بلومبرغ: فرنسا مُهدَّدة بنزيف الكفاءات مع تزايد هجرة المسلمين

فرنسا تفقد تلك المواهب العالية الكفاءة بسبب تفشي الإسلاموفوبيا (وكالة الأناضول)

كشفت دراسة جديدة بجامعة “ليل” (Lille) الفرنسية أن عددًا من المسلمين -معظمهم من الموظفين ذوي الياقات البيضاء المتعلمين تعليمًا عاليًا- يغادرون فرنسا، مما يسهم في تزايد ظاهرة هجرة العقول، التي أصبحت تهدد بشكل متزايد ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

واستطلع الأستاذ بجامعة ليل، أوليفييه إستيفيس آراء 1074 مسلمًا غادروا فرنسا، وقال إن أكثر من ثلثيهم قد هاجروا بهدف ممارسة شعائرهم الدينية بحرية أكبر، وقال 70% منهم إنهم غادروا لمواجهة حوادث أقل توترًا من العنصرية والتمييز.

سياسات ماكرون تؤجج العداء

ووفقًا لاستطلاعات رأي، فإن المواقف المعادية للإسلام أصبحت أكثر انتشارًا في جميع أنحاء البلاد، التي تضم أكبر عدد من المسلمين في أوربا، إذ أدت “الهجمات الإرهابية” التي وقعت في باريس عام 2015 والتي تبناها تنظيم الدولة، إلى تأجيج العداء للمسلمين.

ومنذ ذلك الحين، أقرت حكومة إيمانويل ماكرون سلسلة من السياسات التي تزعم أنها تهدف إلى “كبح جماح الإرهاب الإسلامي المتطرف”، ويقول منتقدوها إنها كرست ثقافة العداء في البلاد.

وأشار إستيفيس، في الدراسة إلى أن أولئك الذين لديهم القدرة على المغادرة، كثير منهم محترفون وموهوبون ويتمتعون بمهارات مطلوبة بشدة في سوق العمل.

وقال إستيفيس “المثير للسخرية هو أن فرنسا تدفع تكاليف تعليم هؤلاء الأشخاص، ومع ذلك فإن الدولة تفقد تلك المواهب العالية الكفاءة بسبب تفشي الإسلاموفوبيا داخل المجتمع الفرنسي”.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (غيتي)

فأين يذهبون؟

ويغادر العاملون المسلمون ذوو المهارات العالية، فرنسا متجهين إلى المملكة المتحدة وكندا ودبي والولايات المتحدة، بحثًا عن فرص أفضل للعمل والحياة.

وتحدثت وكالة (بلومبرغ) الأمريكية مع بعض المسلمين الذين انتقلوا إلى دول مثل المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة ودبي، فأعرب بعضهم عن رغبته في الحصول على فرص وظيفية أفضل، لكن جميعهم قالوا إنهم لم يعودوا يشعرون بأي ضغط لإخفاء عقيدتهم، وهي مسألة ذات أهمية خاصة للنساء اللواتي يرتدين الحجاب.

وأضاف المهاجرون المسلمون، الذين لم يفصحوا عن أسمائهم خوفًا من التأثير في وظائفهم الجديدة، أن التمييز في سوق العمل بفرنسا، هو ما شجعهم على المغادرة في نهاية المطاف.

وفي عام 2016، وجدت دراسة أن خُمس حالات التمييز ضد المسلمين في فرنسا يحدث في العمل. ووفقًا لتقرير حكومي صدر عام 2021، فإن المرشحين للوظائف من ذوي الأسماء التي تبدو عربية، تكون لديهم فرص أقل بنسبة 32% من نظرائهم غير العرب، في أن يتم استدعاؤهم لإجراء مقابلة.

بدوره قال كريم رضوان، الناشط في التجمع غير الربحي لمكافحة الإسلاموفوبيا في أوربا، الذي يتتبع الحوادث ضد المسلمين “هناك ارتفاع واضح جدًّا في ظاهرة الإسلاموفوبيا في فرنسا، على عكس أي شيء آخر في أوربا”، وتابع “العالم الأنجلو ساكسوني أكثر ترحيبًا بالمقارنة مع بقية دول العالم”.

وفي عام 2020، غادرت الشابة المسلمة ناتاشا جيفتوفيتش (38 عامًا) باريس متوجهة إلى لندن، على أمل الحصول على فرص عمل أفضل هناك، ويبدو أن رهانها آتى ثماره بالفعل.

فمنذ انتقالها إلى لندن، تمت ترقيتها عدة مرات، وأصبحت تكسب الآن ضعف ما كانت تكسبه في باريس. وتقول ناتاشا “أعتقد أن أيًّا من ذلك لم يكن ليحدث لو أني بقيتُ في فرنسا، فكثيرًا ما عانيت من الإسلاموفوبيا أثناء عملي في أحد البنوك الفرنسية الرائدة”.

ناتاشا جيفتوفيتش خلال وجودها في لندن (بلومبرغ)

ووفقًا لإستيفيس، ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، غالبًا ما تُرى المساحات المتعددة الأديان في مراكز التسوق والمستشفيات وبيئات الشركات، بما في ذلك بورصة لندن والعديد من البنوك في المدينة.

ويضيف “كان هذا شائعًا في فرنسا أيضًا عندما جاء العمال المسلمون من المستعمرات السابقة في الثمانينيات، لكنه أصبح نادرًا الآن”.

إبراهيم بشروري، الباحث البالغ من العمر 32 عامًا، غادر باريس متوجهًا إلى نيويورك في ديسمبر/ كانون الأول عام 2019، بعد ما أخبره المانحون بأنه لن يتلقى التمويل اللازم لأبحاثه، إلا إذا حول تركيزه إلى “التطرف الإسلامي”.

وقال إن بعض الأكاديميين وضعوا أيضًا عقبات غير عادلة في طريقه لأنهم لا يعتبرون الكراهية ضد المسلمين موضوعًا بحثيًّا جادًّا.

إبراهيم بشروري في واشنطن (بلومبرغ)

وقال الباحث المقيم في واشنطن الآن “الأمور في فرنسا بعد عام 2015 ساءت بدرجة كبيرة، لدرجة أنني شعرت بأنني لم أعد أستطيع العمل في مجالي بشكل صحيح”.

وتابع “في الولايات المتحدة، هناك تحديات بالطبع، ولكن على الأقل يمكنك القيام بالعمل الذي تريده والتعبير عن أفكارك بحرية”.

يشار إلى أنه في ألمانيا وبريطانيا، تُعتبر الإشارة إلى الثقافة (الإسلامية) باعتبارها تهديدا أمرا غير مقبول، أكثر مما عليه الأمر في فرنسا، إذ نادرًا ما يغامر اللاعبون السياسيون في ألمانيا وبريطانيا باستهداف ثقافة ما بشكل صريح.

على العكس من ذلك، فإن التنديد بالدين (الإسلامي) مقبول أكثر في السياق الفرنسي، حيث يُنظر إلى الدين على أنه “رأي”، في حين يؤدي القيام بذلك إلى تكلفة سياسية باهظة في بريطانيا وألمانيا، حيث يُنظر إلى الدين على أنه “جزء من هوية الفرد”.

المصدر : بلومبرغ