تلسكوب جيمس ويب.. الكون من منظور آخر!

أول صورة بالألوان الكاملة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا

 

عندما تنظر إلى صور تلسكوب جيمس ويب التي تمكن من الوصول إليها عبر جولة في الكون الفسيح، سوف تزداد حيرتك بالطبع. لقد بدأ فجر عصر جديد في علم الفلك، وأظهر لنا التلسكوب، للمرة الأولى، مجرّات في بداية نشأتها، تبعد عن عالمنا نحو 13 مليار سنة ضوئية، وكنا في حاجة إلى المدة نفسها من التاريخ البعيد للوصول إليها الآن، وهذا يعني بالضبط أن التحديق في فجوات الكون من خلال الأشعة تحت الحمراء، يبيّن ويفاقم أكثر فجوتنا المعرفية!

حقيقة الآماد البعيدة

إعلان

بالفعل هو كون واسع عميق، منتظم في حركته، وليس بمقدورنا- مهما أوتينا من علم- أن نحيط به، بل إن الآية العلمية التي اهتدت إليها وكالة (ناسا) أخيرًا، وتجلت في النظر إلى الآماد البعيدة من السماء، والكشف عن حركة الشمس والمجرات، أو ما أطلِق عليه (سديم كارينا) الذي ألقى نظرة أعمق على مقبرة النجوم، من خلال ولادتها وموتها، وتوهجها خلف سحب الغبار، شيء مُدهش حقًا، ولذلك أقسم الله بمواقع النجوم، ولم يقسم بالنجوم، وأخبرنا أنه قسم عظيم لا نعلم كنهه، وما رأيناه من خلال تلسكوب جيمس ويب هو آثار النجوم التي رحلت من مواقعها أو هوت ربما منذ آلاف السنين، ففي حركتها ودورانها وتفاعلاتها داخل رحم المجرات معجزة حقيقية.

القرآن والعالم المجهول

ولعل تلك الآية من سورة الذاريات {والسماءَ بنيناها بأيدٍ وإنّا لموسِعون} تضعنا في عين معركة الجدل الدائر هذه الأيام حول تلك الاكتشافات العظيمة، والتوسع في المعرفة الذي يقابله توسع هائل في الكون، نحاول أن نقترب منه فندرك مدى بُعدنا عن لمس أي حقيقة مطلقة. وكل ما نعرفه أننا نعيش في كوكب مغمور اسمه الأرض يدور حول الشمس ويستمد منها الضياء، وتحتويهما مجرة (درب التبانة) في كوكب يضم مليارات المجرات، بداخلها ملايين النجوم، وذلك الامتداد الرهيب للبعدين الزماني والمكاني، يشعرنا بضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا.

إعلان

لأكثر من مرة تأملت صور تلسكوب جميس ويب، ورأيت وجه الرئيس الأمريكي جو بايدن يكتسي بالزهو، وكذلك فريق وكالة ناسا وآلاف الناس يُبدون إعجابهم بهذا الفتح العلمي المثير، جميعهم يحدقون في صور “الحقل العميق الأول” ويتصفحون ألبوم مناظر من الكون السحيق، لم يرها سكان الأرض من قبل تقريبًا، تتضمن علامات لحوادث كونية حصلت قبل مليارات السنين الضوئية، من تصادم للمجرات، وصورًا لمنطقة التكوين ومستعر أعظم سيكشف عن كيفية ولادة النجوم وكيفية موتها، فأحسست كأنني أشاهد عرضًا مثيرًا للألعاب النارية، أو أتأمل في سورة الجن مشهد لمس السماء وقد مُلِئت حرسًا شديدًا وشُهبًا. وبالتالي كل ما رصده المسبار هيباركوس من قبل، وتلسكوب هابل الفضائي، والآن جيمس ويب، هو طيف من النسيج الكوني، وبالتعبير القرآني النسيج المحبوك، أو السماء ذات الحُبُك، بحسنها وتنساقها واحكامها، فكذلك يرينا الله آياته في الأفاق، حتى يتبين لنا الحق.

أين عالمنا الإسلامي؟

لقد سخّر الله وكالة ناسا ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، لتنفق 10 مليارات دولار، في صنع تلسكوب استكشف لقطة فيها مئات وربما آلاف المجرات التي أعادتنا إلى التفكّر في صنع الله الذي أتقن كل شيء، لكنه أبدًا لا يعفينا من العمل والتحرك، وسلك طرق العلم الحديث لمعرفة الكون، وتشجيع العمل البحثي والرحلات العلمية للفضاء، وهو جانب يقصر فيه عالمنا العربي والإسلامي كثيرًا، فقط نلهث وراء صفقات الأسلحة، وكثير من المواضيع التافهة، ونبدو غارقين في المؤامرات الداخلية والانقلابات العسكرية والنزاعات الطائفية والقبائل الساعية إلى المجد، فلا نحن في العير ولا النفير مما يحدث حولنا من طفرة علمية وتنافس تكنولوجي.

إعلان

من المهم الإشارة إلى أن هذه الثورة العلمية في مجال الفضاء تحاول أن تثبت صحة نظرية (الانفجار العظيم) وفق رؤية الفلاسفة الماديين، التي توحي بأن الكون أوجدته الصدفة، ولا وجود لله، وأنه بدأ من نقطة مفردة شديدة الكثافة أخذت تتضخم خلال الـ 13.8 مليار سنة التالية، لتصبح الكون الذي نعرفه اليوم. بيد أن تلك النظرية في بعض أركانها تتعارض مع رواية خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأنها كانت رتقًا ففتقها الله، وتجلت فيها قدرته وعظمته، أما الدافع الآخر من علم الفلك الحديث فهو البحث عن حياة أخرى صالحة خارج كوكب الأرض، تتيح لهم العيش على سطح القمر أو في المريخ.

التوظيف السياسي للتكنولوجيا

رغم تلك الفتوحات العلمية الكبيرة فإن ثمة شكوكًا عديدة إزاء مزاعم هبوط رائد الفضاء نيل آرمسترونغ على سطح القمر، في ذروة تنامي أهوال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، مرورًا بغزوات ناسا في أوج عصر المباهاة بالسيادة القطبية الواحدة، وليس انتهاءً بهبوط المسبار الآلي (إنسايت) على سطح المريخ، ملتقطًا للمرة الأولى صوت الريح في الكوكب الأحمر، فبدا لنا مثل صوت الريح في الأرض، أو تلاطم أمواج المحيط، وبالطبع من خلال تلك الصور المبذولة لتلسكوب جيمس التي تم معالجتها تقنيًا قبل عرضها، أو عربة كيوريوسيتي روفر وهى تتحرك في سطح المريخ، لا تستطيع أن تميز الحقيقي من السينمائي، ولا تستطيع أيضًا أن تنفك من صبغة الدعاية السياسية.

عمومًا نحن لسنا أعضاء في نادي الاكتشافات العلمية، ولا نعرف ما يُدبَّر لنا بالضبط، بعد أن تم تجريب كل الأسلحة فينا، وتم الاحتفاظ بكثير من المعلومات والحقائق المهمة لسبب ما كما أظن، أو الإعلان عن بعضها، لنتعاطى معها فقط كمستهلكين، بشكل يثير القلق إزاء المستقبل الحافل بالتكنولوجيا، وإمكانية توظيفها عمدًا في الهيمنة على الشعوب، ونهب ثرواتها لصالح من بيدهم سلاح القوة والعلم.

المصدر : الجزيرة مباشر