سيلاند.. أوّل “دولة مجهرية” تتحدّى المملكة المتحدة وكورونا

(سيلاند) منصّة دفاعية سابقة ضخمة من المعدن والخرسانة في بحر الشمال تُدار كـ (دولة مجهرية) مستقلّة، في تحدٍّ لحكومة المملكة المتحدة منذ 54 عامًا.

لكن حتّى في سيلاند الواقعة على مسافة نحو سبعة أميال (11 كيلومترًا) من ساحل جنوب شرق إنجلترا، يتعيّن على الوافدين إليها إظهار اختبار كوفيد-19 سلبي قبل الصعود إليها.

وقال ليام بايتس أحد (أمراء) سيلاند بفخر لوكالة الأنباء الفرنسية “ليس لدينا أيّ حالات إصابة بفيروس كوفيد”، وأضاف “أعتقد أننا من الدول القليلة في العالم التي يمكنها قول ذلك”.

وكان من المقرّر هدم سيلاند -المنصّة السابقة المضادّة للطائرات التي بُنيت فوق برجين خرسانيين- بعد الحرب العالمية الثانية، لأنها كانت تقع خارج مياه المملكة المتحدة حينذاك.

غير أن ذلك لم يحدث، فتولّى روي -جدّ ليام ورجل أعمال لديه مشروعات للصيد ومحطة إذاعية غير مرخّصة- زمام الأمور وأعلن الاستقلال ووُلِدت إمارة سيلاند تحت شعار “من البحر..الحرّية” عام 1967، وتمتلك دستورًا وعَلَمًا ونشيدًا وطنيًّا!

ويعكس العَلَم -بألوانه الثلاثة الأسود والأحمر والأبيض- أجواء القراصنة في سيلاند، ومن ذلك الحين نجت الدولة المجهرية من محاولة انقلاب وانهيار مشروع لتخزين البيانات الإلكترونية، ومن حريق كارثي أيضًا.

إدارة شؤون البلاد

يرفع المهندس جو هاميل (58 عامًا) الزوّار من البحر بأرجوحة خشبية، بينما يمسكون الحبال بإحكام، والإجراء الأوّل على المنصّة هو وضع ختم سيلاند على جوازات الزوّار.

وتبدو سيلاند منظّمة بأرضيتها الجديدة وأدواتها ودهاناتها، ويحتوي المطبخ على نباتات وألواح من الخزف، بينما تتزيّن الغرف بورق حائط وسجّاد وكتب كلاسيكية، بينها كتاب الروائي توماس هاردي “بعيدا من الإزعاج”.

يزور ليام (33 عامًا) سيلاند منذ أن كان طفلًا في الثالثة، ويصعد عبر المقعد المتأرجّح بيُسر يعكس خبرته، ويركّز على إدارة العمليات اليومية، بينما يدير شقيقه الأكبر جيمس النشاط التجاري العائلي لصيد الأسماك وتعليبها، إذ يتعافى والدهما الأمير مايكل من عملية جراحية.

تحافظ سيلاند على توازنها المالي من خلال ما يُعرف بـ (بيع الألقاب) عبر موقعها على الإنترنت، إذ يمكنك أن تصبح (سير) سيلاند مقابل 30 جنيهًا إسترلينيًّا (45 دولارًا) أو دوقًا مقابل 500 جنيه إسترليني.

يقول ليام إنهم يبيعون “عددًا لا بأس به من الألقاب يكفي للحفاظ على سيلاند الآن، وهو أمر رائع”.

عزلة

ويوضح الشاب أن سيلاند لا تدفع ضرائب في المملكة المتحدة، ويقول “الحرّية تعني فعل ما تريد مثل الدين والتعبير عن الرأي وأيّ نوع من التوجّهات”.

وفي حين يقتصر حضور آل بايتس على الزيارات، يتناوب رجلان صيانة المنصّة لمدّة أسبوعين، وهما: هاميل ومايكل بارينغتون البالغ من العمر 66 عامًا، والمسؤول عن الأمن الداخلي أيضًا.

يقول هاميل إنه  تطوّع أثناء فترة الإغلاق لقضاء نوبتين لمدّة 11 أسبوعًا بمفرده، حصل خلالها على الإمدادات من قارب.

لكن في النهاية “أعتقد أن حالتي العقلية كانت تسوء”، وفق تعبير الرجل اللندني الذي عمل سابقًا في مجال التأمين، مشدّدًا على أنها “كانت عزلة خالصة”.

يقول هؤلاء الرجال إن سيلاند صارت أكثر راحة ممّا كانت عليه في أيامها الأولى، إذ حلّت توربينات الرياح والألواح الشمسية محلّ مولّدات الديزل القديمة التي اشتعلت النيران في إحداها عام 2012، ممّا تسبّب بأضرار جسيمة.

وتشمل الغرف داخل الأبراج الخرسانية مُصلّىً صغيرًا متعدّد الأديان، وغرفة ترفيه مع طاولة بلياردو ومعدّات رياضية، وغرفة اجتماعات مُجهّزة بلوح أبيض.

ويُطلق بارينغتون -الذي جاء لأوّل مرّة إلى سيلاند قبل 33 عامًا- عليها اسم “كهف الرجل الكبير”، وأكّد أنه لا يزال يرى أن مستقبل سيلاند رقمي مُنوّها إلى خطط لإطلاق عملة مُشفّرة، لكنّه لم يرغب في كشف مزيد من التفاصيل.

انقلاب

هناك زنزانة صغيرة بسرير حديدي كانت تُؤوي السجين الوحيد في الدولة عام 1978 أثناء “الانقلاب الكبير في سيلاند”، عندما اختلف رجل أعمال ألماني مع روي بايتس فأرسل مرتزقة لاقتحام المنصّة أثناء غيابه.

لكن روي بايتس ونجله مايكل استعادا السيطرة على سيلاند في غارة فجرًا بطائرة هليكوبتر، وأطلقوا سراح المرتزقة لكنّهم احتجزوا محامي رجل الأعمال واتهموه بالخيانة، ثمّ أطلقوا سراحه في نهاية المطاف بعد تدخّل دبلوماسي ألماني.

ليست تلك الحلقة العنيفة الوحيدة في تاريخ سيلاند، ففي عام 1967 صدّ بايتس انزالًا لفرقة من راديو كارولين -وهي محطة إذاعية شهيرة غير مُرخّص لها- بعدما ألقوا زجاجات مولوتوف.

وفي عام 1968، حوكم روي وابنه مايكل بتهمة ارتكاب مخالفات أسلحة بعد إطلاق النار على سفن عابرة، لكنّ المحكمة قضت بأن المنصّة تقع خارج الولاية القضائية البريطانية.

يقول ليام “علّمنا والدي (مايكل) إطلاق النار من البنادق وكلّ تلك الأشياء”، لكنّه تحاشى الاجابة عن سؤال بشأن وجود أسلحة في المنصّة حاليًّا.

ويضيف “نحن مُجهّزون لحماية أنفسنا لأننا تعرّضنا للهجوم في الماضي”.

ومنذ عام 1987، تتواجد المنصّة بشكل قانوني في المياه البريطانية، ولا تحاول المملكة المتحدة استعادتها.

يقول ليام “أعتقد أنهم يريدون التظاهر بأننا غير موجودين، ويأملون أن نحزم أمتعتنا ونغادر يومًا ما، وهو ما لن يحدث أبدًا”.

المصدر : الجزيرة مباشر + الفرنسية