قطار التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل” لن يصل تركيا

أردوغان

كل العالم، وخاصة المسلمين، شاهدوا عملية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي التي قادتها الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب محاولاتها أن يمر هذا القطار في عواصم عربية وإسلامية عديدة.

لنكن صريحين، نحن بصفتنا شعوبا لا نؤيد الاحتلال الإسرائيلي مطلقا، ولكن ربما ـ أقول ربما ـ نعذر بعض الدول بعلاقة ما بهذا الاحتلال، ومجرد علاقة على قاعدة تحقيق هدف استراتيجي لهذه الدولة أو تلك، ولكن نحن بصفتنا شعويا لسنا أبدا مع قطار الإمارات الخاص بالتطبيع مع الاحتلال.. لماذا؟

لأن ما تقوم به الإمارات ليس مجرد تطبيع عادي وفق ما نفهمه من اللغة لكلمة “تطبيع”، أي مصالح واعتراف وعلاقات، بل نحن أمام انبطاح لم يشهد له المسلمون مثيلا في تاريخهم تجاه الاحتلال الإسرائيلي، ومن مثل هذا الاحتلال على التاريخ.. انبطاح ووقاحة في العلاقات بهذا الكيان، بل اعتراف بأن كل شيء له تاريخيا وحاضرا، ونبذ الفلسطينيين وإلغاء قضيتهم العادلة المحقة الإنسانية الضميرية.

قطار الإمارات يقول بدهس كل القيم الإنسانية الإسلامية المتعلقة بالشعب الفلسطيني، وسحق كل حقوق هذا الشعب، ثم رفع مبادئ الاحتلال الإسرائيلي دينيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا، والمجاهرة بالانبطاح والذل أمام هذا الكيان.

حتى في تركيا زمن الأنظمة العلمانية المتطرفة المتحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي، لم يقم الشعب التركي بما تقوم به الإمارات

ربما طبعت دول إسلامية وعربية في السابق مع الاحتلال ـ بينها تركيا القديمة ـ ولكن لم نر من الشعوب والمجتمعات هذه الوقاحة بالتعاطي مع  المحتلين الإسرائيليين.. استقبالات واحتفالات ومجاهرة فظيعة بتأييد كل ـ وأقول كل ـ ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي!

حتى في تركيا زمن الأنظمة العلمانية المتطرفة المتحالفة مع الاحتلال الإسرائيلي، لم يقم الشعب التركي بما تقوم به الإمارات اليوم من فظاظة بالتعامل مع الإسرائيليين، ورغم كل فترة التطبيع من تركيا ومصر والأردن على سبيل المثال، لم نر شعوب هذه الدول إلا رافضة للاحتلال غير راضية عن التطبيع، تعادي كل ما ومن يمس الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.. ما هذه الوقاحة التي تقوم بها الإمارات إذن؟!

لنركز على تركيا كونها موضوعا في هذه المقالة، لم يقم المجتمع التركي تجاه الاحتلال الإسرائيلي ـ لا بالترهيب ولا بالذاتية ـ بما يقوم به المجتمع الإماراتي الذي ركب قطار الخضوع لإسرائيل (وليس مجرد تطبيع).

لم يقم السياسيون الأتراك، حتى العلمانيون منهم المؤيدون لإسرائيل، بخطوات ذل وانبطاح لإسرائيل كتلك التي تقوم بها الإمارات الآن.

لم تقم المؤسسات الدينية التركية بأي خطوة أو علاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، كما يفعل المشايخ والمؤسسات الدينية الإماراتية مع حاخامات إسرائيليين يفتون أصلا بقتل العرب والفلسطينيين والمسلمين ويعتبرونهم خدما عند “الشعب الإسرائيلي”!

لم يقم الإعلام التركي ـ رغم التطبيع الرسمي السابق ـ بأي ترويج لإسرائيلي لا سياسيا ولا علميا ولا اقتصاديا ولا سياحيا، على عكس ما يقوم به الإعلام الإماراتي من ترويج فظيع فج للاحتلال وكأنه الجنة المنتظرة على كوكب الأرض!

تركيا اليوم غير مطبعة مع الاحتلال، لا يوجد سفراء عاملون فعليون بين الطرفين

ربما سكتنا لو أن قطار التطبيع الإماراتي لم يهرس كل قيم الأخلاق والإسلام والإنسانية تجاه القضية الفلسطينية، وبقي ربما ضمن المصالح الضرورية التي لا مفر منها في الوقت الراهن، مع الاعتراف المطلق النهائي بأحقية الشعب الفلسطيني لا الدوس عليه!

تركيا اليوم غير مطبعة مع الاحتلال، لا يوجد سفراء عاملون فعليون بين الطرفين، العلاقات بين الطرفين موجودة ولكنها في الحد الأقل من الأدنى، ربما تتحسن العلاقات ولكن على قاعدة شروط تركية قاسية، وليس على قادة ذل وانبطاح للإسرائيليين كما يفعل الإماراتيون.

قطار التطبيع بهذا الشكل الفج الوقح الفظيع لن يمر في أنقرة مهما كانت الضغوط على تركيا اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، لن تقبل تركيا أن تطبق الذل الإماراتي على نفسها، ستبقى تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي بالندية المطلقة ولن تخضع له أبدا مهما كلفها الأمر.. أما الشعب التركي،  فحدث ولا حرج عن كرهه للاحتلال الإسرائيلي، فهو يرفض أي علاقات به ويرفض أي تطبيع معه.

لن نكون منبطحين أذلاء منبهرين باحتلال سرق حقوق الفلسطينيين، يحتل القدس عاصمة فلسطين، يحتل المسجد الأقصى المبارك.. سنبقى هكذا لحين أن يقدر الله أمرا آخرا.