وسط أزمة سياسية.. النهضة التونسية تتعهد بالكشف عن جهات خارجية تسعى لتقويض الديمقراطية (فيديو)

تباينت الآراء التونسية بشأن الاحتجاجات التي شهدتها مدن عدة، الأحد، وتمثلت في الاعتداء على عدد من مقار لحركة النهضة خلال ذكرى إعلان الجمهورية.

وقالت حركة النهضة إن الاحتجاجات ليست بريئة وإنما تنفذ أجندة خارجية وداخلية تسعى لتقويض دعائم الديمقراطية وتستغل عددًا من الشباب “المهمَّش” للوصول من خلالهم إلى مآرب أخرى، وناشدت الشباب بالتيقظ لما يحاك لبلادهم من مؤامرات مؤاداها القفز على الشرعية.

وبشأن طبيعة احتجاجات اليوم، قال رضا البغدادي مراسل الجزيرة مباشر إن السؤال الأبرز على الساحة التونسية يتمثل في مسوغات الاعتداء على مقار حركة النهضة، ولم يقدم أحد حتى اللحظة تصورًا كاملًا لما جرى.

ولم تتبن قوى سياسية مؤثرة في المشهد التونسي حركة الاحتجاج، على خلاف ما شهدتها تونس قبل ذلك، في حين تقول حركة النهضة إن “مجموعات فوضوية” متورطة في العمليات التخريبية، وقال مراسل الجزيرة مباشر إن هذه الآراء لا يمكن إثباتها أو نفيها قبل أن تتضح الصورة كاملة.

وأقدم عدد من المحتجين بوسط مدينة توزر على اقتحام مقر حركة النهضة وتهشيم محتوياته وإزالة لافتة الحزب ورددوا شعارات ضد الحكومة والبرلمان وحركة النهضة مطالبين بإسقاط النظام.

واقتحم محتجون مقار الحركة في عدد من المدن الأخرى، خاصة في القيروان وسوسة وصفاقس، ما دعا قواتُ الأمن للتدخل وتفريق المحتجين.

وأشار البغدادي إلى انقسام وجهات النظر بين من يعتقد بعفوية الاحتجاجات على خلفية تدهور الأوضاع الصحية والاجتماعية، وبين من يرى أن أجندة ما وراء تحريك المشهد بهذا التوجه ويراد به تدمير الديمقراطية في البلاد.

واتهمت حركة النهضة ما وصفتها بـ”المجموعات الفوضوية” بالاعتداء على بعض مقرات الحركة بالبلاد وترهيب الموجودين داخلها وتهديدهم في حياتهم، وأدانت في بيان لها العصابات الاجراميّة التي توظَّف من خارج حدود البلاد ومن داخلها للاعتداء على مقرات الحركة ومناضليها وإشاعة مظاهر الفوضى والتخريب.

 

 

في السياق، قال فتحي العيادي الناطق باسم حركة النهضة -خلال مداخلة مع برنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر- إن مجموعات تسلك سلوكًا خارجًا على القانون أجّجت الموقف عبر النهب والحرق والتدمير، مشيرًا إلى أن بلاده تعيش تجربة ديمقراطية رائدة ولا ترى حرجًا في حرية الاحتجاج والشارع مفتوح للاحتجاجات السلمية.

وأضاف أن حركة النهضة لم تجد مسوغًا واضحًا لعمليات التخريب والعنف، وأن جهات خارجية تسعى لتقويض الديمقراطية التونسية، علاوة على أن محاولات ضرب الديمقراطية في العالم العربي لم تنته، وتمثل تونس منطقة عصيّة على هذه المحاولات.

وتابع “لدينا معطيات وتأكيدات تثبت تورط جهات خارجية في محاولات الزج بتونس إلى أتون الفوضى وضرب ما تبقى من أمل في العالم العربي -والإسلام بصفة عامة- من حياة كريمة وحرة”.

وتأتي هذه الاحتجاجات وسط أزمة سياسية تشهدها الساحة التونسية بسبب تعطل الحوار والتنسيق بين مؤسسات الحكم الثلاث وفي ظل أزمة صحية متفاقمة.

وردًا على سؤال بشأن لماذا تتكتّم حركة النهضة على اسم الجهة أو الجهات الخارجية المتورطة في محاولات تقويض الديقراطية، أجاب الناطق باسم الحركة بأن الكشف عن تلك الجهات سيأتي في حينه، بينما الآن تركّز الحركة على جمع المعطيات الدامغة، مؤكدًا أن الأمور ليست وليدة اليوم أو أمس، وإنما السعي لتعطيل مؤسسات الدولة قديم وتعايش حركة النهضة تطوراته منذ البداية.

ولفت العيادي إلى حاجة الثورة التونسية للحماية، وأن ذلك يتطلب من أبناء الشعب التونسي الالتفاف حول الثورة والتيقظ لما يحاك ضدها من مؤامرات، خصوصًا وأن هناك من يريد توظيف مطالب الشباب لخدمة أغراضه الخاصة والضغط بالاتجاه نحو الفوضى.

ووجه العيادي التحية لأبناء حركة النهضة الذين أفشلوا مخطط اليوم، على حد قوله، وأبدى أسفه لمظاهر العنف في الشارع ومحاولات توظيف بعض الأطراف لضرب التجربة الديمقراطية من الداخل والخارج على السواء، وتستعمل لذلك الأموال وغيرها.

ولم يستبعد العيادي نزول النهضة للشارع لحماية مكتسبات الثورة والدفاع عنها ضد من يخيفهم نجاح التجربة الديمقراطية التونسية، مضيفًا أن بعض التحركات تقف وراءها (حركة الشعب) فضلًا عن حركات سياسية أخرى وشخصيات تنتسب إلى الثورة وأهدافها غير أنها تحاول تسميم الأجواء وتدفع بالشباب إلى حالة من الفوضى.

وكان محمد البرعومي القيادي بحركة النهضة قد قال “هناك أحزاب ودكاكين أيديولوجية بدون مقرات تحرق مقرات الأحزاب وشباب مهمَّش يوظَّف من أحزاب فاشلة”، وذلك خلال تعليقه على توتر الشارع التونسي بالتزامن مع الذكرى الرابعة والستين للجمهورية التونسية.

واستطرد العيادي “كل هذه الملفات ستعرض على القضاء التونسي، بما في ذلك الأدلة والأسماء والصور، وسنطلب منه أن يتحمّل مسؤوليته”.

وقال الناشط السياسي التونسي إسكندر العلواني إن التبعات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تمر بها بلاده تقع على كاهل حركة النهضة، حتى وإن بدت في مسوح الضحية وألقت بالكرة في ملعب جهات داخلية أو خارجية.

وتابع “خرجت جموع من الشباب بشعارات واضحة يطالبون برحيل منظومة الحكم وحلّ البرلمان، وهي مطالب لا تستمع إليها حركة النهضة، وقد تعودنا منها على ذلك”، على حد قوله.

وأضاف العلواني أن المرحلة الحالية هي مرحلة “ما بعد الأحزاب التقليدية” وأن الشباب الذي خرج عبر منصات التواصل لن يقف مكتوف الأيدي، وسيكون هناك أسبوع حاسم في مسار الأوضاع التونسية، على حد تعبيره.

في حين، أكد الكاتب والمحلل السياسي التونسي شكري بن عيسى أن بلاده تجاوزت مرحلة الأزمة وتعيش الآن حالة من الانسداد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وأوضح أن مناطق كبرى في البلاد خرجت في احتجاجات انطلاقا من انسدادات على الأصعدة كامة وتراكمات كثيرة، وأن أسبابًا كثيرة أسهمت في الوصول للمأزق الحالي، منها تصريح رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبد الكريم الهاروني، قبل أسبوعين، بشأن تعويضات ضحايا نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

وحينها، قال الهاروني إن “الحركة كشريك في الائتلاف الحاكم متمسكة باستكمال مسار العدالة الانتقالية، وتمكين ضحايا الاستبداد من تسوية ملفاتهم وتعويضهم”.

ودعا الهاروني الذي شارك في الوقفة، رئيسيْ الجمهورية (قيس سعيد)، والحكومة (هشام مشيشي) “لتقديم مؤشرات إيجابية والدفع لتفعيل عمل صندوق الكرامة الذي أقرته الدّولة قبل 3 سنوات (2018)، ورصدت له 10 ملايين دينار (حوالي 2.7 مليون دولار) لتعويض المتضررين ورد كرامتهم”.

وقبل أيام، تواترت دعوات من ناشطين للنزول إلى الشوارع تزامنًا مع عيد الجمهورية ولكنها لم تحظ بدعم حزبي واضح.

وتواجه تونس صعوبات اقتصادية تراكمت على امتداد فترة الانتقال السياسي منذ 2011 وغذتها أزمة وباء كورونا التي أضرت بقطاعات واسعة من المجتمع والعمال والفئات الهشة وولدت سخطا عاما، وضرب الوباء تونس في الوقت الذي تكافح فيه لإنقاذ الاقتصاد الذي يعانى منذ ثورة 2011، مما يقوض الدعم الشعبي للديمقراطية مع تصاعد البطالة وتراجع الخدمات الحكومية.

والأسبوع الماضي، أقال المشيشي -على خلفية تدهور الوضع الصحي- وزير الصحة بعد مشاهد فوضوية في مراكز التطعيم خلال عطلة عيد الأضحى، عندما اصطفت حشود كبيرة بسبب نقص إمدادات اللقاح، وأعلن سعيّد أن الجيش سيتولى التعامل مع الجائحة قائلا إن خطط التصدي لها باءت بالفشل.

وتترافق احتجاجات اليوم مع أزمة سياسية ونزاعات دستورية بين الرئاسة من جهة والحكومة والبرلمان جهة ثانية.

ويطالب الرئيس قيس سعيّد بتغيير النظام السياسي الحالي والذهاب إلى نظام رئاسي، وهو ما ترفضه حركة النهضة الذي يترأس زعيمها راشد الغنوشي البرلمان.

ورأى بعض المحللين تحرك سعيد محاولة لتوسيع سلطاته خارج الدور الخارجي والعسكري المناط بالرئيس في دستور 2014.

وقد يعرقل الشلل الحكومي جهود التفاوض على قرض من صندوق النقد الدولي يعد حاسما من أجل استقرار المالية العامة للدولة، لكنه قد يشمل أيضا خفضا في الإنفاق من شأنه أن يزيد من معاناة الشعب الاقتصادية.

المصدر : الجزيرة مباشر