قرى كاملة اختفت وبحيرات جديدة شُكلت.. شاهد ما فعله الإعصار دانيال في ليبيا واليونان (صور)

أظهرت صور جديدة حصلت عليها وكالة سند للرصد والتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة اختفاء قرى كاملة في ليبيا، وايضا تشكّل بحيرات جديدة في اليونان

صور الأقمار الصناعية تظهر حجم الدمار في مدينة درنة

ضربت الأمطار الغزيرة الناجمة عن الإعصار دانيال أجزاء من وسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، مما أدى إلى فيضانات مدمرة في اليونان وبعض الأضرار في تركيا وبلغاريا وليبيا، وكانت الأخيرة هي الأكثر تضررا في الخسائر البشرية جراء السيول.

وبخلاف تلك الخسائر الضخمة تم رصد عدة ظواهر بيئية وتغيرات جغرافية في بعض الأماكن في اليونان وليبيا، تمثلت في تشكّل بحيرات ومساحات مائية غيرت شكل بعض المناطق، بالإضافة إلى توثيق أرقام تظهر لأول مرة عن حجم الدمار في ليبيا. ومن خلال التركيز على تلك الأماكن ورصدها من خلال صور الأقمار الصناعية، يتضح حجم الاختلاف قبل وبعد حدوث الإعصار، ومدى تأثير توابعه إحصائيًا وجغرافيًا.

وأظهرت صور جديدة حصلت عليها وكالة سند للرصد والتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة مسح قرى كاملة عن الخريطة في ليبيا نتيجة الإعصار دانيال الذي ضرب البلاد يوم الأحد 11 سبتمبر/أيلول، في كارثة لم تشهدها البلاد منذ زلزال المرج عام 1963. كما أظهرت الصور تشكل بحيرات جديدة في اليونان، المتأثرة هي الأخرى بالإعصار المصحوب بهطول أمطار غير مسبوق.

الدمار في ليبيا قيد الحصر

“وصلت أعداد المفقودين لـ10 آلاف مواطن، ونحن غير مهيئين أو مستعدين لمواجه هكذا سيول”.. هكذا صرح اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم قوات شرق ليبيا في لقاء متلفز عن المستجدات في مأساة ليبيا الحالية، وأشار لصعوبة إجلاء وإنقاذ كثير من المتضررين لعدم قدرة الوصول لهم بسبب غرق وتهدم الطرق والجسور وتشكل مساحات ضخمة من المياه تعيق عمليات الإنقاذ، وأن الأرقام في تزايد مستمر.

وبحسب تصريحات طارق الخراز المتحدث باسم وزارة الداخلية بالحكومة المكلفة من البرلمان “ما لا يقل عن 6000 ليبي فقدوا حياتهم في درنة فقط، جراء الفيضانات التي أحدثها الإعصار دانيال”.

صور الأقمار الصناعية تظهر حجم الدمار في مدينة درنة

وعلى الجهة الأخرى من البحر بلغت أعداد المتوفين جراء السيول التي سببها الإعصار دانيال 11 شخص على الأقل في اليونان وبلغاريا وتركيا مجتمعين، مما يوضح الفرق في التأهب والإستعداد وتوقع أسوأ السيناريوهات المناخية المحتملة، وأدى الإعصار إلى تشكل ظواهر بيئية جديدة في اليونان وليبيا.

ففي اليونان و بسبب كميات الأمطار الضخمة التي سقطت على مدينة فولوس الساحلية وقرى جبل بيليون ومقاطعة مغنيسيا شمال العاصمة أثينا حوّلت الفيضانات الشوارع إلى أنهار وغمرت المياه المنازل وجرفت الأمواج السيارات وانقطع التيار الكهربائي وتعطلت الخدمات والمرافق، مما أدى  لصعوبة التنقل والخروج من الأماكن الغارقة.

وفي مناطق وسط اليونان التي تتميز بتضاريسها الجبلية وكثافة إنتشار الوديان، أدى هطول الأمطار الغزيرة والسريع لامتلاء الأنهار والجداول بسرعة، وتكون بحيرات على مساحات واسعة بسبب الفيضانات الغير مسبوقة، وبالرغم من انحسار الماء ببعض المناطق في الأيام القليلة التابعة للفيضان ما تزال هناك أماكن غارقة بالكامل وتحولت إلى ما يشبه بحيرات جديدة.

بالرغم من انحسار الماء تغير شكل المنطقة بالكامل

رقم قياسي صعب

تلقت “زاغورا” القرية الساحلية على شبه جزيرة بيليون (أكبر معدل هطول سنوي) بأكثر من 750 ملم من الأمطار خلال وقت قصير، متجاوزًا الرقم القياسي لسبتمبر/أيلول 2020 البالغ 644.7 ملم، بحسب موقع Meteo.org.

وأدت شدة الأمطار إلى فيضانات سريعة الحدوث، وسجلت محطات الأرصاد الجوية التابعة للمرصد الوطني لأثينا أعلى 8 ارتفاعات لهطول الأمطار، وكُسر الرقم القياسي المسجل بالسجل اليومي لأمطار اليونان.

تم تحطيم الرقم القياسي اليومي لهطول الأمطار، حيث بلغ معدل هطول الأمطار 754 ملم في قرية زاغورا (المرصد الوطني في أثينا)

علماء مناخ: لم يحدث هذا من قبل

انتشرت صور ولقطات نشرها الصحفي الكندي المقيم في أثينا Romain Chauvet، تظهر حجم الأماكن المتضررة في المكان وقال “لقد دمرت الفيضانات الكارثية وسط اليونان تمامًا”.

ووثق مواطنون على الأرض صور الفيضانات و شاركوها على تويتر مثل Nahel Belgherze الذي أبدى ذهوله بكيفية  غمر مساحة تزيد عن 70.000 هكتارًا من الأراضي وتحول سهول ثيساليا بوسط اليونان إلى بحيرة عملاقة“، وأشارت عالمة المناخ مونيكا ايونيتا Dr. Monica Ionita  للطابع الاستثنائي لهذا الحدث قائلة “لم يحدث هذا من قبل في اليونان، وكمية الأمطار التي هطلت هي غير مسبوقة”.

جاء هذا الطقس غير العادي في وقت غير معتاد من العام، فعادةً ما تشهد اليونان طقسًا جافًا وحارًا خلال فصلي الصيف والخريف المبكر، وهذا ما أثبتته صور الأقمار الصناعية تاريخيا عندما قمنا بمقارنتها بنظيرتها في نفس الوقت في العامين الماضيين.

صور الأقمار الصناعية لنفس المنطقة عامي 2021 و 2022 تظهر الفرق في الطقس هذا العام عن ما قبله

تحاول اليونان التعامل مع الفيضانات و قدمت الحكومة أولوية المساعدات إلى المناطق الأكثر تضررا، وبرغم الأزمة وحجم الخسائر، كان الأمر أخف وطأة مما شهدته ليبيا من أعداد الوفيات والأضرار الفادحة التي سببها الإعصار المسافر عبر البحر من اليونان إلى ليبيا.

مسح البيانات يوضح مكان نشاط الإعصار في وسط اليونان (صور من ventusky.com الراصد للأحوال المناخية عالميا)
تحديث المسح البياني تشير لتحرك الإعصار ووصوله إلى شرق ليبيا وهو ما يزال نشطاً وفي ذروته

شيخوخة السدود فاقمت الأزمة

لم يكن الإعصار دانيال هو المتسبب الرئيسي في حجم الكارثة في ليبيا، فبرغم قوته الغير مسبوقة فإن فأحد أكبر المسببات الرئيسية لضخامة تأثير السيول وشدتها هي تهدم بعض السدود الليبية بسبب قِدمها وعدم صيانتها و ضعف جاهزيتها أمام الإعصار، بحسب تصريح لنائب عميد بلدية درنة: (مدينة درنة كانت الأكثر تضررًا، و سد المدينة الذي لم يشهدا أي صيانة منذ عام 2002).

وفي استجابة للكارثة قامت وحدة التحقيقات بوكالة سند بتحليل صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها من maxar.com.

وبمقارنة الصور والبيانات لما قبل وبعد الفيضان، وباستخدام الذكاء الاصطناعي حصرت وحدة التحقيقات أعداد المباني التي تعرضت للهدم حتى الآن، وتشير بيانات المكان بوجود نحو 4355 مبني قبل الفيضان، وبتحليل البيانات يظهر تواجد 3528 مبني، لتبلغ عدد المباني المهدمة نحو 827 مبنى في وسط درنة فقط.

ونتجت هذه الكارثة بسبب انهيار أحد السدود الضعيفة أمام قوة الإعصار، وقامت كميات المياه الضخمة التي كانت محجوزة بواسطة السد  بإحداث فيضان ضخم جرف المنطقة واغرق المباني وهدمها وخلف دمارا لم تشهده المدينة من قبل.

يشير اللون الاخضر للمباني التي لم تنهار، بينما يوضح اللون الأحمر حجم المباني التي أزالها الفيضان(لم تتأثر المباني عديمة اللون) تصل دقه بيانات ومعلومات تحليل الذكاء الاصطناعي لـ 90%
صور من الأقمار الصناعية تُظهر السد والمناطق المأهولة حوله قبل حدوث الكارثة
تمت إزالة المنطقة المأهولة خلف السد بالكامل بعد انهياره

“الكارثة أكبر من قدرات ليبيا”

حجم الدمار الناجم عن الإعصار سبب خسائر فادحة لم يتم حصرها بشكل كامل حتى الآن، ويجري تقسيم درنة لثلاث مناطق لحصر المناطق الأكثر تضررا، وبحسب تصريحات الناطق باسم الحكومة المكلفة “سيتم وإخلاء بعض مناطق درنة من السكان ليسهل عملية البحث عن المتضررين”.

السيول تُغرق مساحات كبيرة من المنازل والممتلكات في المنطقة

وفي مناطق أخرى في ليبيا شكلت توابع الإعصار دانيال ظواهر جديدة جغرافيا مشابهة لما حدث في اليونان.

فقد رصدنا بالأقمار الصناعية غرق مساحات كبيرة من اليابسة في الصحراء الليبية، وتغيرت الطبيعة الجغرافية بسبب مياه الفيضان الذي كون بحيرات جديدة لم تكن موجودة من قبل.

صور الأقمار الصناعية لمنطقة البحيرات قبل الفيضان (12 سبتمبر)
صور الأقمار الصناعية لمنطقة البحيرات بعد الغرق وتشكل البحيرات الجديدة

وباستخدام الخرائط وصور الأقمار الصناعية أيضا، تم رصد غرق عدة قرى ليبية بشكل كامل نتيجة الفيضانات الشديدة التي سببها الإعصار، وتُظهر اللقطات الفضائية لقرية المخيلي الليبية الواقعة بين طبرق وبنغازي حجم الأضرار الناجمة عن الفيضانات.

تُظهر اللقطات الفضائية للخرائط كيف كان شكل قرية المخيلي قبل الغرق
توضح اللقطات الفضائية لقرية المخيلي حجم المساحات المتضررة بعد الغرق

“عدد كبير من الجثث جرفتها السيول في البحر ولدينا مشكلة في كيفية انتشالها”.. تصريح مؤلم أدلى به رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة يظهر وبين حجم الكارثة، ورغم ذلك تحاول الحكومة الليبية التعامل السريع مع الأزمة وإنقاذ أكبر عدد من المواطنين والوصول للمفقودين.

لكن “الكارثة أكبر من قدرات ليبيا” كما قال محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي، والذي أضاف بضرورة طلب المساعدات الدولية وعمل كل الفاعلين في ليبيا لتوحيد الجهود على الأرض وأهمية التوحد والتكاتف للمرور من الأزمة والكارثة المخيمة على ليبيا.

كوكب جديد

بالإضافة إلى وصف الخبراء وعلماء التنبؤ بالطقس للعاصفة دانيال “بأنها واحدة أقوى العواصف التي شهدتها البلاد، واحتمالية تكون بحيرات جديدة دائمة ستغير شكل المنطقة كليا”، بحسب ما نشرته وكالة محلية يونانية، رُصد في السنة الحالية تقلبات مناخية كبيرة.

فقبل الأمطار واجهت تركيا وبلغاريا بالإضافة لليونان حرائق كبيرة اندلعت في الغابات والمنازل، وأشار الخبراء بأن المناخ يزداد خطورة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، والذي سيؤثر على اتجاه الرياح وتكون السحب وكميات الأمطار.

صور الأقمار الصناعية تظهر مساحات واسعة من الحرائق (23 أغسطس – غابات ولاية جناق قلعة تركيا)

وبمرور الوقت سيتضح أكثر حجم الخسائر البشرية والمادية بعد حصرها بشكل أدق عندما يتمكن خبراء المسطحات والبيئة لدراسة الظواهر الجديدة الناشئة بسبب سيول وفيضانات الإعصار دانيال.

المصدر : الجزيرة مباشر