وعد بلفور

بلفور

“لقد تخلصنا من السرطان اليهودي وألقيناه في حلوق العرب”

ونستون تشرشل” رئيس الوزراء البريطاني.

وعد بلفور،  الوعد الذي غير خريطة العالم العربي والإسلامي وزرع في قلبه سرطانًا ينخر عظمه ويمزق جسده ويضمن فرقته وشتاته.

لم يكن الوعد الذي أصدره  وزير الخارجية البريطاني جيمس آرثر بلفور  وليد اللحظة،  إنما هو نتاج لمخططات ومؤمرات امتدت لعشرات بل مئات السنين وجُنيت ثمارها بهذا الوعد المشؤوم.

حقيقة المؤامرة وبدايتها:

تبدأ القصة مع اشتعال الصراع الاستعماري بين القوى الغربية متمثلة في فرنسا وانجلترا  وروسيا،  وبما أن فرنسا قد تكفلت بدعم الكاثوليك  وروسيا بالأرثوذكس  فكان لزامًا على بريطانيا أن تجد حليفًا قويًا تدعمه وتستفيد منه في تحقيق مآربها وإيجاد دور مواز للدور الفرنسي والروسي،  فلم تجد  أفضل من اليهود بما يملكونه من قوة اقتصادية وسياسية ،  وبدأت بريطانيا في العمل على كسب اليهود لصفها بتحقيق أمنياتهم وتنفيذ أهدافهم،  ففي العام ١٨٣٨م  أسست بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس وكانت تهدف لحماية  يهود السلطنة العثمانية في فلسطين،  وفي العام ١٨٤٥ أرسلت حكومة بريطانيا للدولة العثمانية تطلب منها إجلاء العرب عن فلسطين لإحلال اليهود مكانهم،  وفي العام ١٨٥٥  قام زعيم الجماعة اليهودية في بريطانيا الثري  “مونتيفيوري” بتمويل شراء أول قطعة  أرض في فلسطين، محاولة منه لوضع أقدامهم في فلسطين،  وفي العام ١٨٩٠م ظهر الصحفي اليهودي ثيودور هرتزل الذي  استطاع أن ينقل اليهود نقلة نوعية فأنشأ الحركة الصهيونية العالمية في لندن عام ١٨٩٧، وبدأت مخططات هرتزل المدعومة من بريطانيا، فحاول استرضاء السلطان العثماني عبدالحميد الثاني وعرض سداد كل ديون الدولة وزيادة عليها لخزانته الخاصة ولكن عبدالحميد رفض بشدة، ووقف كالعقبة الكؤود في وجههم فلجأوا للمؤامرة عليه حتى نجحوا في عزله عام ١٩٠٩م،  ليخلوا لهم وجه فلسطين. واستمرت المحاولات والإجراءات التي لايتسع المجال لذكرها حتى قيام الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ التي لعب اليهود فيها دوراً بارزاً إلى جانب الحلفاء، وأثناء اشتعال الحرب وبالتحديد في العام  ١٩١٦ تم وضع اتفاقية سايكس بيكو والتي قسمت أملاك الدولة العثمانية بين الحلفاء وكانت إيذانًا بإصدار ذلك الوعد المشؤوم الذي أُعلن عنه في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني  للعام ١٩١٧م،  وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تم وضع فلسطين  تحت الانتداب البريطاني وفقًا لمؤتمر سان ريمو في إيطاليا عام ١٩٢٠ تمهيدًا  لتنفيذ الوعد.

لماذا أصدرت بريطانيا الوعد؟

لم يكن وعد بلفور حبًا من بريطانيا لليهود بقدر ماهو تخطيط لمصالحها الاستعمارية فقد وقفت العديد من الأسباب خلف هذا السعي الحثيث لاقامة وطن لليهود في فلسطين وإصدار وعد بلفور ومن أهم هذه الأسباب:

تكتيكياً  :

1- مكافأة الصهاينة على دورهم في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء.

2-  كسب الصراع في التنافس بينها وبين فرنسا وألمانيا في خطب ود يهود ألمانيا، والذين شكلوا مركز العمل الصهيوني في برلين لما لهم من حجم مادي ومعنوي بين يهود العالم.

 استراتيجياً  :

1- يعتبر الوعد تأسيساً لصراع طويل،  وعنيف كانت تتوقعه بريطانيا في المنطقة العربية خدمة لمصالحها الاستعمارية.

2- القضاء على أي وحدة عربية في المستقبل تهدد مصالح بريطانيا.

3- زرع اليهود الصهاينة كقاعدة للانقضاض على الأمة العربية لاستنزافها وتجزئتها.

4- ضمان طريق الهند التجارية،  وحرية الملاحة عبر الممرات المائية.

5- وقبل كل ذلك إفشال المشروع الإمبراطوري الذي سعى له محمد علي مع بداية القرن التاسع عشر والذي كان يمثل خطورة على مشاريع بريطانيا الاستعمارية في الشرق.

الموقف العربي

على الرغم من الرفض العربي لهذا الوعد الظالم إلا أن ردة الفعل العربية لم تكن على قدر الحدث، فقد كان الوعد متزامنًا مع الثورة العربية التي قادها الشريف حسين للانفصال عن الدولة العثمانية، وقد أبدى الشريف غضبه من الوعد، إلا أن بريطانيا نجحت في خداعه للمرة الثانية، وأوهمته بأن هذا الوعد لن يؤثر على استقلال  فلسطين، فانخدع الشريف حسين، وقام ابنه  فيصل بن الشريف ممثل المملكة العربية الحجازية  بتوقيع اتفاقية فيصل/وايزمان التي أبرمت في يناير عام ١٩١٩ أثناء مؤتمر باريس للسلام وقد أقّر فيها بالوعد  ثم تراجع  بعد ذلك معترفًا بخطئه ولكن بعد فوات الأوان.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها