نيويورك تايمز: ماكرون يقامر بمواجهة أمريكا في أزمة الغواصات والأوربيون ليسوا معه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (غيتي)

نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية مقالا لمراسلها روجر كوهين في فرنسا تناول فيه سلوك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مواجهته الولايات المتحدة بشأن أزمة الغواصات الأخيرة.

ويرى الكاتب أن الرئيس الفرنسي يخوض مغامرة خطيرة بعدما وجّه وزير خارجيته لاستخدام لغة لا ترتبط عادة بالدبلوماسية عندما وصف الأفعال الأمريكية مستخدما مفردات مثل “الأكاذيب” و”الازدواجية” و”الوحشية” و”الازدراء”، كما استدعى السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة لأول مرة.

ويصف الكاتب هذا الأسلوب بالجرأة في الشخصية ويقول “هكذا أصبح السيد ماكرون رئيسًا في سن التاسعة والثلاثين. لقد استدعى سفيريه سابقًا أيضًا في كل من تركيا وإيطاليا خلال فترة رئاسته بسبب (إهانات متصوَّرة)”، ثم تساءل “هل يحمل ماكرون الآن أوراقًا كافية في مسألة صفقة الغواصات الأسترالية التي أفلتت من قبضة فرنسا؟”.

وردًا على الخطوة السرية بين الولايات المتحدة وبريطانيا لبيع غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى أستراليا -وهو قرار استخدمه الأستراليون لإلغاء الصفقة الفرنسية السابقة- يمكن للسيد ماكرون أن يختار التصعيد، على حد قول الكاتب، وتتمثل إحدى الأفكار التي تدور في فرنسا في انسحابها من هيكل القيادة العسكرية المتكاملة لحلف الناتو، والتي عادت للانضمام إليه في عام 2009 بعد غياب دام 43 عامًا.

غير أن هذه الخطوة ستكون راديكالية -بغض النظر عن وجهة نظر ماكرون التي عبر عنها في عام 2019 بأن الناتو “ميت عقليًا”- كما أن مسؤولي وزارة الخارجية الفرنسية استبعدوا هذا الاحتمال.

ومع ذلك، فإن تعميم الفكرة في حد ذاته يشير إلى مدى ما وصفه وزير الخارجية جان إيف لودريان بأنه “أزمة خطيرة بيننا”، ففرنسا تشعر بالإهانة ولن تنسى بسهولة ما تراه صفعة أمريكية على الوجه وصفها الوزير بأنها “غير محتملة”.

ويوجد وزير الخارجية الفرنسي في نيويورك، هذا الأسبوع، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن حتى الآن لم يتم التخطيط لعقد اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، أما ماكرون فلن يحضر، على عكس رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي سيلتقي الرئيس الأمريكي جو بايدن.

بالنسبة لإيمانويل ماكرون، فإن كارثة الغواصة تبين كيف أن حلف الناتو منهكًا إلى حد الاختلال الوظيفي بسبب انعدام الثقة، على حد تعبير كاتب المقال، فمن دون عنصر الشفافية يصبح التحالف -من وجهة النظر الفرنسية- كلمة فارغة.

إغلاق السفارة الفرنسية في واشنطن بعد استدعاء السفير (رويترز)

إن قضية أوربا الموحدة القادرة على رسم مسارها الخاص لا يمكن أن تكون أقوى مما عليه الآن بالنسبة لفرنسا وذلك بعد فشل الغواصات والفوضى الأفغانية ورفض الرئيس السابق دونالد ترمب لأوربا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي وفي ضوء الخلافات الواضحة عبر الأطلسي بشأن الصين، وفق الكاتب.

وبالنسبة للسيد لودريان -الذي يردد ما يقوله ماكرون- فإنها الطريقة الوحيدة أمام أوربا “لتبقى جزءًا من التاريخ”.

المشكلة هي أن الاتحاد الأوربي مفكك، فإهانة فرنسا قوبلت بصمت مدو حلفائها الأوربيين، وقد تحدث وزير الخارجية الفرنسي مع نظيره الألماني هايكو ماس بالفعل، لكن العلاقات الألمانية الأمريكية غير قابلة للتزعزع، على حد تعبير الكاتب.

أما بالنسبة لدول وسط أوربا مثل بولندا والمجر، فإنهم يضعون الحماية الأمريكية من خلال الناتو فوق المصالح الفرنسية في المحيطين الهندي والهادئ، وبالنسبة لهم فإن السيادة الأوربية تمثل لعنة لأنهم يريدون سيادتهم الخاصة التي كان قد سرقها الاتحاد السوفيتي منذ وقت ليس ببعيد.

ويختتم الكاتب مقاله “إن طريق عودة (العلاقات إلى طبيعتها) بين فرنسا والولايات المتحدة سيكون طويلًا. يشك السيد ماكرون في حلف الناتو، ومن شبه المؤكد أنه لن يغير رأيه في هذا الشك. أما إذا كان لديه بديل قابل للتطبيق فهذه مسألة أخرى”.

المصدر : نيويورك تايمز