فائدة عالية لطرح الصكوك السيادية المصرية

مبنى وزارة المالية المصرية

 

 

قامت مصر، الثلاثاء الماضي، ببيع أول صكوك سيادية لها في الأسواق الدولية، بعد توقف طروحات سنداتها الدولية منذ مارس/آذار من العام الماضي، وذكر بيان وزارة المالية أن قيمة طرح الصكوك بلغ 1.5 مليار دولار، لمدة 3 سنوات بفائدة سنوية ثابتة 10.875%، وأن عدد طلبات الشراء للصكوك زاد عن 250 مستثمرًا من أسواق مختلفة بقيمة 6.1 مليار دولار، مما يعني تغطية الصكوك أكثر من 4 مرات.

إعلان

وذكر البيان أن الطرح جذب قاعدة جديدة من المستثمرين في دول الخليج وشرق آسيا، إلى جانب الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى مديري الأصول وصناديق التقاعد وصناديق التأمين والاستثمار والبنوك.

وهو أمر طبيعي لصكوك مغطاة بأصول حكومية بفائدة عالية، تقترب من 11% بدرجة تفوق فوائد السندات بغالبية بلدان العالم بفارق كبير، وهو ما يتضح عند المقارنة بفائدة السندات لمدة 3 سنوات بالوقت الحالي التي بلغت 0.02% في اليابان و1.2% في سويسرا و1.98% في تايلاند و2.6% في سلوفينيا، وأقل من 3% في النمسا وبلجيكا وأيرلندا وهولندا والصين وألمانيا وفرنسا والدانمارك وفنلندا، و3% في البرتغال و3.2% في إسبانيا و3.4% في ماليزيا و3.5% في إنجلترا، وأقل من 4% في هونج كونج وإيطاليا ومالطا و5.1% في كوت ديفوار.

وبالطبع زادت الفائدة على الصكوك المصرية بسبب التصنيف المنخفض الذي حصلت عليه من وكالة موديز للتصنيف الائتماني بدرجة بي 3، وهي درجة غير استثمارية.

إعلان

 إلغاء قانون الصكوك بفترة مرسي

والأمر المهم أن محتويات بيان وزارة المالية يكاد يكون نسخة من البيانات السابقة، التي كانت تصدرها بعد طرحها لسندات في الأسواق الدولية، إلا أن الأمر في طرح الصكوك السيادية مختلف كثيرًا، فمع السندات كان الأمر يتعلق بالتزام مديونية على وزارة المالية تجاه المشترين للسندات، أما مع الصكوك فإنها تمنح المشتري لها حصصًا شائعة في حقوق منفعة الأصول، التي تصدر على أساسها الصكوك السيادية، حيث نصت المادة السابعة من قانون الصكوك على أنه لمالكي الصكوك السيادية جميع الحقوق والالتزامات المقررة شرعًا، للمنتفع بالأصول المتخذة أساسًا لإصدار الأصول، بما في ذلك الحق بالأرباح الدورية بما يتناسب مع مقدار مساهمة الصك.

وحتى يتضح الأمر أكثر لغير المتخصصين دعونا نطوف حول تاريخ الصكوك مصريًا، حيث بدأ الأمر بقانون للصكوك في 7 مايو/أيار 2013 أي قبل تولي الجيش السلطة بأقل من شهرين، مما لم يتح المجال لإصدار اللائحة التنفيذية له وتنفيذه، فظل القانون معطلًا حتى صدر قانون في مارس/آذار 2018 بإلغاء قانون الصكوك.

إعلان

واستبداله بعدد 19 مادة تم إضافتها إلى قانون سوق رأس المال الصادر عام 1992، وقامت هيئة الرقابة المالية المشرفة على أساليب التمويل غير المصرفي بإصدار دليل لطرح الصكوك، وبالفعل قامت بعض الشركات الخاصة بإصدار صكوك تمويل، ورغم أن المواد التي أُلحقت بقانون سوق رأس المال تسمح للحكومة والجهات التابعة له بإصدار صكوك.

إلا أن الحكومة لجأت إلى إصدار قانون خاص للصكوك السيادية أي التي تصدرها الحكومة، سواء بالداخل أو بالخارج في أغسطس/آب 2021، وتكرر مضمون كثير من مواده مع قانون عام 2013، إلا أنه كان أقصر، كما تضمنت لائحته التنفيذية إمكانية إصدار 4 أنواع من الصكوك هي: صكوك المرابحة والإجارة والاستصناع والوكالة، بينما كان القانون الملغي يتضمن 13 نوعًا، إلى جانب سماحه بأية أنواع أخرى تقرها الهيئة الشرعية.

أصول إصدار الصكوك غير معروفة

إعلان

ودفعت ظروف خروج الأموال الساخنة من مصر بداية من الربع الأخير من عام 2021، واستمرارها بالخروج في الربع الأول من العام الماضي، إلى السعي لطرح صكوك سيادية خارجية تسهم في تقليل الفجوة الدولارية الكبيرة التي أدت لعودة السوق السوداء للدولار، وأصبح إصدار الصكوك يتطلب عددًا من الإجراءات التي حددها قانون الصكوك الحالي، أولها تحديد وزير المالية الأصول التي سيتم على أساسها إصدار الصكوك، ليصدر قرار من رئيس الوزراء بتحديد تلك الأصول.

ثم يتم إنشاء لجنة عليا للتقييم تقوم بتقييم حق الانتفاع بالأصول التي حددها رئيس الوزراء في قراره، ثم يتم عرض عمل لجنة التقييم على مجلس الوزراء لاعتمادها، ثم تنشأ شركة التصكيك السيادي، والتي تقوم وزارة المالية بنقل حق الانتفاع بالأصول التي ستصدر الصكوك بموجبها إليها، لتقوم الشركة بتقسيم ملكية حق الانتفاع بالأصول إلى وحدات متساوية القيمة تعرف بالصكوك السيادية، وتدير إصدار الصكوك السيادية وتنفذها سواء في الداخل أو في الخارج.

وإلى جانب شركة التصكيك السيادي أي تحويل الحقوق على الأصول الحكومية إلى صكوك، توجد لجنة للرقابة الشرعية من خبراء في الاقتصاد والتمويل والشريعة، تقوم بإجازة الأصول محل التصكيك من حيث توافقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وإجازة نشرة إصدار الصكوك وجميع صيغ التعاقدات الخاصة بالإصدار من حيث توافقها مع الشريعة.

إعلان

ومع الانتهاء من طرح الصكوك السيادية في الخارج تبقى العديد من الأسئلة التي تحتاج توضيحًا من مسؤولي وزارة المالية، أولها ما هي الأصول التي تم بموجبها إصدار الصكوك؟ والثاني إلى أين ستتجه حصيلة الصكوك البالغة 1.5 مليار دولار؟ حيث جاء توقيت الطرح متزامنًا مع استحقاق قسط أحد السندات المصدرة باليوم نفسه، والبالغة 1.250 مليار جنيه كأصل لقيمة القسط بينما تصل القيمة بالفوائد إلى 1.631 مليار دولار.

في حين ذكر بيان وزارة المالية أن الحصيلة ستتجه إلى مشروعات الخطة بالموازنة، وهو تعبير شديد العمومية حيث ينص القانون على تحديد الأصول التي ستصدر الصكوك على أساسها، والتي يتم تقييمها ثم تنظر لجنة الرقابة الشرعية أنها تتفق مع مبادئ الشريعة.

نصف مليار دولار قيمة فوائد الصكوك

إعلان

وإذا كانت وزارة المالية قد صرحت بأنها ستصدر صكوكًا إجمالية بقيمة 5 مليارات دولار، صدر منها الجزء الأول وباقي 3.5 مليارات دولار سيتم إصدارها عبر السنوات الثلاث المقبلة، فإن هناك قسطًا لسند خارجي آخر مستحق في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بقيمة إجمالية 1.336 مليار دولار، وسند آخر في النصف الأول من العام القادم بقيمة إجمالية 2.435 مليار دولار، وسند آخر في النصف الثاني من العام المقبل بقيمة إجمالية 778 مليون دولار، فهل ستتوافق مواعيد طرح الصكوك القادمة مع تلك التوقيتات؟

وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين ستدبر وزارة المالية أقساط دين المؤسسات الدولية والإقليمية وفوائدها، التي تصل إلى 3.7 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي، و3.78 مليارات دولار في النصف الثاني منه، و5.4 مليارات دولار في النصف الأول من العام المقبل، و4.6 مليارات دولار في النصف الثاني من العام المقبل، إلى جانب أقساط ديون الدول الأجنبية والعربية وأقساط الدين القصير الأجل.

خاصة وأنه بجانب سداد أقساط الديون وفوائدها هناك الواردات السلعية، التي بلغت قيمتها في العام الماضي 92.7 مليار دولار رغم التضييق على الواردات خلال العام، أي بمتوسط شهري 7.7 مليارات دولار بخلاف الواردات الخدمية ومدفوعات فوائد استثمارات الأجانب في مصر سواء المباشرة أو استثمارات الحافظة.

وأتصور أنه من حق المصريين أن يطلعوا على نشرة الاكتتاب في الصكوك التي تم طرحها، لأنها تمت على أصول يملكونها وهم الذين سيدفعون فوائدها البالغة 489 مليون دولار، بخلاف أتعاب مديري الطرح الستة: سيتي جروب وكريدي إجريكول اس ايه والإمارات دبي الوطني كابيتال وبنك أبو ظبي الأول وإتش إس بي سي وبنك أبو ظبي الإسلامي إلى جانب مكتبي الاستشارة القانونية.

وكذلك حتى يتضح الموقف الضريبي لتلك الصكوك، حيث ينص قانون الصكوك السيادية الصادر في أغسطس/آب2021 بالمادة 6 بأنه تسري على عوائد الصكوك السيادية وعلى عائد التداول عليها المعاملة الضريبية المقررة على سندات الخزانة العامة، بينما سبق القانون 3 لسنة 2021 في مارس/آذار بإعفاء العوائد والأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في السندات التي يتم إصدارها باسم مصر، وطرحها للاكتتاب في أسواق المال العالمية بضمان الخزانة العامة من الضرائب والرسوم جميعها طوال مدتها.

أيضًا اكتفى قرار وزير المالية الخاص بتأسيس شركة التصكيك السيادي، بذكر أسماء أعضاء مجلس إدارة الشركة الخمسة وتواريخ ميلاد كل منهم دون أية معلومات عنهم، وهم الدكتور حسين عيسى ووليد الشلقامي وأحمد عبد الرازق محمد وشريف حازم البهنسي ومي عادل أحمد، وإذا كان حسين عيسى معروفًا لكونه كان رئيسًا للجنة الخطة والموازنة في البرلمان سابقًا، فإن الباقين غير معروفين للشارع الاقتصادي.

ولا نعتقد أنه مطلوب معرفة أعضاء لجنة الرقابة الشرعية، في ضوء تجربة وجود لجان رقابة شرعية بالبنوك الإسلامية العاملة في مصر، وكذلك ببعض البنوك التقليدية التي لها نوافذ إسلامية، إلا أن اللجان الموجودة بالبنوك الإسلامية لم يسمع أحد صوتها، مع توظيف تلك البنوك قدرًا كبيرًا من أصولها في أذون الخزانة وسندات الخزانة الثابتة العائد!

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر