في ذكرى انتهاء الحرب.. ماكرون: سيأتي يوم تسلك فيه الجزائر طريق “تهدئة الذاكرة”

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يفتح يديه لقادة الجزائر لبناء ذاكرة مشتركة (غيتي)

شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم السبت، في مراسم بمناسبة ذكرى مرور 60 عاما على توقيع اتفاقيات إيفيان، على المبادرات المتعلقة بذاكرة حرب الجزائر التي اتخذها منذ بداية ولايته، مؤكدا أنه “سيأتي يوم تسلك فيه الجزائر هذا الطريق”.

وتحيي فرنسا ذكرى توقيع اتفاقيات إيفيان ووقف إطلاق النار بالجزائر، في خضم حملة انتخابية قبل 3 أسابيع من الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي.

وقال ماكرون إنه مقتنع بنهج “اليد الممدودة” للجزائر. وذكّر بكل المبادرات التي طُرحت منذ عام 2017 لـ”تهدئة ذاكرة” هذه الحرب، معترفا بأنها أثارت “مشاعر استياء” في فرنسا مثل الجزائر.

ودُعِي نحو 200 شخص إلى قاعة الحفلات في قصر الإليزيه، يمثلون الشهود على كل الوقائع المرتبطة بالحرب الجزائرية من مجندين ومقاتلين واستقلاليين وحركيين وعائدين إلى فرنسا.

وصرّح ماكرون أمام هؤلاء “سيقول كثيرون لمَ تفعل كل هذا؟ إنك لست جديا والجزائر لا تتحرك. وفي كل مرة أواجههم بالجواب نفسه: أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تسلك فيه الجزائر هذا الطريق”.

ولم يحضر المراسم في القصر الرئاسي أي مسؤول جزائري على الرغم من دعوة السفير محمد عنتر داود، وفق الإليزيه.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى الجزائر عام 2017 (رويترز)

وبعد 60 عاما، ما زال 19 من مارس/آذار 1962 -يوم دخول وقف إطلاق النار الموقّع بين الجيش الفرنسي والاستقلاليين الجزائريين حيز التنفيذ- موضع جدل في فرنسا.

وقد كرّسه قانون صدر في 2012 “يوما وطنيا للذكرى والتأمل في ذكرى الضحايا المدنيين والعسكريين للحرب الجزائرية والقتال في تونس والمغرب”.

لكن العائدين إلى فرنسا يعتقدون أن اتفاقيات إيفيان لا تمثل نهاية الحرب الجزائرية التي بدأت في 1954، بسبب العنف الذي استمر حتى استقلال الجزائر في 5 يوليو/تموز 1962 وانتهى برحيل مئات الآلاف منهم إلى فرنسا.

ردود يمينية

ويؤيد هذا الموقف عدد من مرشحي اليمين واليمين القومي، إذ تعهدت فاليري بيكريس -مرشحة حزب الجمهوريين- بإيجاد “تاريخ آخر” غير 19 مارس لإحياء ذكرى انتهاء هذه الحرب.

وقالت إن “8% من الضحايا المدنيين سقطوا بعد اتفاقيات إيفيان”، مشيرة إلى إطلاق النار في شارع إيسلي بالعاصمة الجزائرية في 26 مارس 1962، الذي قتل فيه الجيش عشرات من أنصار “الجزائر الفرنسية”.

كما أشارت إلى مجزرة وهران في الخامس من يوليو/تموز 1962 التي طالت “مئات الأوربيين معظمهم من الفرنسيين” وذكّر بها ماكرون في يناير/كانون الثاني الماضي.

وأشارت المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان إلى أنها تعترض “منذ فترة طويلة” على 19 مارس لأن “عشرات الآلاف من الحركيين قُتلوا بوحشية” بعد ذلك التاريخ ، في إشارة إلى المقاتلين بصفوف الجيش الفرنسي.

وفي مواجهة هذا الجدل، تقدّم الرئاسة إحياء ذكرى 19 مارس/آذار على أنها “خطوة” على طريق الذاكرة “لكنها ليست النهاية”.

وتشهد العلاقات بين البلدين تهدئة بعد عامين من التوتر.

وذكر الإليزيه أن ماكرون سعى من خلال سلسلة من المبادرات إلى إرساء “مصالحة بين فرنسا والجزائر” وكذلك بين “الذاكرات المجزأة” في فرنسا.

رفات 24 من المقاومين الجزائريين قطعت رؤوسهم خلال الغزو الفرنسي (غيتي )

وبتوصيات من المؤرخ بنجامان ستورا، اعترف بمسؤولية الجيش الفرنسي عن موت عالم الرياضيات الشيوعي موريس أودان، والمحامي القومي علي بومنجل خلال معركة الجزائر العاصمة في 1957.

وأقيم في أمبواز (وسط فرنسا) نصب لذكرى عبد القادر البطل الوطني الجزائري في رفض الوجود الاستعماري الفرنسي، وأعيدت جماجم مقاتلي المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر إلى البلاد.

لكن الجزائر التي تطالب فرنسا باعتذار رسمي عن الاستعمار لم تتابع العمل المتعلق بالذاكرة، إلا أن الإليزيه قال “إنها يد ممدودة وستظل ممدودة”.

وأوضحت الرئاسة أن المسألة في المجتمع الفرنسي هي “تكوين ذاكرة مشتركة وسلمية على الأمد الطويل”.

المصدر : الجزيرة مباشر + الفرنسية