الشراكة المغربية النيجيرية قاطرة اقتصادية ودبلوماسية مثمرة

تُواصِل المَملكة المغربية ديناميّتها قاريّا باعتبارها قُطبا إقليميا رئيسيا مُساهِماً في بلورة رؤى اقتصادية مع باقي أقطاب القارة الكُبرى، دبلوماسية اقتصادية ناجحة وناجعة وذات بعد استراتيجي يمتد للعُشرية القادمة على الأقل مع دولة نيجيريا هذا البلد المركزي في لبِّ القارة الأفريقية والمُنتج والمُصدر الأول للغاز الطبيعي في مقابل ذلك صدارة المغرب فيما يخص انتاج وتصدير الفوسفات ومشتقاته، وهذا ما يوضح دبلوماسية المغرب المَبنية على علاقات رابح-رابح.

تَظهر بشكل جَلي الإرادة القوية لدى المغرب ونيجيريا لاستكمال مسار تنزيل أهم ورش استثماري بأفريقيا يتعلق الأمر بخط أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب من جهة أولى وقطاع الأسمدة من جهة ثانية، هذا المشروع يُشكل خطا جديدا لهيكلة الأنشطة الصناعية والاستثمارية للقُطبين الأفريقيين بما فيها الدّول التي سَيَمر منها، هذا الوَرش الضّخم الذي يتوقّع أن يَصل حجمه الاستثماري 20 مليار دولار، بالإضافة إلى إنتاج  750 ألف طن أمونيا ومليون طن أسمدة، وسيبدأ العمل على الأرجح بحلول عام 2024،  سيكون لها بالتأكيد وحسب الخبراء الاقتصاديين تأثير مباشر على قِطاعات حيوية أبرزُها تشغيل اليد العامِلة والصناعة والكهرباء وجذب الاستثمار القاري والدولي.

إنَّ مَشْروع أُنبوب الغاز سَيُحفّز على التّرابط والتّكامل بين شمال وغرب أفريقيا في مَجالات الطّاقة والكهرباء وجَذب الاستثمار بِصفة عامة

تَعودُ فصول اتفاق المغرب ونيجيريا على بنود هذا الورش الأفريقي الضَّخم في دجنبر 2016 عبر زيارة الملك محمد السادس للعاصمة النيجيرية أبوجا، إذ أفضى لقاء زعِيمي البلدين لإعلان الانطلاقة عبر بداية دِراسات الجدوى صيف سنة 2017 ومن خلالها تمّ وضع تصور شامل ودقيق لخط الأنبوب وممرّاته البرّية والبَحريّة، وفي صيف 2018 وقّع المغرب ونيجيريا على إعلان مشترك في الرباط يُحدّد خطوات استكمال اتفاق لمدّ خط لأنابيب الغاز بين البلدين عبر غرب أفريقيا، تجذر الإشارة إلى أنّ المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة اختصارا بـ(سيدياو) انتهت من استنتاجاتها التّقْيِيمية من الدراسات التّقنية لهذا المَشروع الإستراتيجي.

يُشكّل ورش أنبوب الغاز المغربي-النيجيري قاطِرة تنموية قارية بامتياز ومُؤشرا دالاًّ على تَوطيد العلاقات المغربية-النيجيرية وعودة الدّفء للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهذا ما أكّدت عليه المُباحثات الهاتفية التي جَمعت زعيمي البلدين أواخر شهر يناير الماضي، أكّدا عَبْرها على مُواصَلَة سيرورة الديناميكية بين الدّولتين بخصوص مشروع خط الغاز الذي سَيمتدّ على طول 5660 كيلومترا مرورا بدول بنين، توغو، غانا، كوت ديفوار، ليبيريا، سيراليون، غينيا بيساو، غامبيا، السنغال وموريتانيا على أساس انفتاح هذا الورش الأفريقي الكبير على أوربا.

إنَّ مَشْروع أُنبوب الغاز سَيُحفّز على التّرابط والتّكامل بين شمال وغرب أفريقيا في مَجالات الطّاقة والكهرباء وجَذب الاستثمار بِصفة عامة، وفي هذا السّياق أعلن رئيس جمهورية نيجيريا في تدوينة عبر حِسابه الرسمي بمواقع التواصل الاجتماعي أن بلاده قد وقعت مع المغرب اتفاقية لتطوير مِنصة للمواد الكيماوية الأساسية بقيمة 1.3 مليار دولار، أي أكثر من 11 مليار درهم، وقال بوهاري في تدوينته: “نحن على الطريق الصحيح لنصبح قوة إقليمية ودولية للأسمدة”، مضيفا “أغتنم هذه الفرصة لأشكر، نيابة عن النيجريين، أخي وصديقي جلالة ملك المغرب على وقوفه معنا في المرحلة الصعبة والمثيرة”، وأضاف الرئيس النيجيري أن “هذه  الشراكة التي تربط البلدين هي ذات منفعة متبادلة، وهي مثال حقيقي على كيفية عمل التجارة والشراكة بين البلدان الإفريقية”.

لقد شهِد ورش أُنبوب الغاز الأفريقي إِشادة واهتماما مُتزايدا أوربيا خاصّة لَدى أقطاب الاتحاد الأوربي يرجع ذلك بالأساس لتجاوز تبعيّة الغاز الروسي الذي يُزَوّد السّوق الأوربية بأكثر من 40% من استهلاكها من الغاز الطبيعي، لكن تلك النّسبة تتقلص مع ظهور بعض الأزمات خاصة بعد أزمة الغاز الروسية الأوكرانية عام 2014، مما جعل الدول الأوربية ربما تَعتبر هذا الورش الأفريقي بديلاً خاصّة مع اعتبار أنبوب الغاز المغرب-نيجيريا له أبعاد جيواستراتيجية سَتُمكن مِن ربط الجسور الاقتصادية والاستثمارية بين القارتين الأفريقية والأوربية.

خِتاما يُشكل مشروع خط الغاز المغرب-نيجيريا ورشا قاريا ضَخما ستستفيد منه دول غرب القارة كما سَيُشكل قنطرة تربط شمال القارة بِجنوبها، والأهم سيكون مؤشرا قويا يوطّد العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية ودولة نيجيريا، وهذا ما أكد عليه تجديد تعهّد القُوّتين الإفريقيَتين في استكمال تشْييده لِما لذلك من أهمية جيواستراتيجية مهمة و”مشروع تنموي كبير يُساهم في الاندماج الاقتصادي والاجتماعي لمجموعة دول غرب أفريقيا”.