ازدواجية المعايير بين نبع السلام وعاصفة الحزم

توزيع المساعدات الغذائية من قبل الأمم المتحدة بمنطقة حجة. إذ تواجه ثلثا مناطق اليمن المجاعة.

توحي أسماء بعض العمليات العسكرية التي تطلقها الدول، ضد من تعتبرهم إرهابيين، بأنها تجسد دور الحارس الأمين على شعبها، أو منطقتها.. 
قد تكون هناك رغبة صادقة فعلاً في تخليص المنطقة من التوترات، وإحلال السلام والأمن؛ ولكن أي تحليل يمكن الإفادة به، في حال استمرت تلك العملية سنوات وزادت الوضع تعقيداً؟
لعل اليمن الذي تحالفت فيه قوى عديدة، بأهداف قيل إنها للحد من النفوذ الإيراني وإقامة الاستقرار والأمن، في بلد فرقته النزعات الانفصالية، شمالا وجنوباً، خير مثال على ذلك.. 
فلا تحقق الأمن والاستقرار ولا انتكست شوكة الحوثيين، بل على العكس باتوا أكثر قوة وقدرة على ضرب أعدائهم في العمق.
 بقراءة سريعة معاكسة لما يحصل في العمليات التي تقودها تركيا في شمال سوريا سابقا واليوم شرقها، نجد أن الملاذ الآمن الوحيد لمن يعارض النظام السوري ويهرب من خدمة جيشه هو ذاك الجزء الصغير الذي تمكنت تركيا بمؤازرة محلية من السيطرة عليه؛
فهل استطاعت السعودية أو الإمارات وحلفاؤها في المنطقة،  توفير هذا الملاذ لمن يعارض الحوثيين على أقل تقدير؟ 
أحداث عدن ليست بالبعيدة كي تجيب على هذا التساؤل. 
توجه الإمارات نحو التقسيم وفصل الشمال عن الجنوب، والبحث عن مصالح أحادية بات الهم الأكبر لأبوظبي؛ على عكس الرياض التي بدأت منذ فترة تخوض المعركة منفردة، وتدفع ثمن سنوات من الحرب، بضربات موجعة في عمقها الاستراتيجي، هدد لمرات شريانها الاقتصادي المعتمد على الملاحة الجوية والنفط. 
لو عدنا إلى سوريا قليلاً لوجدنا أن المناطق التي سيطر عليها الجيش التركي والسوري الحر، في عملياته الأخيرة، تملك اليوم بعض الأمان والاستقرار وإن كان نسبياً، إلا أنه أفضل وضعاً من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. 
شتان بين الدمار في اليمن من صنعاء إلى عدن، وبين بناء الجامعات وإعادة الإعمار في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات وتحديداً في جرابلس والباب وعفرين غرب سوريا. 
قبل أسابيع، من بدء عملية نبع السلام شرق الفرات، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تأسيس أفرع جديدة لجامعة غازي عنتاب في ريف حلب.
 يعد ذلك تطوراً مهماً لمئات الطلاب الجامعيين الذين فقدوا تعليمهم بفعل الحرب، وانتقلوا لمناطق سيطرة المعارضة، خوفا من اعتقال النظام وتجنيده ولم يتمكنوا من مغادرة بلادهم كون اللجوء والاستقرار خارج البلاد ليس أمراً يسيراً.
 استطاع السوريون والأتراك تغير واقع بلادهم شمالاً إلى الأفضل، رغم التهديدات الأمنية والخروقات بين الفينة والأخرى لحقوق الإنسان، إلا أنها تبقى نسبية ومحدودة. في اليمن ومصر وليبيا، يعكس التدخل الإماراتي الفرنسي والسعودي، أسوأ صورة إنسانية، تتمثل بانعدام الأمن والاستقرار، وفقدان أو غلاء أبسط مستلزمات المعيشة. تسببت الحرب في اليمن، بأسوأ كارثة إنسانية، وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان. 
معارضو العملية التركية شرق الفرات اليوم، متهمون سابقا بجرائم حرب في مختلف دول الشرق الأوسط، حتى الولايات المتحدة المترددة بين التأييد والشجب والاستنكار، كان لها دور كبير في مأساة العراق ووصوله إلى دوامة عنف، لاتزال مستمرة إلى هذا اليوم. 
الرئيس أردوغان، لم يدع الانتقادات ضد عملية بلاده الأخيرة تمر مرور الكرام، وكان صريحاً في الرد وتفنيد كل المزاعم ضدها. 
لكن الأهم باعتقادي هو سياسة الكيل بمكيالين، إذ لم تحرك السنوات الماضية، أي تحرك دولي جدي يوازي ما تعرضت له المدن السوري من قصف وتهجير وحملات اعتقال ومجازر وعمليات إبادة جماعية. 
لم نلمس خطوة جدية واضحة من الجامعة العربية، ومن الدول الأوربية تجاه حلب وحمص وحماة ودرعا والغوطة الشرقية والكثير من المناطق السورية.
 على العكس سعت بعض الدول لإعادة العلاقات مع النظام السوري المتورط بغالبية الجرائم، وكانت في طريقها لبناء سفارات في عاصمته دمشق.
 خلال سنوات الثورة، كانت الإمارات والسعودية، تدعم فصائل معارضة على حساب أخرى، معظمهما ساهمت بشكل أو بآخر بالانسحاب بل دعت إلى المصالحة وترك السلاح والانضمام لصفوف قوات الأسد علناً، وهي ذات خلفيات جاهرت بالولاء والتبعية للرياض وأبوظبي.
 لم أتحدث بعد عن تنظيم الدولة وقادته الذين كان عدد كبير منهم يحمل جنسيات تلك الدول المعادية اليوم لتركيا، عدا عن عداء التنظيم نفسه لأنقرة وسياساتها.
 ما يحصل اليوم في سوريا، ينطبق عليه المثل الشعبي القائل: لا يرحم ولا يدع رحمة الله تنزل.
فلا هم يتركون السوريين في مأمن من جرائم النظام وقمعه ولاهم يرضون بعمليات تساهم بشكل أو بآخر بالتخفيف من معاناة السوريين التي استمرت لأكثر من 8 سنوات ويكاد لا يسلم أي سوري من تبعاتها على الأقل من الناحية النفسية.
المرحلة القادمة تخفي في طياتها الكثير من التحديات لكل من يتعاطف مع السوريين وقضيتهم في التحرر من الطغيان والعبودية.
التطبيع مع نظام الأسد أشبه بالتطبيع مع إسرائيل، والطرفان رغم كل جرائمهما بحق الإنسانية يفلتان من العدالة الدولية، بشكل علني لا يخفى على أحد.
تبدو قضية سوريا وفلسطين واحدة، حيث شبه إجماع دولي على الاعتراف بإسرائيل والنظام السوري، وتجاهل الانتهاكات بحق السوريين والفلسطينيين، والعداء لكل من يقاومهما.
 
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها