فايننشال تايمز: عاصمة جديدة في الصحراء تمثل نموذج السيسي العسكري للاقتصاد

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة الإدارية الجديدة (مواقع محلية مصرية)

نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريرا عن العاصمة الإدارية المصرية الجديدة قالت فيه إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يكن أبدًا ممن يخجلون من تقديم وعود جريئة بإعادة إحياء أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.

غير أنه وفي مارس/آذار الماضي، قدم السيسي تنبؤًا كان جريئًا حتى بمعاييره -بحسب الصحيفة- في خطاب له أثناء حضوره حدث عسكري، إذ قال إن افتتاح “عاصمة إدارية جديدة” تغطي رقعة من الصحراء مساوية لحجم سنغافورة سيمثل “ولادة دولة جديدة”، وقريبًا تتضح مدى مصداقية كلماته، بحسب تعبير الصحيفة.

ففي أغسطس/آب القادم، سيبدأ موظفو الخدمة المدنية في الانتقال لمسافة 45 كيلومترًا من مقرات الوزارات في وسط القاهرة إلى العاصمة الجديدة، حيث يضع عمال البناء اللمسات الأخيرة على “الحي الحكومي” الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار.

ويستهدف المشروع نقل 55 ألف موظف في أكثر من 30 وزارة جديدة ضخمة بحلول نهاية العام، وفي النهاية، ومع إنشاءات القطاع الخاص جنبًا إلى جنب مع المشاريع العسكرية، فإن الهدف هو أن يعيش 6.5 مليون شخص في العاصمة الجديدة.

ويجسد المشروع -الذي كان من المتوقع أن يتكلف 45 مليار دولار عندما تم إطلاقه قبل ست سنوات- رؤية السيسي للتنمية وكيف ينبغي أن يتم ذلك: الجيش في المقدمة والوسط بلا خجل وعلى “نطاق فرعوني”، على حد وصف الصحيفة.

ويصرّ السيسي على أن المشروع يمثل “إعلان جمهورية جديدة”، في الوقت الذي يعتبره المشككون أنه مشروع “غرور” لا يمكن لدولة لديها أولويات أكثر إلحاحًا تحمّله.

والعاصمة الجديدة تقع شرق القاهرة وهي مشروع البنية التحتية الرائد من بين آلاف المشروعات التي يتولى الجيش تنفيذها منذ استيلاء قائد الجيش السابق على السلطة في انقلاب عام 2013.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ضباط من الجيش المصري (مواقع التواصل)

ونتيجة لذلك كان البناء والعقارات إلى جانب مشروعات الطاقة من العوامل الرئيسية في إنعاش الاقتصاد المحتضر، إذ مكنت تلك القطاعات مصر من التفاخر بتحقيق أعلى معدلات نمو للناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط -مسجلة أكثر من 5% سنويًا في العامين السابقين لجائحة كورونا.

ولكن مثلما تثير العاصمة الإدارية ردود فعل متناقضة، يتساءل بعض المصريين أيضًا عما إذا كانت النجاحات الاقتصادية التي يحييها أنصار الرئيس هي سراب أكثر من كونها حقيقة، بحسب الفيننشال تايمز.

وفي هذا السياق نقلت الصحيفة عن أكاديمي مصري قوله “يبدو الاقتصاد (المصري) سليمًا من الخارج، ولكن إذا تجولت في الأرجاء فستجد أنه مبني على رمال متحركة”.

تغول مؤسسة الجيش في الاقتصاد

وفي صميم المخاوف يقع توسيع دور الجيش في الدولة والاقتصاد مما يؤدي إلى مزاحمته القطاع الخاص وإخافة المستثمرين الأجانب.

يقول أحد الاقتصاديين المصريين “الخوف الحقيقي الذي يشعر به الناس هو أنك تقدم على تأسيس مشروع ثم يكرر الجيش نفس المشروع بجوارك ويقوضك”.

ومع ذلك، لا يقدم السيسي وأنصاره أي اعتذارات عن نشره للجيش -أقوى مؤسسة في مصر والكيان الوحيد الذي يثق به الرئيس- في جميع جوانب الاقتصاد، على حد قول الصحيفة.

يقول العميد المتقاعد خالد الحسيني سليمان والمتحدث باسم شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، وهي شركة مملوكة بالأغلبية من قبل الجيش والمسؤولة عن مشروع العاصمة الجديدة “الجيش يستطيع تعزيز الاقتصاد. إنهم منضبطون للغاية وأقل فسادًا”.

ويتفهم بعض المصريين سبب تحول السيسي إلى الجيش بعد توليه السلطة، فبعد ثلاث سنوات من الاضطرابات في أعقاب ثورة 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي دام 30 عامًا، ورث السيسي اقتصادًا محطمًا بسبب الاضطرابات السياسية والصراعات الأهلية والهجمات الإرهابية التي أخافت المستثمرين المحليين والأجانب.

غير أنه وبعد ثماني سنوات من استيلاء السيسي على السلطة، هناك مخاوف متزايدة من أن التوسع الاقتصادي المتغول للجيش سيثبت غير قابل للرجوع، ويقول خبراء الاقتصاد إن هذا النشاط لا يولّد وظائف منتجة كافية لمعالجة البطالة المتفشية بين الشباب ومعدلات الفقر المطردة في البلاد التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة.

المصدر : فايننشال تايمز