لعبة تشارلي وأخواتها.. لماذا تجذب المراهقين؟ وكيف نحمي أبناءنا من مخاطرها؟

موجة من الخوف والقلق تجتاح البيوت العربية بعد انتشار مقاطع مصورة لألعاب خطيرة تسبب أضرارا عقلية وبدنية للأبناء.

ويرتبط الحديث عن تلك الألعاب بمنصة تيك توك والتي أعلنت دراسة جديدة لمركز مكافحة الكراهية الرقمية المعروف اختصارا بـ”سي سي دي إتش” (CCDH)، أن التطبيق ينشر محتوى يدعو لإيذاء النفس ويسبب اضطراب الأكل، وأن خوارزمية تيك توك تنشر محتوى ضار يشجع على الانتحار.

لعبة “تشارلي” أو “الشيطان المكسيكي”

يصعب التحديد بدقة بلد المنشأ، ولكنها ترجع لألعاب المدارس البدائية القديمة في الدول اللاتينية الناطقة بالإسبانية، واللعبة تعمل على فكرة استدعاء الأرواح مثل لعبة ويجا. وهي عبارة عن صفحة مقسمة إلى أربع مربعات فيها إجابات نعم ولا موزعة بالتساوي. والورقة مقسمة من خلال خطين متقاطعين على شكل “+” كبير، ويتم وضع قلمي رصاص على امتداد هذين الخطين بحيث يتقاطعان مع بعضهما ويكون أحدهما فوق الآخر .

وطلبا لمزيد من الإثارة؛ قد يقوم اللاعبون برسم بعض الطلاسم على الورقة وجرح أنفسهم بإبرة أو شفرة حلاقة ووضع قطرات من الدم على الورقة وقراءة “معوذات لاستدعاء الشياطين أو روح تشارلي”.

وبعد التحضير ينادي المشاركون: “تشارلي .. تشارلي .. هل أنت هنا؟ “، وحينئذ يتحرك رأس القلم الذي في الأعلى ويتجه نحو كلمة نعم، فيبدأ اللاعب بتوجيه أسئلة إلى المدعو تشارلي ليجيب عليها بتحريك القلم فوق كلمتي نعم أو لا .

وكما في لعبة ويجا فإن اللاعب يجب ألا يترك اللعبة فجأة وبدون صرف تشارلي بشكل لائق قائلا: “تشارلي تشارلي هل نستطيع التوقف عن اللعب الآن؟ “، فإذا تحرك القلم نحو كلمة نعم، يمكن للاعب أن يترك اللعب بعد أن يودع شارلي وإلا عليه الاستمرار حتى لا يتعرض لنهاية محزنة ومرعبة، بحسب قوانين اللعبة.

من هو تشارلي؟

يذاع في الدول اللاتينية أنه طفل انتحر نتيجة بؤسه، أو تم قتله في حادث شنيع، أو مدرس منبوذ كان يتحرش بالأطفال مما تسبب بقتله على يد الأهالي لذا يعود للانتقام من طلاب المدارس. ويُنقل عن بعض رجال الدين في أمريكا اللاتينية أن تشارلي هو شيطان مكسيكي يتلاعب بالمراهقين حتى يسكن أجسادهم ويدمرهم.

الإيحاء العقلي والتفسير العلمي

واللعبة تسببت خلال السنوات الماضية في حالات نفسية خطيرة نتيجة الرعب الشديد والهياج العصبي، وكثير ممن لعبوها يؤمنون أنها حقيقة وأن تشارلي يطاردهم.

أما أهل التفسير العلمي فيؤكدون أن الأقلام تتحرك بعوامل فيزيائية وبفعل الجاذبية، لأن وضع قلمين فوق بعضهما لابد أن يؤدي حتما إلى حركة القلم الذي في الأعلى بعد ثواني قليلة، بسبب انزلاقه استجابة لقواعد الجاذبية، ونتيجة أي نسمة هواء ولو من تنفس اللاعبين. وأن أي ادعاءات أخرى فهي من وحي عقول اللاعبين.

تحدي القفز لأعلى

لعبة يفوز بها من يتم قذفه لأعلى نقطة، وكان أقرب ضحاياها طالب بالمرحلة الإعدادية في مصر (13 عاما)، وقد تردد إصابته بكسور بليغة في العمود الفقري والنخاع الشوكي إثر قيام زملائه بقذفه إلى أعلى ثم تركه ليسقط فجأة على الأرض على رأسه ورقبته.

تحدي كتم الأنفاس

تحدي بين الطلاب يفوز به القادر على التنفس بسرعة كبيرة ثم كتم النفس أطول فترة ممكنة فيما يقوم مشترك آخر بالضغط على منطقة الصدر وتحديدًا القلب بقوة لعدة ثوان ما يؤدي إلى انقطاع الأكسجين عن القلب والدماغ، وقد تسبب في اختناقات وإغماءات ويؤدي إلى وفاة أحيانا.

وانتشرت اللعبة عبر تيك توك، حيث يقوم اللاعب بالدخول على التطبيق وتعتيم الغرفة، وبعدها يسجل المشارك مشاهد للحظات كتم نفسه، بدعوى أنهم سيشعرون بأحاسيس مختلفة، ومع محاولة كتم النفس أطوف فترة قد تسبب في إغماء أو حالات اختناق.

 

لماذا تنتشر تلك الألعاب الخطيرة بين المراهقين؟

من المعروف أن مرحلة المراهقة هي الأكثر عرضة في حياة الفرد للإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية أو السلوكية، مما قد يدفع إلى تصرفات غير سوية لا يمكن التنبؤ بها أحيانا.

وتتسم هذه المرحلة بالفضول والتحلي بروح التحدي والمغامرة والرغبة في قضاء وقت ممتع خارج عن الروتيني والمألوف، كما تتسم المراهقة مؤخرا بعدم النضج مع حالة كبيرة من الملل والفراغ الشديد.

ويستهدف مصممو الألعاب تلك الفئة من المراهقين بألعاب مثل تشارلي لما فيها من غموض وإثارة وفتح أبواب ما وراء الطبيعة وتحدي الخوف من المجهول. لذا تعتمد اللعبة على أدوات بسيطة يحملها كل طالب مدرسي (الورقة والقلم).

الآثار النفسية والعقلية

وجه علماء وأطباء النفس تحذيرات شديدة اللهجة من الآثار الطويلة والمريرة لتك الألعاب مثل تشارلي، حيث قد تستمر شكوى اللاعبين من رؤية ظلال سوداء أو سماع ضحكات طفل وتخيلات المطاردة من شبح، غير رؤية الكوابيس والشعور بالخوف والهلع. كما أن عقول المشاركين قد توحي لهم العديد من الأمور المخيفة، مما قد يدفع إلى الجنون أو الانتحار أو ارتكاب جرائم عنيفة.

كما تسبب تلك الألعاب انخفاض واضح في ذكاء الطفل وقدرته على الاستيعاب وتحصيله الدراسي، لانشغاله عقله بالخيالات.

رفض ديني

ونالت اللعبة قديما وحديثا انتقادات واسعة من رجال الكنيسة وعلماء الدين الإسلامي، لما فيه من مخالفة النصوص السماوية بمحاولة كشف الغيب عن طريق الأرواح الشريرة، وكذلك لما فيها من مخاطر وأضرار.

ووضع مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية عددا من الضوابط للألعاب الإلكترونية؛ مثل ألا تشغلهم عن الفرائض مثل الصلاة وبر الوالدين أو الواجبات كطلب العلم أو الرزق وألا تسبب ضررا لهم أو تلحق ضررا بالغير كالجيران، وأن تخلو من الاختلاط المُحرَّم أو كشف العورات. كما يجب أن توافر فيها ما ينمي مهارات الأبناء ويستثمر أوقاتهم لبناء الذات.

الهجوم خير وسيلة للدفاع

أوسع الأبواب لدخول تلك الألعاب هو الفراغ والجهل والصحبة السيئة. ولأن المراهقة مرحلة خاصة، فلابد أن تعد لها ما يلزمها:

1- أعمل على منح أبنائك في سن المراهقة ما يشغلهم ويستوعب طاقاتهم البدنية مثل الاشتراك والتدرب بشكل احترافي منتظم في الأنشطة البدنية الفردية والجماعية.

2- لبي حب المغامرة عند المراهق فاصطحبه في رحلات ونزهات خلوية، وقم معه بأنشطة مشوقة كتسلق الجبال أو التجديف في مجاري الأنهار أو على الأقل الألعاب المثيرة في الملاهي.

3- استغل أوقات الطقس المعتدل للمبيت خارج البيت في خيمة أو وسط الطبيعة، مع القيام بأنشطة كالشواء والألعاب الخلوية الحركية.

4- استغل الأنشطة الخارجية في منح كل فرد خلوة خاصة للتأمل والتفكر، وشجعه باستمرار على استغلال أوقات انفراده على التفكير في مسار حياته ماضيا ومستقبلا، والتدبر في خلق الله ومشيئته بما يعمق معاني العقيدة.

5- امنح طفلك الثقة في النفس وعلمه أن يكون قائدا لا تابعا فلا يتبع قول أي فرد.

6- صادق ابنك لتكون له الصديق المقرب لا أبا فقط، ولتبدأ صداقتك معه تعود اصطحابه حتى في جلسات أصدقائك واحك له عن أسرارك وتجاربك السلبية، ليتعود هو المثل.

7- عود طفلك الرجوع إليك لو انتابه الفضول بأي موضوع وأن أي تجربة ولو مجنونة يمكنه عملها معك حال كانت ممكنة، واستقبل أي تساؤل أو رغبة بكل هدوء وتفهم. ووضح له أن عندك جوابه لكل فضول أو يمكنكم البحث سويا عبر الإنترنت للاكتشاف.

8- اسع للتعرف على أهالي زملائه في المدرسة واصنع علاقات مع من تعرف عنهم الصلاح والفضل حتى يكون أبناؤهم أصدقاء لابنك في المدرسة، مما يبعد عنهم رفقة السوء.

9- احرص على الحد من استخدامك أولا ثم استخدام أطفالك للأجهزة الذكية، واجعل الاستخدام الضروري لها في وسط العائلة وليس بانفراد مع الحرص على المتابعة القريبة لكل ما يتابعه ابنك أو يمارسه من أنشطة عبر الإنترنت.

10- إن كان لابد من الألعاب الإلكترونية، فقم مع أبنائك بانتقاء ما يناسبهم ولا يعود عليهم بالضرر.

11- علم أبناءك الضوابط الشرعية للإبحار في عالم الإنترنت؛ بألا يكون فيه ما يضرهم أو مقاربة لحرام من فعل أو قول أو اختلاط مرفوض أو إلهاء عن الصلاة والواجبات.

12- علم أبناءك العواقب الخطيرة والسلبية من وراء تلك الألعاب المشبوهة، وأن مجال متعتها وقتي ومحدود أما أضرارها فقد تطارهم طوال عمرهم.

13- ابحث عن مهارات طفلك ومكامن الشغف عنده من هوايات لتنميها وتساعده عليها، كأن تحضر له أدوات الرسم أو تشتري له مضرب كرة الطاولة وأن تشترك له في الكورسات التي تجذبه.

14- قم بتحميل برامج على أجهزة الأطفال تمنع نزول أي تطبيق فيه خطورة عليهم أو قم بربط حسابهم بحساب الأم أو الأب للإحاطة بكل ما يتابعه الأبناء.

15- ضرورة عمل حملات توعية داخل المؤسسات التربوية والتعليمية لتحذير الأهالي وأبنائهم من تلك الألعاب والتعرف على كيفية الوقاية منها مع قيام المدارس ومسؤولي التعليم بمراقبة أنشطة الطلاب وملاحظة أي تصرف غير معتاد للوقاية منها.

العلاج

أما في حال أن الفأس وقعت فعلا بالرأس، فلا تستهين بالأمر وتقول سوف يتعافى مع الأيام، لأن بعض المضاعفات يكون خطيرا في بعض الأحيان.

لذا عليك أن تقنع ابنك بمختلف الطرق وتصحبه فورا لأحد المختصين النفسيين وأن يباشر معه العلاج المطلوب والذي لابد أن يشارك فيه الأسرة والعائلة والمدرسة.

المصدر : الجزيرة مباشر