عميان محمد علي!

 

في قصته التي أوصلته إلى منصة جائزة نوبل في الآداب، وكأن البرتغالي جوزيه دي سوزا ساراماجو أسقط بقصته العمى على الحالة التي يعيشها الشعب المصري الآن، والتي عاشتها قبله شعوب المحيط العربي، يصاب بطل قصة ساراماجو بالعمى المفاجئ، عمى ليس كالعمى المعروف في كتب الطب، عمى يحتار فيه الأطباء ليس فقط لأن المريض يرى الأشياء بيضاء على خلاف العمى المرضي، ولكن لأنه أيضا معدٍ، فيعدي البطل الطبيب وبعض المرضى والمحيطين والشرطي الذي تخلى عن أمانته وسرقه، وتتعامل الحكومة مع الظاهرة التي تتزايد، كعادة حكومات منطقتنا، بعزل المرضى ومعاملتهم أسوأ معاملة، وتساومهم على طعامهم ثم على شرفهم، لكن الشاهد من القصة التي تنتهي بانتصار العميان على حراسهم وعلى النظام الذي قتلهم معنويا قبل قتلهم ماديا وسرق منهم حريتهم بإيداعهم حجرا صحيا، حتى يتخلص من عدواهم، والتي انتقلت إلى العامة ليحقق العمى غير التقليدي الذي اختاره ساراماجو ليكون رمزية للثورة التي تنتقل بالعدوى، كما انطلقت من تونس لتصيب مصر وليبيا وسوريا واليمن والسودان والجزائر الآن، والآن يطلق أحدهم الفيروس من جديد فيصيب به مليونا ومئتي ألف شخص تفاعلوا مع دعوته عبر منصة تويتر قبل أن يحذف.

ظاهرة

المقاول والممثل محمد علي ظاهرة بكل تأكيد، استطاع ببضعة مقاطع مصورة أن يهز أركان نظام الانقلاب، وجعل رأس النظام يخرج ليرد بنفسه بعد أن فشلت أذرعه الإعلامية والمخابراتية أن تحجم الظاهرة التي سرت كالنار في الهشيم، لا لشيء إلا لأن الشعب بالفعل طفح به الكيل وصار لا يتحمل الضغط أكثر، فعمال الإسماعيلية الذين خرجوا وهم يعرفون أنهم في مرمى نيران النظام، وسكان حي عين الصيرة الذين لن يقبلوا بمصير سكان حي الوراق انتفضوا رافضين تهجيرهم قسرا، من أجل أن يستفيد بأرض مساكنهم أحد الضباط الكبار، ضجوا وقرروا عدم السكوت ولو كلفهم ذلك حريتهم أو حتى أعمارهم.

إن دعوة المقاول والممثل محمد علي الشعب للخروج يوم الجمعة القادم ولو لمدة ساعة دعوة جيدة لو أعد لها العدة وتم الترتيب لها على النحو الذي يوصل الرسالة بأقل الخسائر الممكنة، فالشارع لم يشهد حراكا قويا منذ فترة ويحتاج الثوار لأن يستعيدوا لياقتهم وروحهم الثورية، لذا فأرى أن نزول يوم الجمعة لن يسقط النظام ولكن سيسقط جدار الخوف الذي استطاعت القبضة الأمنية أن تبنيه في قلوب المصريين بعد شلال الدم  الذي أريق في السنوات الماضية والتي كانت – وأشياء أخرى – كفيلة بإسكات الثوار.

حالة استنفار

المعلومات تقول إن حالة استنفار قصوى في صفوف قوات الأمن والمخابرات بعد الدعوة التي وجهها الممثل محمد علي والتي وجدت صدى وتفاعلا واسعين لدى المصريين، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف النظام وهوانه، فالنظام يعرف جيدا أنه إن سقط فلن يسامحه الشعب على جرائم القتل والتعذيب والإخفاء والإفقار والتجويع الذي يعيشه  منذ أن أطل النظام برأسه على هذا البلد الطيب، فكثيرة هي الثأرات وكثيرون هم أصحاب الحقوق وأولياء الدم، لذا فإن المعركة ستكون حامية، لكن كثيرين أيضا من الضباط بدأوا يعرفون أنهم وقود هذه المعركة التي ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، لكن آخرين ربطوا مصيرهم بمصير القاتل فسيكون دفاعهم عن النظام مستميتا، لذا أرى أن التجمعات في الشوارع الكبيرة فخ كبير، والبديل هو تجمعات صغيرة في شوارع جانبية لإيصال الرسالة للنظام والعالم من خلفه، فتظاهرات الفراشة والكتابة على الجدران والعودة بدون خسائر هي مكاسب كبيرة أهمها كسر حاجز الخوف والتدريب على الموقعة الحاسمة وإنهاك القوات الأمنية لحين المعركة الفاصلة.

كما أن الثورة هى تضحية بالأساس لكن التضحية تستوجب مقابلا مجزيا فالحرية والروح أغلى ما يمتلكه  الإنسان فلا أقل من أن نسترد بلادنا ثمنا لهما حتى نضحي، لقد سقطت أنظمة أقوى من النظام المصري بمراحل بقوة الشعب وإرادته والحاضنة الشعبية التي ستحتوي على شريحة البدء أو عميان محمد علي، كما عميان ساراماجو الذين أصابوا الشعب بعدوى الثورة فانتصروا، تلك الشريحة التي ستقود الجماهير للخلاص من الظلم والقهر والفقر وتستعيد للبلاد حريتها ومكانتها وكرامتها التي أهدرتها عصابة اللصوص.         

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها