هكذا تذكر حسين الشافعي الشهوة بعد ضياع الصهوة

 

لا شك في أن شخصية حسين الشافعي في حاجة إلي كثير من التأمل و الدراسة (و بخاصة أنه كان  يبدو في بعض أحاديثه  وحواراته كأنه الفارس الوديع ، و يبدو في بعضها الآخر و كأنه الوحش المفترس) وفي الحالين فإنه كان من أولئك الذين لم يدر حولهم جدل عميق يكشف الكثير من طباع شخصياتهم للناس.

وإذا قيل إن أنور السادات كان هو الوحيد من اللجنة التأسيسية وأعضاء مجلس القيادة الذي بقي إلى جوار الرئيس عبد الناصر حتى النهاية من دون أن يشغل المناصب التنفيذية، فلا بد أن نذكر أن حسين الشافعي كان هو الوحيد من أعضاء مجلس القيادة (حتى وإن لم يكن من أعضاء اللجنة التأسيسية) الذي بقي خمس سنوات بعد وفاة الرئيس عبد الناصر في أكبر المناصب التنفيذية والسياسية وهو منصب نائب الرئيس أنور السادات.

يؤمن بالديكتاتورية المطلقة

لم يكن حسين الشافعي يجد أي حرج في أن يجاهر بأنه يؤمن بالديكتاتورية، وكان يبرر هذا تبريرات عسكرية معروفة ، وكأنه كان لا يريد من الشعب إلا أن يعيش في معسكر من معسكرات جيش تابع لسلطة الاحتلال ، ومن العجيب أنه إذا كان الرئيس جمال عبد الناصر في ممارساته والرئيس أنور السادات في انفعالاته قد وصلا إلى بعض الحدود غير المقبولة من زاويا الديموقراطية ، وحقوق الانسان ، فان حسين الشافعي في تصريحاته وحواراته قد تعدى كل الخطوط الحمراء  في كل الجوانب، وذلك الى حد انه كان يتبنى كثيرا من الرؤى التي تجعله يتصور أن يكون  القاضي هو الحاكم وأن يكون  الحاكم هو القاضي ، بل إنه كان يعطي لهذا القاضي الحاكم الفرصة لأن يكون مشرعا أيضا فتكون له الحرية بل مطلق الحرية في أن يحكم بما يشاء من عقوبة مما يراه هو نفسه ، بل إنه كان يعطي نفسه باعتباره ذلك القاضي الحق في ألا  يحكم بالحقيقة التي يراها رؤيا العين من أجل أن يحكم بما يراه هو صوابا، بحكم قراءة الخيال وليس تمحيص الحقيقة .

تبرير اعدام عبد القادر عودة

وانظر إليه على سبيل المثال حين يقول إنه حكم على عبد القادر عوده بالإعدام لأنه كان قد رفع في مظاهرات عابدين قميصا ملوثا بالدم، بما يعني أنه كان يهدد جماعة الرئيس جمال عبد الناصر من الضباط الأحرار المختلفين مع زملائهم بالدم، مع أن كل الناس يعرفون أن الذي يرفع قميصا ملوثا بالدم ينبه إلى العنف الذي اتخذته السلطة.. لكن الشافعي الذي لم يكن هو رئيس المحكمة الاستثنائية ولا المدعي وإنما كان عضوا في المحكمة فحسب يتبنى الحكم الظالم ويؤسس له وينسبه الى نفسه لا الى القانون ولا الى التحقيقات التي أثبتها الادعاء، ولا الى رئيس المحكمة وإنما هو يتجاوز هذا كله فيروى ذكرياته هو وتفسيره هو لما حدث من عبد القادر عودة في مظاهرات عابدين، ويؤسس على هذا الخيال كله حكما شاذا بإعدام هذا المستشار الجليل في قضية المنشية التي لم يكن له أي علاقة بها لأنه كان في السجن حين وقعت أحداثها.

نستطيع الآن أن ندرك طبيعة الفارق بين عبد اللطيف البغدادي، من ناحية، وهو الذي رفض أن يتولى رئاسة محكمة الإخوان، وأعلن بوضوح أنهم خصوم، ولا يجوز للخصم أن يحاكم خصمه، وبين حسين الشافعي من ناحية أخرى، وهو الرجل الذي ينتهز الفرصة ويستدعي من الخصومات خصومة لا علاقة لها بالقضية، ثم يبني عليها بالاستنتاج غير الدقيق حكما بلاغيا، ثم حكما سياسيا، ثم حكما جنائيا، ثم إعداما ثم يفاخر بأنه تولى هو نفسه إصدار الحكم كقاض. أي أنه الخصم والحكم والقاضي والقانون والمشرع والادعاء.

ومع أن الشافعي قال هذه الأقوال في زمن لم يكن أحد يبني فيها على كلامه ولا على مواقفه فإنه كان يبحث عمن يؤطر كلامه ليحظى بصورة الرجل القوي الخارق للعادة بينما كان الصحفيون والكتاب يعرضون عن توظيف واستغلال هذه الفرصة باعتبار أنهم كانوا لا يزالون ينظرون إليه نظرتهم القديمة على أنه لا يقدم ولا يؤخر.

قدرة الشافعي على تبني القرار الظالم والديكتاتورية  

يجدر بنا هنا أن نذكر للقارئ موقفا آخر مهما جداً يتعلق بقدرة الشافعي على تبني قرار الحكم الظالم ، بل وإصداره  ، وذلك  أنه حين ظهرت الدعوة إلى  إعادة النظر في الأحكام التي صدرت على ضباط الطيران في 1968 بعدما اندلعت تظاهرات الطلبة الحافلة بالسخط على الأحكام التي وصفت بأنها مخففة لا تتناسب مع حجم الهزيمة كما أنها لم تعاقب المسئولين الحقيقيين ، وناقش مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد الناصر الموقف بعد هذه  التظاهرات واعتصام الطلاب في جامعة القاهرة قيل في اجتماع مجلس الوزراء إن  هذه المناقشات قد تؤثر على حسين الشافعي الذي يرأس محاكم تنظر في قضايا أخرى،  فما كان من الرئيس عبد الناصر إلا أن صرح بأن حسين الشافعي نفسه  أبدي استعداده للحكم على هؤلاء المتهمين بالإعدام لو أنه كُلف بمحاكمتهم ، مع أن المحكمة العسكرية كانت قد انتهت لتوها بالحكم على بعضهم بأحكام شديدة وعلى بعضهم الآخر بالبراءة .

النظام الشمولي

كان حسين الشافعي يؤمن بالنظام الشمولي إيمانا جارفاً حتى إنه ظل يُجاهر بجرأة شديدة وهو على مشارف القرن الحادي والعشرين بما لم يستطع الرئيس جمال عبد الناصر نفسه أن يُجاهر به قبل 1967 فيقول إننا لو عملنا حزبين لأخذ أحدهما الأمر من أمريكا وأخذ الآخر أوامره من روسيا.. ومن إحقاق الحق أن نسأل عن رأي الذين كانوا ينطلقون إلى الثناء على حسين الشافعي من باب النكاية في الرئيس أنور السادات: كيف كان هؤلاء يتصوّرون أن الشافعي يصلُح لرئاسة الدولة؟

النفاق قصير الأجل و رأيه التلقائي النمطي في معاداة التنظيمات الإسلامية
كان حسين الشافعي يتمتّع بالقُدرة على النفاق المُجتمعي قصير الأجل، ذلك أنه على سبيل المثال كان إذا شهد اجتماعاً أو لقاء إخوانيا أو شبه إخواني لم يُمانع في أن يقول كلمة يُجاهر فيها بأن وجود الإخوان كان ضرورة أو كان فتحاً ربانياً فإذا سُئل في موضع آخر عن رأيه في التنظيمات الإسلامية أو ما يُعرف الآن بالإسلام السياسي فإنه كان سرعان ما يكيل السباب لمثل هذه التنظيمات التي لم يكن يمانع في أن يصفها بأنها تؤذي الإسلام.

وعلى عكس ما كان بعض شباب الجماعات الإسلامية في نهاية عهد الرئيس السادات يروجون له من اقتناع الشافعي بهم وتأييده لهم، فإن رأيه في التنظيمات الإسلامية على حد تسميته يأتي متفقا تماما مع أشد الأدبيات العسكرية تحفظا على الإسلام السياسي.

سذاجة مفاهيم الشافعي الاقتصادية: الاشتراكية ومصادرة الأموال

لا تخرج آراء حسين الشافعي في الاقتصاد والسياسات الاقتصادية عن حدود التبسيط الزائد للقضايا بالطريقة التي يحرص عليها العسكريون في أحاديثهم إلى الجنود الجدد ، فقد كان الشافعي أكثر صراحة من الرئيس جمال عبد الناصر بالقول بضرورة الاستيلاء على أموال الأغنياء لتوزيعها على الفقراء على حد قوله، وهو يُجاهر بمأثورات جيل العسكريين الثوار  التي بدأت في الذيوع منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر و ذلك من قبيل القول بأن مصر فقيرة وأنها لا تملك ما يملكه جيرانها من البترول، وأن السكان يزيدون ، وأنه لا سبيل إلى زيادة ثروة البلاد إلا باستيلاء الدولة على ما تستطيع الاستيلاء عليه من ثروات الأفراد.

ورغم البؤس والجفاف الذي تحفل به هذه الفكرة البائسة إنسانيا و قانونيا وتنمويا واقتصاديا فإن الشافعي كان فخوراً بترديدها إلى أبعد الحدود ، حتى ليُخيّل إلى من يقرأ آراءه أو يستمع إليها أنه كان يعيش خارج التاريخ تماماً، وأنه لم يكن يدري شيئا عن دور الصناعة ولا السياحة ولا تجارة الخدمات في تكوين الثورة، وكأنه لم يعرف شيئا عن تحويلات العاملين بالخارج، وكأنه كان يظن أن البترول نفسه  يخرج من تلقاء نفسه وكأنه ماء البحر أو المحيط  ، مع أن البسطاء يعرفون أن العثور على بئر بترول لا يتحقق إلى بعد جهود استكشافية تستمر لعشرات السنين، كما أن هذا الاستكشاف لا تقوم به الشركات الأجنبية إلا في مجتمعات تحترم الملكية الخاصة ، وتحترم حرية رأس المال ، كما تؤّمن رأس مال الشركات العاملة في هذا الميدان . لكن حسين الشافعي كان لا يزال (وهو على أعتاب القرن الواحد والعشرين) يعيش أفكار الضابط الشاب المتخرج لتوه حين يتحدث إلى الجنود الجدد من غير ذوي المؤهلات في المعسكر.

هكذا كان الشافعي في تعبيره عن آرائه الاقتصادية يفضل اللجوء الى الطرح الناصري (أو اليوليوي) البائس بأنه لا وسيلة لزيادة الثروة، وأن الحل الوحيد للعدالة الاجتماعية يتمثل في إعادة توزيع ما هو موجود من ثروة بأيدي الناس.

الشافعي لم يكن قد خطط لما يفعله عندما يترك السلطة

أعتقد بيقين أن السبب في مشكلات حسين الشافعي في تعامله مع التاريخ تمثل ببساطة في أنه خرج من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، من دون أن يكون مستعداً لهذا الخروج، ولم تكن له قوة جماهيرية غير أولئك الذين يتبركون برجل ذي وجه مشرق من أهل السلطة، ولم يكن عند الجامعات الإسلامية الوليدة فيما بعد ذلك استعداد حقيقي [أو عضوي] لأن يذهبوا إليه ليلعب دوراً في تنظيمهم على نحو ما كان يشاع همسا، وأو على نحو تمني بعضهم حدوثه!!

ومع هذا فيبدو أن حسين الشافعي لم يكن يعدم منبراً يعتليه ويخطب عليه في بعض الأحيان ليؤكد وجوده من خلال الدعوة إلى فكرة سامية كفكرة أهمية العودة إلى الله. ولم يعدم حسين الشافعي جمهوراً من المصلين في مسجد كبير كمسجد الإمام الحسين على سبيل المثال يلتفون حوله لينالوا البركة بتقبيل يده، ولم يعدم حسين الشافعي بعض الفرص للأحاديث الصحفية السريعة أو المطولة تسأله شيئا من الذكريات.  وقد حاولت إحدى الصحف الناشئة في أواخر السبعينيات أن تجذب الناس بنشر مذكرات حسين الشافعي ولكنها لم تنتشر، ولا نشرت شيئا كثيرا من هذه المذكرات، لكن الزمن عوضه بحواراته مع الأستاذ صلاح الإمام التي نشرها في كتاب ثم جاءت حواراته التلفزيونية مع الأستاذ أحمد منصور على شاشة قناة الجزيرة لتتيح له فرصة ذهبية لم تتح لغيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة.

نشاطه في جبهة هدم الرئيس السادات

لما بدأ الفريق سعد الشاذلي الظهور التلفزيوني المكثف في عهد مبارك أشير عليه من ذوي الخبرة أن يؤلف جبهة غير رسمية و غير معلنة  تتكون من مسئولين سابقين و تتعاون على الهجوم على الرئيس أنور السادات بأثر رجعي ، ومن الطريف أن الفريق الشاذلي لم يلبث إلا قليلا حتى وجد في حسين الشافعي ضالته ، وأخذ الشافعي يقلب تاريخ الرئيس أنور السادات كلّه فينسُب إليه  كلّ العيوب القاتلة التي كانت كفيلة لأن تجعل أيّ رجل كريم على نفسه حريصاً على الابتعاد عن الرئيس أنور السادات ، وعدم التعاون معه ، لكننا نرى الشافعي وهو يُقدم نفسه في صورة من كان يعرف عيوب السادات وجرائمه ومع هذا يُقسم اليمين أمامه كنائب له، ويحضر الاجتماعات إلى يمينه ويسير في ركابه، بل أكثر من هذا فإن أعظم خطب المديح التي صيغت في الرئيس أنور السادات بعد نصر أكتوبر (وقبل هذا النصر) كانت هي التي يُلقيها حسين الشافعي نفسه.

قصور تصويره لطبيعة خلافه مع السادات

روى حسين الشافعي  في الفترة المتأخرة من رواياته المبالغة في الخيال ، كثيراً من المناقشات التي دارت بينه وبين الرئيس أنور السادات في  1972 وما حولها على أنها خلافات، وبهذه الطريقة في الرواية ظلم الشافعي نفسه ولم يظلم الرئيس أنور السادات،  ذلك انه كان من الطبيعي أن يأخذ الرئيس أنور السادات رأيه وأن يستشيره وأن يستمع إلى انطباعاته وتوجهاته، بل كان من الطبيعي أيضاً أن يكون هو نفسه من يُبادر بهذا مع الرئيس باعتبار الزمالة والعشرة التي دامت لأكثر من ثلاثين عاماً، وكان من الطبيعي أن يقول الرئيس أنور السادات مثلاً إنه يثق في الاتحاد السوفييتي (أو الولايات المتحدة أو فرنسا) فيقول له حسين الشافعي ، لا تثق.. هذا أمر عادي لكن غير العادي أن يرويه الشافعي في أوائل القرن الحادي والعشرين على أنه كان خلافاً أبديا، وأنه كان لا يثق في الولايات المتحدة التي وثق بها الرئيس أنور السادات، أو أنه كان لا يثق في الاتحاد السوفييتي الذي انخدع فيه الرئيس أنور السادات، بل إن الأخطر من هذا أن الشافعي بنى على هذه الخلافات الفكرية في الرأي والتقدير خصومة أبدية بينه وبين الرئيس أنور السادات، وهو ما لم يحدث أبداً قبل إقالة الرئيس أنور السادات للشافعي في 1975.

بالغ فنسب السبب في وجوده في الجو في 5 يونيو إلى مؤامرة من السادات

وصلت وساوس حسين الشافعي وهواجسه تجاه الرئيس أنور السادات إلى أقصى الحدود المرضية حين بدأ يُعيد رواية ما حدث في صباح 5 يونيو 1967 حين كانت طائرته في الجو فزعم ذات مرة بقلب جامد (كما يقول العامة) ويقين لا يتطرّق إليه الشك أن وجوده في الجو كان مؤامرة من الرئيس أنور السادات للخلاص منه ، وكأن الرئيس أنور السادات يومها كان قد جمع سلطات القضاء و القدر و سلطات الرئيس جمال عبد الناصر وسلطات المشير عبد الحكيم عامر ،  وكأنه كان يعرف بموعد الهجوم ، وكأنه كان هو الذي يرسم خطوط مسار الطائرات التي تحمل من يزورون الجنود في الجبهة!

ومع أنني أميل إلى القول بأن حسين الشافعي ظلّ طيلة حياته يُعاني من الصدمة النفسية والعضوية المروعة التي حدثت له في صباح يوم 5 يونيو 1967 ولم يتلق لها علاجا طبيا نفسياً فإن منطق الأشياء عند أي محاور للشافعي أو مستمع له كان كفيلاً في رأيي بأن يجعله يتوقف عن مثل هذه التبريرات الوهمية في الرواية، وهي التجاوزات التي تجعله بعيداُ لا عن التعقل وحده ولكنها تجعله أيضاً بعيداً عن العقل نفسه وتفقده الاحترام الواجب لمن كان في سنه.

أداؤه كنائب للرئيس أنور السادات

 

نبدأ الحديث الآن عن الفترة الأطول وهي الفترة التي قضاها حسين الشافعي في موقع الرجل الثاني في عهد الرئيس السادات ، و ربما لا يندهش القارئ اذا وجدني أسارع إلي القول بأنه لا يمكن القول بأن حسين الشافعي كان أحد الأعمدة الحقيقية والأساسية للحكم في عصر أنور السادات ولا في دولة أنور السادات، مع أنه كان الرجل الثاني في الدولة لأكثر من خمسين شهراً، وكان النائب الأول في البروتوكول قبل علي صبري ،  ثم النائب الوحيد لفترة ، ثم النائب الأول قبل محمود فوزي، بل وكان حسين الشافعي يقوم بكثير من أعمال رئيس الجمهورية البروتوكولية في وجود الرئيس السادات نفسه حين كان الرئيس يعلن أنه فرَّغ نفسه للحرب.

هل كان السبب وراء ذلك أن أنور السادات لم يكن يعد حسين الشافعي لخلافته؟ أم ان السبب الأقرب إلي القبول هو أن حسين الشافعي نفسه لم يكن يعد نفسه لخلافة أنور السادات! مع أنه كان بالطبع لا يكره هذا بل ويطمع فيه بل، ويظن نفسه الأولي به!

أعتقد أن السبب في هذا يعود إلى ما تبقى من صورة ما قبل عصر السادات أي إلى ما بقي من صورة عصر الرئيس عبد الناصر، فمع مرور الزمن كان المتابعون للسياسة يميلون إلى الاقتناع بالفكرة القائلة بأن طبيعة وجود حسين الشافعي إلى جوار الرئيس عبد الناصر كانت تقتصر على الارتياح والتبرك، وتوظيف أقدميته في الاعتماد على وجوده في إبعاد صعود مكانة وصورة زملاء آخرين من قبيل خالد محيي الدين وكمال الدين حسين وصلاح سالم وثروت عكاشة.

ولم تكن الحياة السياسية تقول بأن الرئيس عبد الناصر يعتمد علي حسين الشافعي في أكثر من هذا، مع أنه أي حسين الشافعي لعب كثيراً من الأدوار التنفيذية الهادئة أو الرتيبة في السنوات التي كان فيها عامر أو بغدادي أو زكريا يتولون المهام المتقدمة، أو كان السادات يتولى المهام الحرجة، أو كان كمال الدين حسين يتولى المهام الشاقة أو كان الشقيقان صلاح سالم وجمال سالم يتجاسران على المواقف التي تستلزم قدراً كبيراً من الاندفاع والحماسة.

هل كانت العلاقة الظاهرة بين الرئيس السادات ونائبه الشافعي تتسم بالود؟
 تتعدد الإجابات وقد تتعارض أو تتعاقب أو تتبادل، ولكن الحقيقة الواضحة أن هذه العلاقة نفسها قد تقلبت كثيرا بين الود والنفور، ودليلنا على هذا هو ما نستعرضه مما هو متوافر عن هذه العلاقة فيما كتب عن تاريخ هذه الفترة.

وهكذا كان هذا التراوح في علاقة الرجلين بين التأييد الموضوعي (الذي سنذكر له أمثلة بعد قليل) والاعتراض الموضوعي أيضا وهي ظاهرة صحية

 زملاء الشافعي ينقلون له أن السادات قال لخالد محيي الدين إنه لن يرثه
نبدأ بجانب شبه كوميدي، وهو ذلك الحديث الذي رواه حسين الشافعي نفسه مسلسلا عن وحيد جودة رمضان عن يوسف صديق عن خالد محيي الدين عن أنور السادات الذي قال إنه لن يمُكن حسين الشافعي من أن يخلفه على الرغم من عنايته الشديدة (أي الشافعي) بصحته وظنه أنه سيخلف السادات!!  وسواء كان هذا الحديث من وضع خالد محيي الدين أو من وضع حسين الشافعي أو من وضع أحد من الرواة الآخرين في السلسلة التي ضمت أربعة غير الرئيس السادات نفسه فإنه يعطينا فكرة عن الحضور المسرحي أو الإسهام الكوميدي في التفكير السياسي في عهد ثورة ١٩٥٢.

 هذا هو نص رواية حسين الشافعي كي نكون منصفين:

 

“زارني وحيد جودة رمضان، وهو واحد من المشاركين في الثورة وصديق ليوسف صديق الذي قال لي هناك رسالة من يوسف صديق لك، فقد حكي له خالد محيي الدين بعد مقابلة أنور السادات أن أنور السادات قال لخالد: ” هو حسين الشافعي معتني بصحته وعمال يلعب رياضة.. هو فاهم أنه سوف يرثني.. طول ما أنا موجود فلن أمكن له.. والله أنا ينتابني الفزع حين أتصور أن مصير البلد في يوم من الأيام في يد حسين الشافعي “.

أبرز مواقف الشافعي المؤيدة للسادات

إذا ما تركنا تجسيد المواقف بالكوميديا أو الدراما إلى ما حدث فعلاً وتأملناه في حجمه الحقيقي فسوف نصادف كثيراً جداً من المواقف المهمة سواء بالتأييد أو بالمعارضة من جانب حسين الشافعي تجاه أنور السادات.

ولعل أهم هذه المواقف هو موقف حسين الشافعي قبيل 15 مايو، فقد كان الشافعي مؤيداً تماما لأنور السادات ولعله بمكانته من الدولة والثورة كان من أهم عوامل نجاح الرئيس السادات في هذه المعركة.. هذا على الرغم من أن الشافعي لم يكن مضطرا لتأييد السادات ولكنه فعل هذا باستعلاء على المجموعة المناوئة للسادات، بينما كان لا يزال بالطبع يعتقد أنه أكثر استحقاقاً للمنصب الرئاسي من الرئيس أنور السادات وبالتالي من هؤلاء الذين لم يصلوا إلى مستواهما البروتوكولي.

شهادة المهندس سيد مرعي

 ننقل هذا النص عن مذكرات المهندس سيد مرعي الذي كان حريصاً بالطبع على أن يبرز دوره هو نفسه إلى جوار السادات ولكنه مع هذا لم يستطع أن يتجاهل دور حسين الشافعي، وهو يروي فيقول:

«وعرض الرئيس الأمر للتصويت.. هل يريد الأعضاء الكلام في جوهر الموضوع.. أم يريدون ترك علي صبري يسترسل في كلام شخصي أيا كان؟ وهنا تأكد تماما الترتيب الذي اتخذ من قبل بين أعضاء اللجنة المركزية. فلقد صوتت الأغلبية لصالح استمرار علي صبري بطريقة يعرف كل خبير أنها متفق عليها من قبل الاجتماع».

«وبناء عليه سمح الرئيس بعودة الكلمة إلى علي صبري.. الذي عاد إلي نفس اتجاهه، متناولاً من قال ماذا، ومن شتم ومن، ومن يثق في من وهكذا.. ومتجاهلاً بالمرة جوهر الاتفاق وموضوعه. وأخذ علي صبري فرصته كاملة..»

«وبعد انتهائه بدأ الرئيس السادات يرد نقطة بنقطة. في هدوء، وإقناع، وترتيب.”

” ثم طلب السيد حسين الشافعي عضو اللجنة التنفيذية العليا الكلمة،  قال حسين الشافعي : إن الإنسان يرى أنه من تاريخ قيام الثورة لم يحدث مثل هذا الموقف ، وهذه الظاهرة لها وعليها، وحينما اشتركنا في  هذه الجلسات التي بدأت في شيراتون وانتهت في  بني غازي ، ونحن نحضر اليوم لكي نناقش الموضوع في اللجنة المركزية ، ما كان في تصوري علي الإطلاق أن ما أثير في اللجنة التنفيذية العليا يقال هنا مرة أخري ..فإذا كان الموضوع هو الاتحاد كما أعلنت نصوصه في البيان وفي الإعلان الذي صدر، فكنت أتمني من كل قلبي أن يكون التركيز فقط علي الموضوع  . وحينما أتحدث في الموضوع أقول بأن هذا الأمر هو أمر متفق عليه منذ كان الرئيس جمال عبد الناصر بيننا، وكان كما قرر الأخ الرئيس أنور السادات بسبيله أن ينتقل مباشرة إلي دمشق ليعلن هذا الإعلان الذي قدر له أن يعلن في 17 إبريل ..»

«وهنا وقف واحد من مجموعة علي صبري – هو السيد ضياء الدين داود – قائلا: إن الرئيس عبد الناصر شخصياً الذي … .      

“ولأول مرة ينفعل السيد حسين الشافعي بشدة قائلاً:  أنا لا أسمح لأحد أن يقاطعني . ولا أستطيع أن أتكلم بهذا الشكل .. واضطر ضياء الدين داود إلي الجلوس ، واسترسل حسين الشافعي في  كلمته وهكذا مضت المناقشة ، ومع كل دقيقة تمر، يتأكد من جديد الانطباع بأن هناك معارضة سبق تنظيمها قبل الاجتماع ضد أنور السادات شخصياً ..ولقد كان هذا طبيعياً.. فتلك المجموعة التي كان يسيطر عليها ويقودها علي  صبري كانت تسيطر بدورها على  كل شيء.. فهي تسيطر على الاتحاد الاشتراكي من خلال عبد المحسن أبو النور. وعلى وزارة الداخلية من خلال شعراوي جمعة والمخابرات من خلال سامي شرف ، ومجلس الأمة من خلال لبيب شقير، والإذاعة والتليفزيون من خلال محمد فائق.. إلخ.. »

” وكان واضحا أن علي صبري قد اختار اللجنة المركزية ميداناً للمواجهة مع الرئيس أنور السادات بعد تفكير وتدبير سابقين.. وأصبح واضحاً أيضاً أن الأمور في اللجنة المركزية تسير في دائرة مفرغة .. وقرر الرئيس أنور السادات من جانبه أن يحيل مشروع الاتفاق إلي مجلس الأمة أولاً لأن التصديق علي الاتفاق يتطلب ذلك دستوريا ً..ثانياً لعل قبضة مراكز القوي هنا تكون أخف وطأة »

رواية لاحقة للفريق فوزي عن خلاف الشافعي المبكر مع السادات في فبراير ١٩٧١

تصور بعض القصص التي رويت بأثر رجعي بعد وفاة السادات أن الشافعي كان قد بدأ يعاني بعض الشيء من بدايات انفراد السادات بإدارة الأمور الاستراتيجية و المفرطة في الاستراتيجية من دون أن يسمح حتى للآخرين « بمن فيهم الشافعي » أن يطلعوا علي خواطره أو أن يتوافقوا مع إدارته وفهمه للأمور ، وهذا هو ما تدلنا عليه بوضوح رواية الفريق محمد فوزي في مذكراته عما حدث ذات مرة بين الشافعي والسادات .

ففي هذه المذكرات يحدثنا وزير الحربية الأسبق عن اجتماع عقد في مطلع عهد السادات لتدارس الموقف العسكري (قبل 5 فبراير 1971)، فيلفت نظرنا إلى مدى تمكن السادات وسيطرته، وإن كان قد صور أيضا بدايات الجفاء والحذر والفتور بين السادات ونائبه حسين الشافعي، يقول الفريق أول محمد فوزي:

 “وشارك أعضاء من اللجنة التنفيذية العليا، وبعض الوزراء أعضاء مجلس الدفاع الوطني. وتحول الاجتماع إلى مؤتمر موسع ضم الرئيس السادات وحسين الشافعي وعلي صبري والدكتور محمود فوزي وعبد المحسن أبو النور وشعراوي جمعة والدكتور عزيز صدقي ومحمود رياض والفريق محمد فوزي وسامي شرف وأحمد كامل مدير المخابرات العامة والفريق محمد صادق رئيس الأركان بوصفهم أعضاء في مجلس الدفاع الوطني، وحضر اللواء محرز مصطفي عبد الرحمن مدير المخابرات الحربية مقررا للمجلس.

“وكان هدف هذا الاجتماع الذي مثل القمة السياسية والعسكرية في الدولة هو دراسة ومناقشة الموقف السياسي والعسكري بعد 5 فبراير 1971.»

«افتتح الرئيس السادات جلسة مجلس الدفاع الوطني الموسعة بذكر الهدف من الاجتماع، وطلب معرفة رأي الحاضرين حسب الأقدمية. وتكلم السيد حسين الشافعي ، وتلاه السيد علي صبري  ……….و تلهف الحاضرون لسماع رأي الرئيس السادات الذي  فاجأ الجميع بقوله : ”  أنا سمعت آراءكم جميعا وأوافقكم عليها، ولكن أنا لدي فرصة لاستغلال الموقف السياسي وإعلان مشروع سلام يحرج العالم كله خاصة إسرائيل ودول الغرب و أوربا التي أريد أن تشارك في  الحل ، ولكنني لا أوافق علي سياسة وأسلوب حرب الاستنزاف ( لم يذكر أحد من الحاضرين لفظ الاستنزاف ) كما أنني سوف أعلن في مجلس الأمة بعد باكر انتهاء مصر من قيد وقف إطلاق النيران لمدة 30 يوما فقط بعد 5 فبراير 1971 لإعطاء فرصة أخيرة للدول الكبرى لتحقيق السلام في المنطقة .”

“اعترض السيد حسين الشافعي أقدم الحاضرين بقوله: «يا أخ أنور تسيبنا نقول آراءنا جميعاً وأنت لديك كلام ورأي آخر ولم تعطنا الفرصة لمناقشته “، ولم يرتح الرئيس السادات للفظ «يا أخ أنور» ورد على حسين الشافعي قائلاً: «على العموم أنا عرفت آراءكم وسجلت هنا في المجلس “، ووقف الرئيس السادات معلناً انتهاء جلسة مجلس الدفاع الوطني الموسعة.”

رواية الشافعي عن محاولة مبكرة لاغتياله في سبتمبر ١٩٧١

منذ بداية الثمانينات في القرن الماضي حين بدأ الضمير الوطني في تأمل تاريخ ثورة ١٩٥٢ واجهنا كثيرا من الروايات والكتابات المتاحة التي حصرت نفسها في تصوير الخلافات الطبيعية بحيث تبدو وكأنها لا تخرج عن ثأر مبيت..  ولعل أبرز مثل على هذا ما تردد بعد وفاة الرئيس السادات من أن الرئيس السادات كان يريد إزاحة الشافعي بأي ثمن، وقد اشترك الشافعي نفسه في تأكيد هذه المزاعم في أكثر من موضع من ذلك حواره مع محمود فوزي في كتاب «ثوار يوليو يتحدثون» حيث طرح محمود فوزي سؤاله علي حسين الشافعي: هل حقيقة تعرضت للاغتيال وأنت في طريقك لزيارة ضريح الرئيس عبد الناصر في الذكري الأولى لوفاته وكنت وقتها نائباً لرئيس الجمهورية؟ ويجيب حسين الشافعي:

 ” في 28 سبتمبر 1971 في أول ذكري سنوية للرئيس عبد الناصر وأنا في طريقي لضريح الرئيس عبد الناصر وليس لي غير طريق واحد هو صلاح سالم ومعروف هذا للكافة. ومعروف أيضاً توقيت الزيارة للضريح، فوجئت عند الصيانة بمقطورة من التي تحمل الدبابات انفصلت من عربتها عند الجزيرة التي في الوسط، والمدهش أن سيارتي كانت مسرعة على غير العادة فلم تصطدم بالمقطورة، ولكن تهشمت سيارة الحرس المرافق، ونقلوا إلى مستشفى الحسين، وكان منهم من أصيب إصابات بالغة، ومنهم من كسرت ذراعه أو ساقه.

” في الحقيقة أنه كان هناك من يحاول أن يزيلني من أمامه سواء أيام النكسة أو بعد ذلك، ولعل حادثة المقطورة أيضاً امتداد لذلك، ولكني أقول في المرة الأولى أيام النكسة لم أقتل، ولكن الحارس كان الله، كان الله سبحانه وتعالي أراد أن يقول لي: ” جايب حارس أهو الحارس قتل “.. فالحارس أولاً وأخيراً هو الله سبحانه وتعالي “.

خلافه العابر مع السادات فيما يتعلق بالأردن

ومن أشهر خلافات حسين الشافعي مع السادات من وجهة نظره، ما حدث حين أعلن السادات نيته قطع العلاقات الدبلوماسية مع الأردن قبل أن يلتقي بالمجلس الوطني الفلسطيني في نفس اليوم في اجتماعه بالقاهرة في ابريل ١٩٧٢ وتصوير الشافعي قرار السادات بأنه لا قيمة له.

رواية منفردة للدكتورة سعاد أبو السعود

لا يخلو الأمر في الحديث عن مثل هذه العلاقات من أن يطالعنا تفسير درامي يعتمد علي النماذج الكلاسيكية للتطبيقات السريعة لحديث النساء عن النساء، ويتمثل هذا التفسير الدرامي فيما روته الدكتورة سعاد أبو السعود عن محاولة مصاهرة رغبت فيها جيهان السادات بين ابنة للسادات وابن للشافعي فلما فشلت المحاولة قلبت السيدة جيهان (وبالتالي السادات) للشافعي ظهر المجن، و ربما أن هذا هو أضعف التبريرات في تفسير الجفاء بين الرئيس السادات وحسين الشافعي .

وهذا هو نص ما سجلته الدكتورة سعاد أبو السعود وهي أستاذة جامعية كتابة في كتابها الذي ألفته للانتقام من السيدة جيهان السادات:

« إن جيهان السادات في البداية سعت لتزويج إحدى بناتها بضابط بحري هو نجل السيد حسين الشافعي وكان آنذاك نائباً لرئيس الجمهورية ولكن طلبها رفض فقلبت له ظهر المجن جزاء له علي هذا الرفض ، وإذا به يحال للاستيداع ، وأبعد أحمد حسين الشافعي عن القوات البحرية » .

الشافعي يروي أن الأمن حاول الزج باسمه في قضية الفنية العسكرية

تولي حسين الشافعي بنفسه تأكيد المزاعم والشائعات التي كانت تشير إلى محاولات جرت لتلفيق الاتهام له بأنه ساعد صالح سرية في قضية الكلية الفنية العسكرية وتدبير محاولة للانقلاب علي أنور السادات .

وفي حديثه المبكر مع الأستاذ محمود فوزي يقول حسين الشافعي:

 « في عام 1974 حين عقدت أول جلسة في محاكمة قضية الفنية العسكرية فوجئت بشيخ يزورني ومعه شريط تسجيل لمحاكمة صالح سرية ، ويقول في  الشريط على لسانه (  أنا استدعاني عميد في المباحث العامة اسمه عبد القادر وقال لي إذا لم تشهد على أن حسين الشافعي على رأس التنظيم الخاص بصالح سرية بشعبتيه العسكرية والمدنية فسوف يحدث لك تعذيب شديد .. ثم كشف ظهره لكي يشاهدوا آثار الضرب المبرح ، ثم أضاف قائلاً وهددوني إذا لم أشهد فسوف يحدث ما لا تحمد عقباه ، ولو أدى إلي الموت ، ولكن الرجل قال : ” لكن أنا عارف مصيري ولا يمكن أن ألقى الله بشهادة زور علي أناس لا صلة لي  بهم ولا صلة لهم بي. ولهذا حين زارني في مكتبي ممدوح سالم ليبلغني بقرار السادات بتعيين حسني مبارك نائباً لرئيس الجمهورية قلت له على الفور: ما موضوع قضية صالح سرية ؟ الصحف كانت تنشر الجلسات تباعاً.. ولكن بعد ما حدث منع النشر، إذا بالجلسات تنشر بالكامل في بيروت في جريدة النهار. فقال لي ” أنت عارف إن أي متهم بتبقى كل الأدلة ضده لا يقول إلا بعد التعذيب “

«ويستطرد حسين الشافعي لقد حاول البعض أن يلفق لي هذه القضية، ولكن أنا منها بريء، ليس أنا فقط بل كان معي بعض الأسماء المعروفة التي أخرجها العميد عبد القادر من درج مكتبه ومنها الفريق الشاذلي والفريق محمد صالح”

التعاطف الذي لم يتطور إلى تحالف بين الشافعي وعلي صبري  بعد وفاة السادات

 يمكن لنا أن نقول إنه بعد وفاة السادات أصبحت هناك فرصة مواتية لقدر ما من التعاطف بين علي صبري وحسين الشافعي!! حتى إن علي صبري نفسه في كتاب “الرئيس عبد الناصر يتذكر” حين تحدث عن انتخابات اللجنة التنفيذية التي أجريت عام 1968، قال إن حسين الشافعي هو الذي ظُلم في هذه الانتخابات وليس أنور السادات!!! لكن حسين الشافعي فيما يبدو لم يرحب بهذه التحية، بل إنه ذهب في إظهار جفائه لعلي صبري إلى حد تكرار السخرية منه حين كان يروي قصة إصدار الرئيس عبد الناصر الأمر بتفتيش حقائب علي صبري في جمارك المطار في تلك الواقعة المشهورة التي لخصناها في كتاباتنا السابقة .

 

معركة الشافعي مع اللواء جمال حماد

كان الشافعي كثيرا ما ينتقد موقف قيادة القوات المسلحة في 1967، ووصل الأمر به في أحد الحوارات أن يتهم قيادات القوات المسلحة بنوع من التواطؤ والخيانة ونشر هذا الحديث في مجلة أكتوبر ، وفي عدد تال تصدى  جمال حماد في مقاله الأسبوعي في المجلة نفسها أي مجلة أكتوبر لحسين الشافعي ليفند مزاعمه حول حرب يونيو 1967 ، وانتهزها فرصة مواتية في ذات الوقت لتفنيد روايات الشافعي حول رغبة السادات في التخلص منه ، وقد رد الشافعي على جمال حماد ونشر رده أيضا في أكتوبر .

ويستطيع القارئ لهذه المقالات والروايات المطولة أن يكتشف بلا أدنى مشقة بأطراف القضايا التي تناولها حسين الشافعي و اللواء جمال حماد ، وإن كان لابد لنا من أن ننقل عنهما بعض الفقرات الكفيلة بتصوير الموقف .

وينبغي لنا أن نذكر للقارئ  أنه  في صباح 5يونيو 1967  كان  حسين الشافعي في سماء الجبهة بصحبة وفد عراقي ، وهو يروي ما حدث في هذا اليوم وشاهده  بعيني رأسه ثم يخلص في النهاية  إلى القول  بأن الذي  حدث في ١٩٦٧ كان خيانة ومؤامرة اتفقت فيها الأطراف، واستدرج فيها من استدرج ، فهذه الصورة لا يمكن لمن رآها أن يصفها بأنها أخطاء إلا إذا ألغى عقله وختم الله على قلبه لأن في  ضميره ونيته ” الدرغمة ” والرغبة في  التعمية على أمر ينبغي إظهاره على حقيقته»  .

و سننقل هنا عن حواره مع الأستاذ محمود فوزي عباراته التي يصور بها تفاصيل ما حدث في مطار فايد من الساعة 8.45 إلى الساعة 11.30 من صباح 5 يونيو 1967  ومن المذهل أننا نجد  عبارات الشافعي في هذا الموضوع شبه الخلافي  واضحة وقاطعة وصريحة  وذلك حيث يقول :

” وصلت بنا الطائرة في  الساعة 8.45 فوق مطار فايد، فالتقينا بالطلعة رقم (1) للطيران الإسرائيلي، وكأننا على  موعد أعده القدر لنشهد ونشاهد ما لم يكن متصورا أن يعود أحد ليروي مارآه ، وعندما سجلت هذا الفصل في  مذكراتي – التي لن تنشر إلا عندما تعود للكلمة اعتبارها وأمانتها ومسئوليتها . قلت سأقص عليكم قصة شهيد أراد الله له أن يكون شاهداً .استطاعت الطائرة أن تهبط على أرض المطار، وانفجرت قنبلتان بالقرب منها، ونزلنا من الطائرة وانتشرنا في  أرض المطار ، وكل منا قد أتخذ ساتراً منبطحاً علي الأرض، ونرى ونرصد كل ما يحدث دقيقة بدقيقة  ،»

« وكانت طائرات العدو تأتي بفاصل من عشر دقائق إلى 15 دقيقة في  طلعات قوامها من ثلاث إلى أربع طائرات ، ولم يكن يشغلها شاغل إلا القضاء على الطائرات ، وهي جاثمة على  أرض المطار والجناح ملاصق للجناح كأنها أعدت بتدبير وإحكام ليتم تدميرها في  أقل وقت ممكن ودون جهد أو عناء  ، وفي كل طلعة تنتهي باحتراق طائرة أو طائرتين – وفي  نهاية الأمر لم تبق إلا طائرتان والطائرة التي جئنا بها ، »

« وكان الذي أخر الإجهاز علي الطائرتين أنه كان يغطيهما غطاء بلون الأرض التي كانتا  عليها ، ولكن عندما أحس طيار العدو أن ضمان عدم التصدي قد تجاوز كل تصور انخفض بطائرته حتى إنه كان يمكنك تمييز حركته ، واحترقت الطائرات الثلاث ، وهي آخر ما تبقي من طائرات ولم يتعرض طيران العدو خلال ما يقرب من ثلاث ساعات لأي نوع من المقاومة لا من الطائرات ولا من الدفاع الجوي .»

حسين الشافعي يلجأ إلى التفريق بين نوعين من الخيانة

ذكر حسين الشافعي في  ردوده على اللواء جمال حماد عبارات صريحة وواضحة أن ما يقصده هو  خيانة المبدأ وخيانة الواجب وأنه إذا كان الأعداء في الخارج يقصدون القضاء علي الرئيس عبد الناصر فلابد من وجود أعوان في الداخل يساعدونهم على تحقيق التآمر .

« وإن الخيانة هنا هي خيانة الأمانة ، خيانة الواجب ، خيانة المبدأ ، ثم يدعي  بعد ذلك في  معرض الدفاع عما حدث مرة بأن طائرة المشير كانت بالجو ، ومرة أخري بأن أجهزة الرادار لا ترصد الطيران الواطي ، وهل من أجل طائرة المشير يستباح تدمير الطائرات ، وإذا كان الرادار لا يرصد الطيران الواطي  فلنقل ذلك علي الطلعة الأولي ، فماذا عن الطلعات التالية التي استمرت حتي الساعة 11.30،»

« أليس من المبادئ الأساسية أن كل قائد مسؤول عن تأمين قواته مهما صغر هذا التشكيل فأين نحن من كل هذا ؟  »

« أما إذا كان تآمر الدول الكبرى وتأكيد وفاقها للقضاء على  الرئيس جمال عبد الناصر الذي لخبط لهم غزلهم فلا بد لهم من أعوان يساعدونهم في  الداخل لتحقيق تآمرهم ، ولكن الشعب بحسه ووعيه وإدراكه الذي  لم يدخل في  حساباتهم تشبث بجمال عبد بالناصر ليكمل المسيرة ويعيد بناء  الجيش على أسس سليمة ويقيم قاعدة الصواريخ لتعوضه  نقص الطائرات وبدأت حرب الاستنزاف وأدي من الجهد ما استنفد طاقته وصحته فتحية لنضاله وتحية لروحه . »

«   إن ما حدث في  مطار فايد شاهدت نتائجه على  طول طريق العودة إلي القاهرة، فرأينا مع الوفد العراقي نفس الصورة وأعمدة الدخان تتصاعد في  الجو في  كل من مطار أبو صوير ثم مطار أنشاص ثم مطار بلبيس، وأخيرا مطار ألماظة قبل أن نصل إلى  منشية البكري لنقابل الرئيس  جمال عبد الناصر ولنبلغه بما رأينا.»

بعض الأفكار البارزة في ردود جمال حماد على حسين الشافعي  

هذه بعض  العبارات من مقال جمال حماد الذي رد به علي حسين الشافعي في عدد 30 أغسطس 1987 من مجلة أكتوبر :

« ……….. لا أدري سر تمسكك بهذه القضية الركيكة عن رغبة السادات – ودعنا نتكلم بصراحة – في  التخلص منك عن طريق تحريض وتهديد المباحث العامة للمتهم صالح سرية ليشهد زوراً في  قضية الفنية العسكرية أنك كنت على رأس تنظيم المؤامرة بشعبيته: المدنية والعسكرية. هل كان السادات من قلة الحيلة بحيث لم يجد وسيلة للتخلص منك سوى محاولة تقديمك متهماً أمام المحكمة في  تلك القضية لتواجه حكم الإعدام أو السجن المؤبد؟

 ” وأين هي المحكمة التي كانت ستصل بها السذاجة إلى حد اقتناعها بهذه الشهادة المزورة وبهذه القصة الملفقة ، التي لا يمكن أن تنطلي علي طفل غرير. وهي أن نائب رئيس الجمهورية قد اشترك في  مؤامرة ضد نظام الحكم مع طلبة صغار في الكلية الفنية العسكرية ؟

“إن السادات حين أراد التخلص منك لم يكلفه الأمر سوى إصدار القرار بإعفائك من منصبك دون الحاجة إلى مقطورة تنفصل عن عربتها لتصدم سيارتك وتقضي عليك، أو إلى  متهم يشهد زورا بأنك زعيم مؤامرة ضد نظام الحكم حتى يصدر الحكم بإعدامك .»

” والسلام علي  من اتبع الهدي .

ردود الشافعي الإنشائية على جمال حماد

في عدد تال رد حسين الشافعي على اللواء جمال حماد بمقال مطول نجتزئ منه الفقرات التالية التي يتحدث فيها عن مواصفات المؤرخ و ضرورة احترام المؤرخ للشهادة :

“……….. وليس للذي يسعي إلى أن يكون مؤرخاً أن يشك في شهادة شاهد يشهد بما رأى ..إن الشهادة أمانة في  عنق من يشهد بها أمام الله ، وهي بذلك أكبر منك ومن رأيك فيها ، ويقول الحق تبارك وتعالي : ” ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، والله بما تعملون عليم ” وأني لك أن تقرر فيما رأيته بنفسي خيانة أنها أخطاء . وليست خيانة؟، »

“هل شاهدت ما شاهدت فتأكدت؟

“وهل حاكمت فتبينت ؟ ،”

” ولولا أنني شاهدت في يوم 5 يونيو 67 ما حدث في مطار فايد منذ الطلعة الأولي لطيران العدو حتى الانتهاء من تدمير آخر طائرة لنا على أرض المطار .. هذه الصورة التي لا يمكن لمن رآها أن يصفها بأنها أخطاء إلا إذا ألغى عقله وختم الله على قلبه لأن في  ضميره ونيته ” الدرغمة ” والرغبة في  التعمية على أمر ينبغي إظهاره على حقيقته؛ لأن هذا حق الشعب في  أن يعرف الحقيقة حتى يستعيد ثقته في  نفسه وفي ثورته وفي نضاله فيؤكد عزمه على  مواصلة النضال . »

” لقد عاش هذا التصوير الدقيق – لما رأيت وشاهدت في  مطار فايد بكل تفاصيله حتى احتراق آخر طائرتين مقاتلتين ، وكذلك طائرة المواصلات التي كنت أستقلها مع الوفد العراقي في الذهاب إلي  المطار – في  صدري وفي عقلي وفي وجداني حتى أنطلق في  هذا الاجتماع العام مصورا أصدق صورة لما رأيت وشاهدت يوم 5 يونيو 67، ولا ينقص هذا التصريح ليكون مدخلا للاتهام وإقامة الادعاء إلا أن يتم التحقيق فيما تسميه في  كتابك أخطاء  ، ولو كنت شاهدت كما شاهدت لما طاوعك عقلك أن تصف ما حدث بأنه أخطاء.»

وأخيرا  أنصح ألا تفتح أبواباً على  نفسك بالتعرض لشهادة من لا مصلحة له. إلا أن يقول الحق والصدق ، والله على  ما أقول شهيد .والسلام على من اتبع الهدي .»

رئاسته لمحكمة الثورة التي تولت قضية مؤامرة أنصار المشير عامر

 
فيما بعد ما حدث من  هزيمة 1967  ومعقباتها من احتدام الخلاف بين الرئيس والمشير ثم خلاص الأول من الثاني  ، تولى حسين الشافعي رئاسة المحكمة التي تولت محاكمة المتهمين في قضايا المؤامرة ولم تكن الصرامة ولا القسوة تنقصانه في هذه المحاكمة، و قد تحدث هو نفسه عن هذه المحاكمات فحرص على أن يؤكد التزامه فيها بما كان يمليه عليه ضميره ! من دون أن يفسر طبيعة علاقة ضميره بالقضاء والقانون ، ومع أن أحكام هذه المحكمة لم تكن بأقل قسوة من أية أحكام أخري صدرت في عهد الثورة ، فإنها لم تلق انتقادات صريحة  بسبب ما ساد الجو العام من رغبة في التشفي في المشير لمصلحة الرئيس .    

وعلى سبيل المثال يقول حسين الشافعي في حديثه مع الأستاذ محمود فوزي :

”  لم تكن محاكماتي مطلقة في أعقاب النكسة ، وإنما كانت مقيدة بالادعاءات الموجودة أمامي ، وقد حكمت بضميري أمام الله سبحانه وتعالى .. كان هناك تآمر ليثبوا إلي السلطة ويعودوا إليها ؛ ليكونوا قادرين علي تغطية أخطائهم ويستمروا في طغيانهم، هذا أولا ، وثانيا كانت هناك قضية انحراف المخابرات .

” أما القضية الثالثة التي عرضت أمامي فهي الادعاء بتعذيب عبد المنعم الشرقاوي، وطبعاً لم يثبت أنه حدث تعذيب على الإطلاق كل الذين ادعى عليهم عبد المنعم الشرقاوي أنهم عذبوه من رجال المخابرات.. كلهم أخذوا براءة.. وهذه المحاكمة كانت سرية، وأنا أسقطت عنها السرية لكي يعرف الشعب ، مثلما عرفت تماماً من خلال محاكماتي ، ويصلوا إلي الاقتناع الذي وصلت إليه ومن أجله حكمت بالبراءة . وأحب أن أقول إنني كنت أحكم من خلال ادعاءات تم الانتهاء من تحقيقها ووصلت إلى درجة الانتهاء وأخذت أقوال كل المتهمين ، ولم أعتمد على كل ما تم أخذه من تحقيقات بدعوى أنها مسجلة .. فأنا لم أعترف بالتسجيلات ولم أعترف بالتحقيقات وأجريت أخذ الأقوال بمثابة تحقيق للذي قيل .. فلا مجال لأن يقال إن الاعترافات أخذت تحت التهديد .. لم يوجد تهديد .. ولم آخذ بالكلام المسجل وقد طالبوا بأن نستمع إلى التسجيلات، ولكني رفضت رفضاً باتاً أن تستمع المحكمة إلى  التسجيلات فما دمت أنا أحقق في كل الادعاءات تفصيلا ًبكلام المتهمين أو الشهود فالأمر منته  .”

حرص شمس بدران على التقليل من شأن الشافعي في أثناء محاكمته له  
وصل الأمر بشمس بدران في أثناء محاكمته أمام المحكمة المشكلة برئاسة حسين الشافعي أن تجرأ بالتطاول على رئيس المحكمة ، وقد رويت هذه الواقعة في مصادر كثيرة ولكن عبد الصمد محمد عبد الصمد في كتابه « العشاء الأخير للمشير » رواها على لسان شمس نفسه على النحو التالي : ” وقال لي شمس إنه أثناء إحدى الإجابات في جلسة صباح الأمس

قال له الشافعي  : يعني عايز تقول إنك كنت مرشح لرئاسة الوزارة ؟

شمس : وزارة إيه ؟ أكتر !

الشافعي : أنا ما عرفتش حاجة زي دي !!

شمس – وانت من امتى بتعرف حاجة !!”

عداؤه المصطنع مع المشير وتحريضه الرئيس على المشير

ذهب حسين الشافعي في إظهار عدائه للمشير عبد الحكيم  عامر إلى حدود غير معقولة ، حتى إنه كان يجاهر بأنه هو الذي حرّض الرئيس جمال عبد الناصر على الخلاص من المشير عبد الحكيم عامر في أغسطس 1967 ، ومع احترامنا لرأي حسين الشافعي ومعقوليته وأسانيده فإننا نجد أنفسنا نحترم البغدادي أكثر وأكثر و أكثر لأنه سجّل هذا كتابة في 1962 ثم آثر أن يستقيل قبل 1964 ليُنجي نفسه من هذه الازدواجية التي وقع فيها الرئيس جمال عبد الناصر حين أعطى للمشير عبد الحكيم عامر كلّ هذه الصلاحيات مضطراً أو غير مضطرٍ ، أما الشافعي فإنه كان قد بدأ ينتقد المشير عبد الحكيم عامر بعد وفاة المشير عبد الحكيم عامر ، وأخذ يُحاكم المشير عبد الحكيم عامر بعد وفاة المشير عبد الحكيم عامر.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها