مقال بواشنطن بوست: لماذا لن تحل العودة إلى الحكم المطلق مشكلات تونس؟

الرئيس التونسي قيس سعيد (فيسبوك)

نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا للصحفية والناشطة الحقوقية التونسية سهام بن سدرين تناولت فكرة عودة الحكم الفردي إلى تونس وكيف أنه لن يحل مشكلاتها.

واستهلت الكاتبة بالقول إن الرئيس قيس سعيد أثار دهشة التونسيين بتسمية المحاضرة الجامعية غير المعروفة نجلاء بودن رمضان رئيسة للوزراء، فرغم أن القرار تاريخي كونها أول رئيسة حكومة في العالم العربي، فإن هذا التعيين يأتي في أكثر الأوقات اضطرابًا في تونس منذ ثورة 2011، إذ تولت نجلاء منصبها بعد شهرين من إقالة سعيد لسلفها وحل البرلمان، في 25 يوليو/تموز، مما دفع الكثيرين للتخوف من إعادة البلاد إلى الحكم الفردي.

لكن نسبة كبيرة من التونسيين رحبت باستيلاء الرئيس على السلطة المطلقة، وذلك يرجع إلى الاقتصاد المتعثر والفساد المستمر وتفشي فيروس كورونا وخيبة الأمل في الأحزاب السياسية، وفق المقال.

وترى الكاتبة أن المدافعين عن إجراءات سعيد مخطئون في الاعتقاد أن العودة إلى حكم الرجل القوي ربما يكون الحل لمشاكل تونس، فالدكتاتورية لم تخدمنا في عهد زين العابدين بن علي ولن تخدمنا اليوم، وما تحتاجه تونس هو إقامة الدعائم الحقيقية المطلوبة لتعزيز ديمقراطيتها التي تحققت بشق الأنفس وبشكل أكثر إلحاحًا إنشاء محكمة دستورية وتنفيذ العدالة الانتقالية.

وفي 22 سبتمبر/أيلول الماضي، أصدر سعيد مرسوماً يقلل بشكل كبير من سلطة رئيس الوزراء الجديد، مما يمثل تداعيات خطيرة على سيادة القانون وسط حالة طوارئ لا نهاية لها -على ما يبدو- منذ الهجمات الإرهابية عام 2015.

الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن (ر ويترز)

ويقارن أنصار سعيد المكاسب الثورية في تونس بأجندة حزب النهضة الإسلامي الذي يهيمن على البرلمان حاليا، لكن هؤلاء المنتقدين يتعاملون مع انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2011 باعتبارها نقطة انطلاق لديمقراطيتنا الحالية، وبالتالي يغفل المدافعون عن الرئيس تمامًا التغييرات العديدة التي تم إجراؤها في السنوات التي تلت ذلك.

وانبثق الدستور الجديد الذي تم إقراره عام 2014 بعد مناقشة وطنية واسعة ويهدف إلى درء شبح الاستبداد من خلال ضمان الحريات الأساسية والضوابط والتوازنات الحقيقية.

وأنصار سعيد محقون في انتقاد إخفاقات حركة النهضة “الرهيبة” وفق تعبير الكاتبة، فعلى الرغم من المظاهر لم يتبن حزب النهضة الأجندة الثورية أبدا وركز بدلاً من ذلك على الحفاظ على سلطته.

وأدى هذا الهوس إلى تشكيل تحالفات مع شبكات النظام القديم في الشرطة والقضاء والإعلام، فلم يعارض حزب النهضة الإصلاحات التي دعت إليها العملية الثورية فحسب، بل وافق أيضًا على قوانين “المصالحة” المصممة لتبرئة الفاسدين.

وترى الكاتبة أن المشاكل الرئيسية التي واجهتها تونس في السنوات الأخيرة تنبع من سياسة التوافق التونسية التي خربت العملية الديمقراطية، إذ حال التحالف بين الإسلاميين وحزب نداء تونس العلماني دون اتخاذ إجراءات جريئة في مسائل مهمة مثل المساءلة القضائية وإنشاء المحكمة الدستورية.

رسميًا، كانت انتخابات 2014 و2019 حرة، ولكن فقط لأن السلطات غضت الطرف عن التمويل الانتخابي غير المشروع، ما أدى إلى انتخاب نواب متهمين بالرشوة والتهريب وحتى الاعتداء الجنسي على الأطفال.

تقول الكاتبة “لدينا اقتصاد تقوده المحسوبية، وتغذيه حكومة متواطئة تقضي على رواد الأعمال الشباب، وينتهي المطاف بمعظم قضايا الفساد في المحاكم المالية حيث تتمتع شبكات المافيا بنفوذ كبير والمشتبه بهم يسيرون بحرية”.

وتستطرد “لكن الحكم المطلق لن يحل هذه القضايا، فالحلول الديمقراطية القابلة للتطبيق موجودة وتحتاج إلى التنفيذ فقط، فقد استحدثت هيئة الحقيقة والكرامة التونسية -التي تأسست بعد الثورة- نظاما للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد، ونجحت بالفعل في إحالة عشرات قضايا الفساد إلى محاكم متخصصة لكنها واجهت مقاومة من نقابات الشرطة القوية التي ترفض احترام التفويضات القضائية بتواطؤ من وزارة الداخلية”.

وفي 2019 أصدرت هذه اللجنة تقريرا يوصي بإصلاحات تشمل محاربة الفساد والإفلات من العقاب، ومن خلال تنفيذ ذلك يمكن للتونسيين البدء بتنظيف سجل الفساد في بلادهم وتحقيق العدالة لكل من عانوا من جرائم الماضي”.

وتابعت “إن التحول التونسي جاري منذ 10 سنوات فقط، وهذه مجرد غمضة عين في تاريخنا، المجر وبولندا أطاحا بالشيوعية قبل 3 عقود وما زالتا تواجهان تحديات ديمقراطية رغم عضويتهما في الاتحاد الأوربي”.

وتختم الكاتبة بالقول “تونس تمر بفترة ولادة ديمقراطية مؤلمة لكن الديمقراطية هنا لم تمت رغم آراء المتعصبين الذين يزعمون أن مصير منطقتنا هو الاستبداد”، وتضيف “حتى سعيد يجب أن يفهم أنه لا توجد دولة سليمة بدون مؤسسات شرعية، تونس بحاجة إلى ديمقراطية أقوى، وليس عودة إلى الحكم المطلق”.

المصدر : الجزيرة مباشر