من خط بارليف إلى سجن جلبوع.. فشل أمني إسرائيلي مستمر

سجن جلبوع الإسرائيلي الذي فر منه 6 سجناء فلسطينيين عبر نفق (غيتي)

جاء حادث هروب الأسرى الفلسطينيين الستة أمس الإثنين من سجن جلبوع، ليمثل آخر حلقة من سلسلة أحداث تعرضت فيها أماكن ومشروعات إسرائيلية لضربات أمنية كشفت الفشل في تحقيق الأمان للاحتلال.

وقبل حادث سجن جلبوع، يمكن الحديث عن عدة وقائع سابقة، أهمها:

خط بارليف

هو عبارة عن سلسلة من المواقع الحصينة أقامتها إسرائيل على الضفة الشرقية لقناة السويس بعد احتلالها لشبه جزيرة سيناء عام 1967، بالإضافة إلى ساتر ترابي كبير بجوار شاطئ القناة مباشرة. وأطلق عليه هذا الاسم تيمنا باسم رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق حاييم بارليف الذي أشرف على تنفيذه، وتكلفت إسرائيل نحو 500 مليون دولار لإنشاء هذا الخط.

وطوال سنوات، روجت المؤسسة العسكرية والآلة الإعلامية الإسرائيلية بأن شيئا لا يستطيع تدمير خط بارليف غير القنبلة الذرية، لكن الجيش المصري استطاع ذلك باستخدام أنابيب المياه ذات الضغط العالي، وقد مهدت عملية التدمير هذه الطريق أمام تقدم القوات المصرية إلى الضفة الأخرى من القناة في حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973.

وجاءت فكرة استخدام تلك الأنابيب من الضابط المصري الراحل باقي زكي يوسف، الذي قال في تصريحات صحفية قبل وفاته إنه استوحى الفكرة من عمله السابق في مشروع السد العالي، مشيرا إلى أن مياه القناة كانت قوية، ويمكن سحبها بمعدات وضخها في الساتر الترابي المكون لخط بارليف مثلما كان يتم في أعمال السد حيث كانت مياه النيل تضخ في الجبال التي حوله.

وجنبت الفكرة جيش مصر خسائر الأرواح المتوقعة في الأعمال التقليدية للاقتحام، تصل إلى 20%، أي ما يقرب من 20 ألف جندي، وفقا ليوسف.

اللواء باقي زكي يوسف صاحب فكرة تدمير "خط بارليف" الإسرائيلي
اللواء باقي زكي يوسف صاحب فكرة تدمير خط بارليف الإسرائيلي (مواقع التواصل الاجتماعي)

القبة الحديدية

هي منظومة دفاعية صنعتها إسرائيل للتصدي للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي تطلق من فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

وزعم الجيش الإسرائيلي أن القبة تتصدى لأغلب الصواريخ، لكن فصائل المقاومة اعتمدت على تكتيك جديد، تمثل في إطلاق رشقات كثيفة دفعة واحدة، وهو أسلوب أثبت نجاحه في اختراق القبة الحديدية وتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة لإسرائيل، تمثلت في تعطيل الحياة العامة جراء اختباء ملايين الإسرائيليين في الملاجئ.

وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو/أيار الماضي، زعم الجيش الإسرائيلي أن القبة نجحت في التصدي لنحو 90% من الصواريخ، وهو ما يعني أن 400 صاروخ نجحت في اختراقها. لكن حلقة من برنامج (للقصة بقية) على شاشة الجزيرة، أوردت شهادة حصرية لأحد مهندسي صناعة القبة الحديدية – اشترط إخفاء معالم وجهه خشية تهديدات وصلته بالقتل – بأن القبة الحديدية الإسرائيلية هي كذبة كبيرة.

وأوضح المهندس الإسرائيلي – الذي تم إقصاؤه من فريق العمل بالقبة – أن إخفاقات عمل القبة الحديدية تعود بداياتها إلى العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2012، رغم أن القدرات الصاروخية للفصائل الفلسطينية كانت في أولى مراحل تطورها النوعي، وهو رأي أكده الخبير الأمريكي ثيودور بوستول الذي كان أول من شكك في فاعلية القبة الحديدية عند أول اختبار ميداني لها منذ ما يقارب 10 سنوات.

كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن ارتكاب منظومة القبة الحديدة الدفاعية خطأ تمثل في إطلاقها صاروخا اعتراضيا عن طريق الخطأ تجاه طائرة حربية إسرائيلية ما أدى إلى إصابتها بشظايا.

وفي 25 من مايو/أيار الماضي، كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي نقلا عن مصدر عسكري أن المنظومة الدفاعية أسقطت بالخطأ طائرة مسيّرة تابعة للجيش خلال عملية (حارس الأسوار) في إشارة إلى العدوان الأخيرة على غزة.

وأشارت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إلى التكلفة الباهظة جدا لاعتراض كل صاروخ محلي الصنع يطلقه فلسطينيون من غزة والتي تقدر من 50 إلى 100 ألف دولار لكل اعتراض، بينما تبلغ تكلفة صواريخ المقاومة ما بين 300 إلى 800 دولار لكل صاروخ.

سجن جلبوع

قبل 17 عاما، افتتح الاحتلال الإسرائيلي سجن جلبوع بعد إنشاء تحصينات داخل السجن بأكثر من ضعفي بقية السجون وتفاخر بأن جلبوع أكثر تحصينًا من خزينة بنك إسرائيل المركزي وزج فيه بمئات الأسرى الفلسطينيين بعد حملات اعتقال واسعة شهدتها سنوات انتفاضة الأقصى.

وقالت مصلحة السجون الإسرائيلية عند افتتاح السجن إنها استخلصت العبر من محاولات الهروب عبر الأنفاق من السجون الأخرى، مشددة على أنه “لن يهرب أحد من جلبوع” وهي التصريحات التي أعيد تداولها بعد هروب 6 أسرى فلسطينيين استطاعوا تفنيد المزاعم الإسرائيلية.

ويقع سجن جلبوع في الغور غربي مدينة بيسان داخل الخط الأخضر ويعدّ ذا طبيعة أمنية مشددة للغاية ويوصف بأنه السجن الأشد حراسة بين السجون الإسرائيلية الأخرى وأطلق عليه اسم “الخزنة الحديدية”.

وافتتحت إسرائيل السجن في أبريل/نيسان 2004، واستعانت بشركة أيرلندية لبنائه وهو يتكون من 5 أقسام في كل منها 15 غرفة تتسع لثمانية أسرى وتحيط بها جدران خرسانية مرتفعة تعلوها أسلاك شائكة بالإضافة إلى كاميرات المراقبة التي تعمل على مدار الساعة.

وأصبح السجن أحد أكثر السجون قسوة في التعامل مع الأسرى نتيجة عمليات القمع والتنكيل بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الرطوبة في غرفه لكن عملية الهروب جعلت السجن وإجراءاته الأمنية محط انتقادات إسرائيلية لاذعة.

وتصدر اسم سجن جلبوع الأكثر تداولًا في عدة دول عربية وهو ما تفاعل معه الآلاف من المغردين العرب إلى جانب وسم (نفق الحرية) حيث تمكن الأسرى الستة من الفرار “وانتزاع حريتهم” فجر أمس الإثنين.

وأمس، أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلي عن فرار 6 أسرى من سجن جلبوع عبر نفق حفروه سرًا، وهم: زكريا الزبيدي، القائد السابق في كتائب شهداء الأقصى وعضو المجلس الثوري للحركة، بالإضافة إلى مناضل يعقوب نفيعات، ومحمد قاسم العارضة، ويعقوب محمود قادري، وأيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله العارضة.

وصدمت عملية فرار الأسرى، الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية وسببت حرجًا بالغًا لسلطات الاحتلال. ووصف معلقون فرار الأسرى من خلال نفق نجحوا في حفره على مدى عدة أشهر من داخل زنزانة إلى خارجه بأنه “مشابه تمامًا لما يجري في الأفلام”.

وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان الفلسطينية فإن سجن جلبوع يوصف بأنه السجن الأشد حراسة ويحتجز الاحتلال فيه أسرى فلسطينيين يتهمهم بالمسؤولية عن تنفيذ عمليات داخل أراضي فلسطين المحتلة عام 1948.

اختراقات إلكترونية

تصنف إسرائيل ضمن أعلى الدول على مستوى العالم من ناحية الأمن المعلوماتي وظهر اسم شركات إسرائيلية عديدة ضمن فضائح تتعلق بالتجسس والقرصنة وأبرزها شركة (إن إس أو) المسؤولة عن برنامج (بيغاسوس) الذي استخدم للتجسس على الآلاف من النشطاء والصحفيين والمسؤولين على مستوى العالم.

ورغم ذلك، إلا أن إسرائيل تعرضت لعدة ضربات واختراقات على هذا المستوى أبرزها العام الماضي، عندما نجح قراصنة إنترنت في اختراق الموقع الإلكتروني وخوادم شركة (شيريت) الإسرائيلية، وسرقوا معلومات شخصية عن مئات الآلاف من زبائنها.

وكانت تلك الشركة فازت بمناقصة لتأمين سيارات خاصة لموظفي الدولة ووزارة حكومية وفيها عدد كبير من الذين يخدمون في الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

وأشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن جميع معلومات الشركة والتفاصيل الشخصية عن جميع الزبائن قد تسربت في إطار هذا الهجوم وبينها تفاصيل تراخيص سيارات وأرقام هويات وبطاقات ائتمان وتقارير مالية وكشوف عن صناديق ومخصصات توفير للزبائن ومن بينهم من يخدمون في الوزارات ومؤسسات الدولة والأجهزة الأمنية والاستخبارية.

وقبل هذا الحادث بنحو عامين، تعرّضت منظومة شركات المال والأعمال في إسرائيل إلى هجوم سيبراني استهدف خوادم 24 من كبرى شركات المال والأعمال في إسرائيل لكن تم إحباط الهجوم.

اصطياد الجنود

استطاعت فصائل المقاومة الفلسطينية استخدام وسائل التكنولوجيا لاصطياد واستهداف الجنود الإسرائيليين لعدة أشهر.

ففي فبراير/شباط من العام الماضي كشف الناطق بلسان جيش الاحتلال أن حركة المقاومة الإسلامية(حماس) اخترقت هواتف جنود إسرائيليين عبر 3 تطبيقات تنقل المعلومات من الهواتف بما فيها الكاميرا وتشغيل المسجل على الهواتف.

واستطاع أفراد من حماس إقناع جنود وضباط إسرائيليين بالاستمرار في التواصل عبر هذه تطبيقات معينة، بعد تظاهرهم بأنهم شخصيات نسائية. وبمجرد تثبيت التطبيق وتشغيله يعرض رسالة خادعة تفيد بأن الجهاز لا يدعم التطبيق وأن التطبيق سيتم حذفه وهو ما لا يحدث إذ يستمر التطبيق بالعمل في الخلف من دون أن يلاحظه المستخدم وتتصل تلك البرمجية بخوادم خاصة بحركة حماس.

بين بارليف وجلبوع

أثار حادث فرار الأسرى من سجن جلبوع ضجة كبيرة على مواقع التواصل وقارن مغردون ونشطاء بين ما فعله الأسرى لبلوغ حريتهم باستخدام أدوات بسيطة وبين ما قام به الجيش المصري من تحطيم الساتر الترابي لخط بارليف باستخدام خراطيم وأنابيب مياه مؤكدين أن هذا الفشل الإسرائيلي يحطم الصورة التي تحاول تل أبيب ترويجها عن نفسها.

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر