بعد لجوء بوتين لحرب الإمدادات.. هل تستطيع أوكرانيا الاستغناء عن الغاز الروسي؟

حجم إمدادات الغاز الروسي لأوربا يصل إلى 107.5 ملايين متر مكعب يوميا (رويترز)

كشفت صحيفة لوموند الفرنسية أنه مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا التي دخلت شهرها الثالث، ما زال السؤال مطروحا حول مدى استقلال الاقتصاد الأوكراني، وهل يمكن لكييف العيش دون نقل الغاز الروسي إلى الغرب؟

الغاز في قلب المعركة

وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعا الأوربيين إلى تمديد عقوباتهم الاقتصادية لتشمل الغاز والنفط وإيقاف مشتريات الغاز من موسكو، لكن الاتحاد الأوربي رفض المقترح. وزعمت دول أوربية وخاصة ألمانيا أنها لن تكون قادرة في المدى القصير على الاستغناء عن الغاز الروسي.

وتُعد أوكرانيا من أكثر الدول استهلاكا للطاقة في أوربا، إذ يشكل الغاز ما يقرب من ثلث استهلاكها السنوي، يليه الفحم بـ30% والوقود النووي بـ21%.

وشددت الصحيفة على أنه رغم أن أوكرانيا تنتج بعض الغاز، إلا أنها تعتمد تاريخيا على الخارج في إمداداتها.

وأدت الأزمات الاقتصادية المتتالية التي عصفت بالبلاد، لا سيما أزمة 2009 وكذلك الصراع في دونباس منذ 2014، إلى انخفاض النشاط الاقتصادي والإنتاج الصناعي.

وفي 2019، انخفضت احتياجات أوكرانيا من الغاز إلى النصف مقارنة بعام 2006، وغطى إنتاجها الوطني 70% من احتياجاتها، في حين استوردت 30% المتبقية.

التدفقات العكسية

وأشارت الصحيفة إلى أنه خلال الحقبة السوفيتية، استفادت أوكرانيا من انخفاض أسعار الغاز، واعتمدت الدولة تاريخيا بشكل كبير على موسكو في إمداداتها.

وفي 2013، اشترت شركة كييف 92% من الغاز المستورد من شركة غازبروم الروسية العملاقة.

وفي 2016، انخفضت هذه النسبة إلى الصفر، بعد ضم شبه جزيرة القرم وأزمة الغاز التي عصفت بالبلدين عام 2014، وحينها أوقفت أوكرانيا مشترياتها من موسكو.

وتابعت الصحيفة أن كييف تشتري الآن غازها من الدول الأوربية بما فيها سلوفاكيا وبولندا والمجر، مضيفة أن هذه الإمدادات نتيجة لما يسمى “التدفقات العكسية”، أي الانتقال من الغرب إلى الشرق، بينما ينتقل الغاز تاريخيا من الشرق إلى الغرب.

حذر بوتين دول الاتحاد الأوربي من أن عليها فتح حسابات بالروبل لتسديد ثمن الغاز الروسي (رويترز)

واعتبرت الصحيفة أنه لطالما كانت هذه “التدفقات العكسية” من الاتحاد الأوربي أغلى بكثير بالنسبة لأوكرانيا من الغاز الذي تشتريه من روسيا.

وفي 2014، أنهت روسيا تخفيض الأسعار الممنوحة للحكومة الأوكرانية برئاسة فيكتور يانوكوفيتش، مما جعل الشراء من الأوربيين أكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية لكييف.

الخروج من التبعية

وبصرف النظر عن روسيا، فإن أوكرانيا غنية بالموارد الطبيعية، ولديها ثاني احتياطيات معروفة من الغاز الطبيعي في أوربا بعد النرويج. ومع ذلك فلا تزال إمكاناتها غير مستكشفة جزئيا وقليلة الاستغلال إلى حد كبير، حيث لا يتجاوز معدل استغلال احتياطيات الغاز الطبيعي الأوكراني 2% سنويا.

وكشفت مجلة هارفارد الدولية عام 2020 أن “الاستغلال الحازم للموارد الأوكرانية المعروفة والمتاحة يمكن أن يؤدي إلى زيادة إنتاج الغاز الأوكراني بشكل كبير”.

واضافت أن هذا التوجه الصارم “لن يسمح فقط للبلد بتغطية احتياجاته من الغاز المحلي بالكامل، بل سيجعل أوكرانيا مكتفية من الطاقة إلى حد كبير”.

وكان المعهد الأوكراني للمستقبل قد قيّم الوضع ذاته عام 2016، حينما أوضح أن الاستغلال العقلاني لمخزون الطاقة الأوكراني سيوفر على خزينة الدولة 19.5 مليار دولار سنويا.

وخلصت الصحيفة إلى أن خسارة شبه جزيرة القرم وحقول الغاز البحرية عام 2014 تدعو إلى مراجعة تقديرات الاحتياطيات الأوكرانية، لا سيما أن الحرب تشمل المناطق التي توجد فيها الموارد الهيدروكربونية الرئيسية في البلاد، مثل منطقة دنيبر دونيتسك في الشرق التي توفر 90% من إنتاج الغاز الطبيعي في أوكرانيا و80% من احتياطياتها المؤكدة. كما أن نحو 6% من الاحتياطيات الموجودة في منطقة البحر الأسود وبحر آزوف تحت سيطرة روسيا التي تسعى للسيطرة الكاملة عليها.

المصدر : الجزيرة مباشر + صحيفة لوموند الفرنسية