شبه الجزيرة العربية الخضراء.. كانت ممرا لهجرة البشر الأول من أفريقيا

أدوات حجرية تعود إلى حقب قديمة في الجزيرة العربية(مواقع التواصل)

كانت الصحراء الشاسعة في شبه الجزيرة العربية في الماضي ممراً للبشر الأول خلال هجرتهم من أفريقيا، لكن تحولت هذه الأرض القاحلة اليوم، إلى ما يمكن تسميته “شبه الجزيرة العربية الخضراء”.

وقال تقرير لفرانس برس إنه “بفعل مجموعة أحداث مناخية خلال الأعوام الأربعمئة ألف المنصرمة حولت بعض أجزاء هذه الأرض القاحلة اليوم، إلى ما يمكن تسميته شبه الجزيرة العربية الخضراء”.

وتولى فريق من الباحثين من جنسيات متعددة إثبات ذلك من خلال دراسة آلاف الأدوات الحجرية التي يعود بعضها إلى تلك الحقبة القديمة التي تعرف حالياً بصحراء النفود الكبير شمال غرب المملكة العربية السعودية.

وقال أحد المشاركين إن الدراسة التي تناولت التوسع البشري الواسع خارج القارة الأفريقية تظهر ونشرت، أمس الأربعاء، في مجلة (نيتشر) إن “شبه الجزيرة العربية كانت مفترق طرق بين القارات وجسر عبور بين أفريقيا وأوراسيا”.

وتسود إلى اليوم نظرية مفادها أن توسع البشر الأوَل خارج أفريقيا وأبرز محطاته موجة هجرة كبيرة للإنسان العاقل قبل 60 ألف عام، حصلت عبر شواطئ المشرق العربي أي الساحل الشرقي للبحر المتوسط.

وذكّر الباحث بأن حفريات تنقيب أثرية تجري في المشرق العربي منذ نحو مئة سنة، لم يكن اكتُشف في شبه الجزيرة العربية قبل عشرة أعوام أي موقع أثري يعود إلى أكثر من عشرة آلاف عام.

فيلة وأفراس نهر

وقال الباحث “كنا نعتقد أن الصحاري كانت موجودة دائماً في هذه المنطقة، ولم تكن هناك بيانات بيئية يمكن أن تظهر إلى أي مدى كانت مختلفة في الماضي”.

ومنذ ذلك الحين، رصدت صور الأقمار الاصطناعية أكثر من عشرة آلاف بحيرة قديمة جافة، أجريت دراسات على بضع مئات منها فحسب.

وفي 2018، أعلن فريق للبحث عن اكتشاف أول متحجرة بشرية في المنطقة في إحدى هذه البحيرات عبارة عن عظمة إصبع تعود إلى إنسان عاقل يبلغ من العمر 85 ألف عام.

وفي 2020، كشفت دراسة جديدة أن بحيرة قديمة في صحراء النفود الكبير شهدت مرور الإنسان العاقل قبل 120 ألف عام، وكذلك مرور الجواميس والإبل والفيلة.

وتمكن فريق بحث مشترك آخر ومن خلال العمل بالتنسيق الوثيق مع هيئة التراث في المملكة العربية السعودية، من أن يبيّن أن بحيرة قديمة تعرف باسم (خل عميشان) في أطراف منطقة تبوك، كانت تضم أفراس نهر.

وعثر علماء الآثار في خل عميشان، وهو حوض طبيعي تغزوه الآن الكثبان الرملية، على اكتشاف نادر هو عبارة عن خمس طبقات متتالية متكدسة من رواسب البحيرة.

وكانت كل طبقة من هذه الطبقات -التي يعود أقدمها إلى 400 ألف سنة عام وأحدثها إلى 55 ألف سنة- تستخدم لإنتاج نوع خاص من الأدوات الحجرية والفؤوس وأدوات الصوان ذات الوجهية.

وأفادت الدراسة بأن هذا التنوع يشير إلى “استيطان مجموعات بشرية متنوعة” هذه المنطقة.

المجموعات البشرية

وخمّن العلماء هوية هذه المجموعات المستوطنة من خلال التقنيات المستخدمة لإنتاج هذه الأدوات، وأشاروا إلى أن أقدم طبقات البحيرة (العائدة إلى 400 ألف سنة و300 ألف سنة) تبيّن أن وجود الإنسان منتصب القامة.

وكما خمّنوا أن تلك العائدة إلى 200 ألف سنة و75 ألفاً تظهر وجود الإنسان العاقل، في حين أن الطبقة الأحدث العائدة إلى 55 ألف سنة قد تعني حتى وجود إنسان (نياندرتال).

وتلتقي هذه النتائج مع منشور علمي حديث حدد على مقياس من 300 ألف سنة فترات مطيرة وموجات أخرى متغيرة، دفعت البشر إلى الهجرة من أفريقيا عبر المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية.

وأكد الباحثون على ضرورة العثور على متحجرات هؤلاء البشر في شبه الجزيرة العربية، ووصفوها بأنها “منطقة جغرافية مهمة لا يزال ينبغي كتابة تاريخها” لتكوين فهم أفضل لكيفية انتقال البشر الأوَل بعد ذلك إلى آسيا خصوصاً.

المصدر : الفرنسية