التهديد المصري بشأن ليبيا.. ما هي حدود التدخل العسكري؟

السيسي وحفتر

بشكل مفاجئ، خرج الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم 20 يونيو/حزيران 2020، بتصريح بشأن احتمالية التدخل العسكري المصري في ليبيا.

مركز الجزيرة للدراسات نشر ورقة بحثية بعنوان “خيارات الأمن القومي المصري في ليبيا: طبيعة التحديات وكفاية السلوك الرسمي” عن أبعاد التصريحات الأخيرة للرئيس المصري والحدود التي يمكن أن يبلغها هذا التدخل، والخلفيات الكامنة.

وبحسب الورقة، فإن الوضع المعقد حاليًّا في ليبيا في ظل تصاعد النفوذ الإقليمي بين روسيا وتركيا وأوربا على بسط الهيمنة أو تقاسم الثروة في ليبيا، يشير إلى أن التهديدات التي أطلقها الرئيس المصري لا يمكن أن تكون خارج سياق هذا التدافع بين القوى الكبرى بل بالأساس هي رد على التنافس الحالي على ليبيا.

التدخل العسكري ليس الخيار الأوحد

خيار التدخل العسكري، ليس الخيار الأوحد بالنسبة لمصر الآن خاصة في ظل تعقد المشهد بشكل كبير وأيضًا عقب مطالبات الولايات لكل الأطراف بعدم التصعيد ومنها بالطبع مصر وتركيا. 

وهنا يمكن للقاهرة أن تلجأ إلى مزيد من الحلول السياسية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية أو على الأقل للحفاظ على أمنها القومي. 

فمثلًا يمكنها الضغط من أجل استمرار المسار السياسي بعيدًا عن حفتر والبحث عن بديل له في ظل القبول الدولي الذي يحظى به رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح.

أيضًا من الخيارات التي قد تكون صعبة بالنسبة للقاهرة لكنها في نفس الوقت أقل حدة من خيار الحرب التنسيق مع تركيا، لكن هذا الخيار قد يتسبب في إزعاج حليفي النظام المصري الأساسين، وهما: الإمارات والسعودية، وربما يتسبب في غضب روسي أيضًا.

مقاربة ثالثة وهي استمرار التعاون مع الدول الأوربية والقيام بدور جوهري في الحوار السياسي، لكن ذلك يتطلب الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية

ماذا وراء تهديد القاهرة بالتدخل العسكري؟

1- الهروب إلى الأمام بسبب الأوضاع الداخلية

حيث تعاني مصر، من أزمات اقتصادية كبيرة إضافة إلى الاضطرابات الأمنية ما تسبب في مزيد من الضغط على النظام المصري داخليًّا ومن ثم قد يكون الحل المؤقت الآن هو البحث عن عدو خارجي من أجل شدِّ العصب الوطني والاصطفاف خلف القيادة السياسية..

إضافة إلى الكارثة التي يمر بها القطاع الصحي المصري بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا وفشل القاهرة في السيطرة عليه. 
وكذلك أزمة سد النهضة التي باتت تحاصر النظام السياسي المصري بشكل كبير.

2- مزيد من ضغوط الحلفاء

يكمن جزء مهم من أسباب التصعيد المصري في ضغوط أبرز حلفاء السيسي، المتمثل في ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد.

3- المكايدة السياسية

أثار دخول تركيا في المشهد الليبي غضب النظام المصري وحليفيه، الإماراتي والسعودي، وتفاقمت هذه المشاعر بعدما أسهمت المساعدات العسكرية التركية في تفوق قوات الوفاق واندحار قوات حفتر وصولًا إلى سرت.

4- القلق من التهميش

ثمة عامل مهم آخر وهو قلق القاهرة من التهميش في ظل وجود روسي وأمريكي وتركي في ليبيا واحتمالية إبرام صفقة بين أنقرة وموسكو في ليبيا على غرار ما حدث في سوريا، من دون الالتفات إلى مصالح القاهرة .

الخيارات المصرية البديلة

تقول الورقة إن  قرار التلويح بالحرب من قبل السيسي يعد خيارًا متطرفًا في ظل احتمالية وجود قرارات أخرى ذات طابع سياسي مثل محاولة التوسط مع أخرى مع الأطراف الليبية المتناحرة بما فيها حكومة الوفاق التي قد لا تعارض لعب دور مصري سياسي بعيدًا عن الدعم العسكري لحفتر. 

حدود التدخل العسكري

في حال قرَّر النظام المصري تنفيذ تهديده بالتدخل العسكري، فإن الأمر لن يصل إلى الحرب الشاملة، ولن يكون متوقعًا أن ترسل القاهرة دبابات وجنودًا إلى الأراضي الليبية.

 وهذا يعني أن التدخل العسكري المصري في ليبيا إذا تحول من التهديد إلى التنفيذ فإنه من المتوقع أن يكون عبارة عن ضربات جوية في أماكن الشرق فقط، ولن يشمل نشر قوات كبيرة أو قصف أهداف في الغرب. 

كما قد تقوم مصر بوضع مستشارين عسكريين مصريين إلى جانب قوات حفتر، والإعلان رسميًّا عن ذلك، وقد يتطور الأمر إلى نشر قوات في الأماكن الحدودية مع ليبيا فقط سواء في داخل مصر أو ليبيا. 

وحسب التلويح المصري المباشر، فمن المتوقع تسليح وتدريب قبائل ليبية مقيمة في شرق ليبيا، لتقاتل تحت إشراف وتوجيه مصريين.

لكن يظل هناك سيناريو آخر (ضعيف التحقق) وهو التورط بحرب شاملة في ليبيا وهذا الأمر قد يكون كارثة وقد يُدخل الجيش المصري في مستنقع كبير على غرار المستقنع اليمني.

الدور الخارجي في مواقف القاهرة

هناك أطراف لها مصالح كبيرة في ليبيا تقف وراء التلويح المصري ويمكن ذكر عدد منها وقد تكون وراء هذا الموقف:

الإمارات والسعودية:

تقف الإمارات والسعودية في خندق خليفة حفتر إضافة إلى مصر ولكن تختلف مصالح كل طرف منها بدرجات متفاوتة.

روسيا:

حتى الآن، لم تعلن روسيا عن وجود عسكري رسمي لها في ليبيا، رغم وجود مرتزقة “فاغنر” القريبة من الكرملين، ولذلك فإن التلويح المصري قد يكون في صالح الروس أيضًا وهذا يعزز فرضية وقوف روسيا وراء تلويح السيسي بالتدخل العسكري.

إسرائيل:

كشف موقع ميدل إيست آي البريطاني عن إجراء لقاء جمع مسؤولين إسرائيليين مع حفتر برعاية المخابرات المصرية، وفي نفس الوقت قدمت إسرائيل شحنات عسكرية للمرتزقة الداعمين لحفتر.

التأثير على ملفات الأمن القومي الأخرى

قد يكون أحد أهداف النظام المصري هو توجيه رسالة إلى إثيوبيا بأن القاهرة يمكنها التدخل عسكريًّا في حال تعرَّض أمنها القومي للتهديد من قوى خارجية وهذا الأمر قد يمثِّل مقامرة كبيرة.

ففي حال الإخفاق في الحرب فإن هذا سينعكس سلبًا على ملف سد النهضة سوف يزيد التدخل العسكري خارج البلاد من الأزمة الاقتصادية الحالية بشكل كبير ويجعل قدرة البلاد على إيجاد بدائل لتفادي آثار أزمة سد النهضة أمرًا مكلفًا أيضًا.

فيما يتعلق بالوضع في سيناء فإن احتمالية التدخل العسكري في ليبيا قد تنعكس بشكل سلبي على الوضع في سيناء. 

الخلاصة

وتخلص الورقة البحثية إلى أن التلويح المصري بالدخول في حرب بليبيا يبقى في إطار التهديد ولفت الانتباه لمصالح القاهرة دون الإقدام على هذه الخطوة إلا في الضرورة وحتى إن حدثت فإنها لن تتحول إلى الحرب الشاملة نظرًا لتكلفتها الكبيرة على النظام المصري.

للاطلاع على الورقة كاملة يرجى زيارة الرابط التالي:

خيارات الأمن القومي المصري في ليبيا: طبيعة التحديات وكفاية السلوك الرسمي

المصدر : الجزيرة مباشر