أول لقاء مع إبراهيم عبد القادر المازني

كنت قد سمعت من صديق عزيز فقدته وأفتقده دائما سلك سبيل الرجوع إلى من نحن منه وإليه، عن الكاتب إبراهيم عبد القادر المازني (رحمهما الله) وقد نصحني بالقراءة له ولآخرين غيره، وكان دائم التذكير بأسلوب المازني الخاص وشاء أن تكون أول قراءاتي له “ع الماشي” وهي مجموعة قصصية ضمت أربعة عشر أقصوصة.

في قصصه أحداث وحكايات بسيطة لا تعقيد فيها، شخصيات من الواقع عايشنا أشباها لهم كأنهم أناس يعمرون كل صفحة من صفحات الحياة، شخصيات تنبت وتنثر بذورها وتذوي، اختار منهم في أغلب الأقصوصات الأسوياء الطيبين المستقيمين والنساء الجميلات الغضات البضات ملفوفات القوام كما يصفهن، ليرسم حولهم حكاياته والتي هي أقرب للواقع منها للخيال فلا غرابة في ما يحدث لهم وبينهم. كانت القصص عبارة عن مشاهد حصرتها زاوية كاتب شاعري المشارب فكانت على بساطتها مؤنسة بما في شخصياته من ثراء خصب كما وصف هو إحداهن، ولما في الطبيعة التي جال بنا فيها من جمال وهدوء، إلى جانب روح الفكاهة التي لا تخفى على أحد.

حزن مستتر

 في تناوله للأحداث، أو في تعليقاته الساخرة نجد حزنا مستترا وراء هزله حتى خيل لي وأنا أقرأ أولى القصص “من ذكريات لبنان ” وجه الكاتب وابتسامة مرتسمة على وجهه في حين أن عيونه غارقة في الحزن فلقد جمع بين جد وهزل وتفنن بهما في مراوغة محاوريه وتلطف بالنساء خاصة.

وما شدني أن ظهوره في القصص أو تلميحه بالظهور كان يضفي الكثير من الاختلاف والخصوصية والعمق الفكري والعاطفي على عكس الشخصيات البسيطة كأنه ينقل جزءا من واقع يعيشه هو كرجل عارف بنفسه،  وفي معرفته بنفسه عرف غيره ولمس خصوبة في ثراء أنفسهم فأتاح لمن أخطأ فرصة لإصلاح نفسه، وفتح الباب للحب والحياة من دون تعقيد، فلمح لشخصياته ناصحا بما هو أحسن لهم ومازحهم ورفع عنهم بعض ما شق على أنفسهم. كان مترفقا بأغلبهم وفي أقسى حالاته تهكم وسخر من بعضهم.

نسج حول نفسه أحداثا كان هو مركزها وظهر جزء من خياله واقفا مراقبا لأحداث أخرى مبديا رأيه  بينه و بين نفسه من دون علمهم . كما أن براعته في الترجمة وانفتاحه على ثقافات أخرى أضفى روحا تبدو جلية في ما نسجه من أحداث وما اختاره كأسلوب عيش و تفكير لشخصياته التي تبدو مختلفة بعض الشيء عن أغلبية المجتمع المصري الشعبي في أول القرن التاسع عشر وهو أسلوب حياة فئة خالطت غيرها من جنسيات أجنبية عاشت في مصر في تلك الفترة خصهم بمسحة من الرصانة والحداثة وفي انتقاء جميل أبقى أبرز صفات المصريين كطربوش يعتلي الرأس متمثلا في أصالة شخصياته.

البحث عن الماء

بقيت نهاية الأقصوصة الأخيرة “كيف حفرت بئرا لنفسي؟”عالقة في ذهني ففيها تصدر هو كشخصية رئيسية ومثل فيها دورا ليس بالغريب عليه، كونه مدرسا، وأعجب بشخصية اتخذها ورسم ملامحها، فكانت بنتا فلاحة بهية ربما هي من واقع عايشه وليست من بنات خياله، لكن ما شدني هو بحثه وإياها عن الماء في التربة الجلدة وكأنه يبحث عما تنطوي عليه أغلب البواطن لينساب الخير كالماء الصافي من بين الصلب والترائب ويعم وترتوي به الأرض ومن فيها وعليها وينزوي تاركا البئر في آخر القصة  وكأنها الحياة، ولبعض الفالين أثر من ماء ترتوي به الأرض ومن عليها ومنهم من له أثر من حميم تنصهر منه الأرض ومن عليها .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها