كيف تشاهد وتحلل مباراة كرة قدم؟ (3)

الناقد الرياضي الدكتور علاء صادق

استفضنا في الحلقتين السابقتين في الأمور الواجب اتباعها من المشاهد العادي الذي يريد أن يعرف الأسلوب الأمثل للارتقاء بمشاهدته.

وباتباع هذه الأمور، يتحول المشاهد إلى درجات الخبراء للاستمتاع بالمشاهدة وإدراك ما لا يراه أو يلاحظه أو يفهمه المشاهد العادي.

كما استعرضنا كيفية رؤية ترتيب اللاعبين في الملعب للتعرف على طريقة اللعب التي ينتهجها الفريق عبر خطوطه الثلاثة أو الأربعة في الملعب.

واليوم نبدأ مهمتنا في عمق الامور الفنية والخططية.

حارس المرمى

البداية مع الرقم واحد أو اللاعب الوحيد الذي لا يتغير موقعه في فترات المباراة المختلفة. اللهم إلا في استثناءات لا تتكرر إلا مرة كل ألف مرة أو أقل.

حارس المرمى هو اللاعب الوحيد في الفريق الذي يرتدى ملابس مختلفة عن زملائه وعن منافسيه ليسهل على الحكم ومساعديه التعرف عليه، وهو الوحيد أيضا الذي يسمح له القانون بإمساك الكرة أو لمسها بيديه داخل منطقة جزائه أثناء سير اللعب، ولكنه قادر على لعب الكرة بالقدم أو بالرأس سواء داخل منطقة جزائه أو خارجها طوال زمن المباراة.

وفى حالة استبداله بزميل من زملائه الموجودين في الملعب فلابد للزميل أن يرتدي زي الحارس قبل استئناف اللعب.

وما أكثر المرات التي اضطر لاعبون كبار من المهاجمين أو المدافعين للقيام بتلك المهمة لإصابة أو طرد الحارس بعد استنفاذ التبديلات.

ولعل البرازيلي بيليه أسطورة كرة القدم هو أشهر اللاعبين الذين قاموا بتلك المهمة، عندما كان لاعبا مع نادى سانتوس البرازيلي. وشاءت الأقدار أن يكون ابنه الأكبر حارسا للمرمى في مشواره بالملاعب.

حارس المرمى يمثل واحدا من أصل 11 لاعبا في الفريق، لكن الخبراء والإعلاميين ينظرون له نظرة تقدير وإكبار مختلفة، حتى يصفه البعض بأنه نصف الفريق، وهو قول يفتقد للدقة، ولكنه يصلح أحيانا.

وفى بعض المباريات المشهودة كان لحارس المرمى دور يزيد عن نصف الفريق. ولا تزال مشاهد مباراة إيطاليا والاتحاد السوفيتي في مباراة الإياب في العاصمة الإيطالية روما ضمن تصفيات كأس الأمم الأوربية الثانية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963 شاهدة على إعجاز الحارس السوفيتي ليف ياشين، الذي نفّذ 11 إنقاذا، بعضها خيالي للحفاظ على تعادل فريقه 1-1 وقيادته إلى النهائيات في إسبانيا.

ومنحته تلك المباراة الفريدة مكانة عملاقة عند الخبراء ليتوج بجائزة الكرة الذهبية لأحسن لاعب في أوربا عام 1963 تقديرا لبراعته المتناهية.

وهو حارس المرمى الوحيد الذي توج بالجائزة في تاريخها الطويل من 1956 وحتى اليوم.

المهمة الأولي والرئيسية لحارس المرمى هي منع الكرة من تجاوز خط المرمى إلى الداخل

المهمة الأولي والرئيسية لحارس المرمى هي منع الكرة من تجاوز خط المرمى إلى الداخل مستخدما اليدين والرجلين والرأس وكل جزء من جسمه.

ولأنه الأوحد في استخدام يديه داخل منطقة جزائه بين 22 لاعبا في الملعب، فهو مسؤول عن السيطرة على ألعاب الهواء والتقاط أو إبعاد الكرات العالية، لاسيما في المنطقة المحيطة به داخل المنطقة، وتتبعها مهام أخرى أقل أهمية مثل التغطية خلف زملائه في الجزء الأخير من الملعب، سواء داخل منطقة جزائه مستخدما يديه أو خارجها معتمدا على قدميه ورأسه.

والحارس اليقظ هو الذي يقوم بدور آخر مدافع في فريقه ويلحق بالكرات الطويلة الساقطة خلف مدافعيه ليمنع الانفرادات الخطيرة.

ولا تقتصر مهامه عند الواجبات الدفاعية فقط ولكنه مسؤول أحيانا عن بدء الهجوم، لاسيما عندما تتاح له الفرصة لتمرير الكرات الطويلة بقدمه أو بذراعه لاستغلال المساحات الخالية في دفاع منافسيه وصنع هجمات مرتدة ناضجة وخطيرة، مثل الحارس الألماني مانويل نوير.

ولحارس المرمى الكفء، لاسيما من أصحاب الخبرة، دور رئيسي في قيادة وتوجيه زملائه، خاصة وأنه الأكثر قدرة على الرؤية الواسعة بحكم وجوده خلف كل لاعبي الفريقين، مما يساعده على قراءة ألعاب الفريقين واكتشاف نقاط القوة والضعف في الجانبين، وتنبيه زملائه لإصلاح أخطائهم وسد ثغراتهم أو استغلال نقاط الضعف عند منافسيهم.

وكان الحارس الإيطالي دينو زوف قائدا لفريقه في نهائيات كأس العالم 1982 التي توجت إيطاليا بطلة لها، وقام بدور ممتاز في توجيه زملائه حتى كانت صرخاته أعلى صوتا من هتافات الجماهير أو صفارات الحكم.

والمشاهد اليقظ يراقب حارس المرمى بعين فاحصة قبل وخلال المباراة ليتمكن من تقييمه بالطريقة الصحيحة.

والحارس الأكثر نجاحا يتمتع بقامة فارعة تساعده على الوصول للكرة قبل منافسيه من طوال القامة.

ولكن الطول المناسب لحارس المرمى لا يتجاوز حاجز 192 سنتيمترا، لأن الأمر يرتبط بالرشاقة من جانب وكذلك بالمسافة التي يحتاجها للنزول السريع إلى الارض لمنع الكرات المنخفضة الموجهة إلى مرماه.

وكلما اقترب الحارس من المترين أو زاد عنها كلما قلت درجات المرونة والرشاقة والاتزان وطال زمن النزول إلى الكرات الأرضية.

وبعد مراقبة طول الحارس يأتي النظر إلى بنيانه وقوته. ولا مكان على الإطلاق للحارس البدين (كان لدى بريطانيا حارس للمرمى في نهاية القرن التاسع عشر يزيد وزنه عن 150 كيلوجراما).

والحارس الأقوى قادر على الالتحام بقوة مع منافسيه لاسيما في الكرات العالية، وهو الأكثر تحملا للصدمات سواء عند الارتماء على الارض أو الاصطدام مع أقدام وأجسام منافسيه وأحيانا زملائه.

إلى هنا ينتهي دور الخبير في الحكم على الحارس قبل انطلاق اللعب وبعدها يأتي الاختبار والتقييم الحقيقي مع انطلاق المباراة ودخول الحارس في اختبارات جادة.

وموعدنا معها في الجزء الرابع.

علاء صادق
ناقد رياضي مصري

اقرأ أيضا:

كيف تشاهد وتحلل مباراة لكرة القدم؟ (1)

كيف تشاهد وتفهم مباراة لكرة القدم؟ (2)

المصدر : الجزيرة مباشر