من تونس حتى الصومال “غزو أوكرانيا” يُفسد الاستعدادات لشهر رمضان

ارتفاع كبير في أسعار المواد التي يقبل الناس على شرائها في رمضان (الأناضول)

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تجد عائلات كثيرة نفسها عاجزة عن توفير كلفة موائد الإفطار الغنية بأطباقها، بعدما فاقمت العملية العسكرية التي قامت بها روسيا في أوكرانيا، أزمات الغذاء.

وتعاني الكثير من الدول في المنطقة العربية وغيرها، من أزمات غذاء أساسًا، وجاءت العملية العسكرية الروسية لتزيدها، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة.

ومن تونس حتى الصومال، يكافح السكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل تأمين قوتهم اليومي، على وقع الأزمات الاقتصادية أو النزاعات التي تلقي بثقلها عليهم.

وزاد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود -في الأسابيع الأخيرة- الوضع سوءًا مع اقتراب شهر رمضان للعديد من الأسر التي تكافح في سبيل توفير الحد الأدنى من احتياجاتها.

معرض للسلع الاستهلاكية المدعومة في العريش (رويترز)

ارتفعت “بشكل جنوني”

قالت سيدة فلسطينية تقيم في قطاع غزة “يؤثر غلاء الأسعار في الناس، ويُفسد أجواء رمضان، وتسأل “كيف سيعدّ الصائمون مائدة رمضان؟ الطحين والخبز ارتفع ثمنهما، وكلفة زيت الطهي والسكّر والحلويات مرتفعة”.

وارتفعت الأسعار، وفق السلطات في القطاع، بنسبة تصل 11%، ما جعل السكان يشعرون بحالة من الإحباط قبيل رمضان، على ما يقول مدير الجمعية الزراعية للّحوم والدواجن في قطاع غزة.

وحذّرت منظمات دولية من تداعيات “الغزو” على صعيد نظام الغذاء العالمي والجوع، ودقّ صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر، مشددًا على أنّ النزاع في أوكرانيا سيعني مجاعة في أفريقيا.

سلع رمضانية في أحد الأسواق بالعاصمة اليمنية صنعاء (غيتي أرشيف)

وتبدو تداعيات ذلك واضحة في دول تشهد نزاعات على رأسها اليمن، البلد العربي الأكثر فقرًا، والذي أسفرت حرب تمزّقه منذ سنة 2014 عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وتنتج أوكرانيا نحو ثلث إمدادات القمح إلى اليمن، ما يثير خشية من اتساع هوة الجوع في بلد ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف منذ العام الماضي، وفق الأمم المتحدة، وباتت غالبية السكان، بطريقة أو بأخرى، غير قادرين على إعالة أنفسهم.

قال مواطن يمني يقيم في صنعاء، إن السكان اعتادوا ارتفاع الأسعار قبل رمضان، “لكن هذه السنة ارتفعت بشكل جنوني، والناس لم يعودوا قادرين على التحمّل”.

وأضاف “هناك وضع اقتصادي صعب جدًا، معظم الناس في اليمن فقراء لا يجدون قوت يومهم”.

أحد محال الحلوى في دمشق (غيتي)

تقنين توزيع السلع

وفي سوريا حيث دخل النزاع عامه الحادي عشر، لا يبدو الوضع أفضل بينما يعاني قرابة 60% من السكان انعدام الأمن الغذائي.

وعلى وقع الحرب في أوكرانيا، باتت بعض المواد التموينية شبه مفقودة، وتعمل الحكومة التي تعتمد على حليفتها روسيا في توفير القمح، على تقنين توزيع سلع محددة خصوصًا الطحين والسكّر وسط خشية من حدوث شح.

قالت ربّة منزل من دمشق “اعتقدتُ أن مائدتنا الرمضانية في السنة الماضية ستكون الأفقر على الإطلاق، لكن يبدو أن هذه السنة سوف نشطب أصنافًا إضافية من مائدتنا اليومية”.

وأضافت “ليس باستطاعتنا توفير أكثر من وجبة واحدة في اليوم، وأخشى أن نعجز في المستقبل عن تأمينها حتى”.

أحد الأسواق في تونس في شهر رمضان (غيتي أرشيف)

جمع التبرعات

وفي تونس، استبقت الجمعيات الخيرية شهر رمضان ببدء جمع التبرّعات للعائلات الفقيرة، عبر نشر متطوّعين أمام المحال التجارية مع قوائم بالمواد الغذائية الأساسية المطلوبة.

لكنّ وتيرة جمع التبرعات مختلفة هذا العام، على وقع تدهور الوضع الاقتصادي، وانخفاض القدرة الشرائية، وتسجيل نقص في العديد من المواد الغذائية الأساسية في الأسابيع الأخيرة.

قال طالب متطوّع “عادة تمتلئ عربة التسوّق بعد ساعة، لكن الحال مختلف هذا العام” مشيرًا إلى أن بعض الأشخاص يقولون “دعونا نجد ما نحتاجه أولًا”.

وفي لبنان، اعتادت المنظمات الخيرية تكثيف مساعداتها للمحتاجين خلال شهر رمضان، لكن الأزمة الاقتصادية التي تغرق بها البلاد قلبت الوضع رأسًا على عقب، خصوصًا بعدما بات 80% من السكان تحت خط الفقر.

وفي وقت يصعب العثور على الدقيق في المحال التجارية، وتندر أصناف زيت الطهي المتوافرة، تسجل أسعار الخضار ارتفاعًا غير مسبوق بات معه إعداد “الفتوش” وهو سلطة أساسية على مائدة رمضان، ترفًا.

الأزمة في أوكرانيا أثرت في الكثير من الأسر الصومالية (غيتي)

تسعير الخبز المدعوم

وفي مصر، وللمرة الأولى منذ توليه السلطة، أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكومة بتسعير الخبز غير المدعوم، بعدما ارتفع ثمنه بأكثر من 50%، وفقدت العملة المحلية 17% من قيمتها الشهر الحالي، وتعد مصر مستوردًا رئيسًا للقمح من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

قالت سيدة مصرية، تعمل بائعة خضار متجوّلة في غرب القاهرة “من اعتاد شراء 3 كيلوغرامات من الخضار، بات يشتري كيلوغرامًا واحدًا”.

أما في الصومال التي تشهد أسوأ موجة جفاف منذ أربعين سنة، مع استجابة دولية خجولة للاحتياجات بسبب أزمات أخرى آخرها الحرب في أوكرانيا، يبدو المشهد الرمضاني قاتمًا.

ويتسبّب ارتفاع الأسعار بانخفاض القدرة الشرائية للسكان البالغ عددهم 15 مليونًا، وقالت سيدة صومالية من مقديشو “سيكون رمضان مختلفًا للغاية هذا العام”.

وحتى في السعودية، الدولة النفطية الغنية، يشعر بعض السكان بالضيق جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وقال موظف في القطاع الخاص، “ارتفعت أسعار كل شيء، في كل مرة أدفع عشرين أو ثلاثين ريالًا إضافية على السلعة ذاتها”.

واستبقت قطر، الدولة الخليجية الثرية، بدء شهر رمضان بإقدام وزارة التجارة والصناعة على تخفيض ثمن أكثر من 800 سلعة استهلاكية أساسية، في مبادرة تستمر حتى نهاية الشهر المبارك.

المصدر : الفرنسية