كنا خير أمة

بين الأمس واليوم تنكر لنا التاريخ وتنكرت لنا الكلمة، وتنكرت لنا الأجيال وتنكر لنا الإعلام ، وانشقت اليمن والسودان وانتشر الكيان ليس في الجولان فقط وإنما في كل البلدان المجاورة.

في زمن قريب وليس ببعيد عن الألم، كنا نتنفس الأمل ونحن نمسح دموع خريطتنا بمنديل من الهزائم، لكن كنا في صف واحد موحد، كنا خير أمة لا تركع ولا تخضع ولا تعرف ما معنى الخنوع وما معنى الانشقاق والانحطاط، بل كنا في كل يوم نقدم لخريطتنا ورقة ولادة جديدة موقعة بأسماء مختلفة وبقلم أحمر واحد وليس متعدد الألوان، كنا امة تأمر بالوحدة و بضبط النفس و الصف بين دول القمة العربية، وتستيقظ إذا تعثرت وسقطت، لننتقل في الصفحة الاخيرة من كتابنا إلى أمة خاضعة وراكعة مرعية وليست براعية.

إذا كان التاريخ يعيد نفسه مع مرور السنوات، فإن هذا الأخير لم ينصفنا ولم يكرر الأحداث مرات ومرات رغم الهزائم، فيما يخص الكلمة المضبوطة والمعاني المبسوطة، والاحلام التي كانت ترخي علينا ظلاها من التلفاز العربي وأقلام الإعلام على صوت المذيعين ورؤساء الدول والقمم.

إذا كانت نكسة يونيو/حزيران عام 1967، قد زرعت فينا الفشل والاحزان وانهزمنا في حرب مدتها ستة أيام، ومنحنا الضفة الغربية إلى الاحتلال ونامت الجولان في حضن الكيان، وأدت الحرب إلى مقتل ما بين 15,000 و 25,000 إنسان في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل، وتدمير 70 – 80% من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 2  5% في إسرائيل، فلابد أن نبتسم رغم الهزائم، لأن زعماء الدول العربية اتفقوا في القمم على مهاجمة المحتل الذي زرع القنابل وأرعب الأرض والسماء، خاصة بمنطقة السموع الأردنية وما جوارها من المناطق العربية بمصر وسوريا وفلسطين، إذ اتفقوا على عدم تصدير البترول والغاز، اتفقوا على الدفاع على الخريطة العربية من التمزيق من عدوا يقتات من حدودها ويحاول الدخول إلى المركز لبسط نفوذه.

بين الأمس واليوم تنكر لنا التاريخ وتنكرت لنا الكلمة، وتنكرت لنا الأجيال وتنكر لنا الإعلام ، وانشقت اليمن والسودان وانتشر الكيان ليس في الجولان فقط وإنما في كل البلدان المجاورة ، وانتشرت الجماعات المتطرفة كانتشار الهشيم في النار، منهم من يدعم ومنهم من يرقص ومنهم من يفضح ويزرع الخضوع والركوع في المراعي العربية.

لم تعد مصر هي أم دنيا، ولم تعد العراق عراقا، فبلاد الرافدين انشقت ولم يعد اقتصادها وجيشها يزلزل الارض كما كان، ولم تعد كل القمم الغربية تسمن وتغني من جوع، بل اصبحت تصيبنا بالمجاعة والقهقهة جراء مخرجات ونتائج القمم العربية التي تدعوا إليها جامعة الدول العربية وبشكل عاجل بهدف إرجاع حق عادل .

لم نعد اليوم، نتذوق حلاوة الكلمة، عدنا نمسي ونصبح على كلمة مذاقها مر كالبحر الميت الذي تزرع فيه إسرائيل جيوشها وتشرب من مياهه حسب اتفاق أردني- إسرائيلي، الكل يدفع من أجل سقوط هذه الكلمة من فوق قمة الجبل، وقد سقطت وشقت الخريطة العربية إلى أجزاء متناثرة .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها