مع البرهان، فهو لا يريد أن يتخلى عن السلطة، وإنما يبحث عن شرعية تمكنه من حكم السودان، ولا يعرف الطريق إليها.

المصدر : الجزيرة مباشر