“عرين الأسود”.. صحيفة إسبانية تكشف أسرارا عن معقل المقاومة الفلسطينية في جنين

(الصحافة الإسبانية)
حاولت الصحيفة كسر الصورة النمطية المترسخة في أذهان الجمهور الغربي عن المقاتلين المنتمين إلى حركات المقاومة الإسلامية (الصحافة الإسبانية)

نشرت صحيفة (إلموندو) الإسبانية تقريرا ميدانيا، تحدثت فيه مع عدد من أعضاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في معقلهم بمخيم جنين للاجئين، الذي يعاني من توغلات متواصلة من قِبل الجيش الإسرائيلي. ومن بين الملاحظات التي أثارت انتباه مبعوث الصحيفة الإسبانية، أن ملاك المتاجر بالمخيم لم يعودوا يقبضون أي مقابل من المقاتلين، لأنهم يدركون أنهم سيستشهدون قريبا.

وتشير (إلموندو) إلى أن مخيم جنين للاجئين معروف باسم “عاصمة الفدائيين”، مضيفة أنه من أكثر المناطق معاقبة وفقرا في الضفة الغربية. وعلى عكس بقية المناطق التي تسيطر عليها حركة فتح، فإن هذا الجيب يقع في أيدي حماس والجهاد الإسلامي، وتشكل الحركتان معا ائتلافا يسمونه هنا “عرين الأسود”.

المقاتلون من أجل الحرية

وتستعرض (إلموندو) تفاصيل عن شخصيات هؤلاء “المقاتلين من أجل الحرية” المنتمين إلى حماس والجهاد الإسلامي. وفي محاولة لكسر الصورة النمطية المترسخة في أذهان الجمهور الغربي عن المقاتلين المنتمين إلى حركات المقاومة الإسلامية، تقول الصحيفة إنه “بعيدا عن العدائية، فإنهم يمزحون عن ريال مدريد، الفريق الذي يشجعونه جميعا، وليست لديهم مشكلة في التقاط الصور ووجوههم مكشوفة”.

وتستطرد أن المقاتلين “يدخنون ويشربون القهوة العربية مع عائلة أحد الضحايا الذي استشهد في الهجوم الأخير قبل أربعة أيام. وفي مخازن أسلحتهم، وجميعها أمريكية الأصل ولكنها غنيمة من إسرائيل، يحملون صور ‘الشهداء’ التي يمكن رؤيتها أيضا على جدران المدينة”.

قدم في القبر

ويصف التقرير الشبان المقاومين بأنهم “لا يتوقفون عن المزاح معا، وكانوا سيدرسون للحصول على شهادة جامعية أو يلعبون كرة القدم أو يقعون في الحب لو لم يولدوا هنا، ولكن في مكان مثل هذا يولدون ولهم بالفعل قدم في القبر، أفقهم الوحيد هو الموت”، كما تذكر الصحيفة.

وفي سؤال للصحيفة عن خوفهم من الموت، ردّ المقاومون بأنهم لا يخشونه لأنه “مجرد خطوة أخرى على الطريق”.

ويشير موفد الصحيفة إلى مخيم جنين، ألبرتو روخاس، إلى أنه تنقل في نزهة عبر مخيم اللاجئين المليء بالمباني الصفراء لمشاهدة الأضرار الناجمة عن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة “انظر، قُتل عبد الله بالرصاص هنا الأسبوع الماضي. وعلى تلك السلالم مباشرةً، قتل قناص جمال. الطريق بأكمله مليء بالموت الذي ينتشر في كل مكان من خلال الملصقات التي تحمل الختم الأسود لحركة الجهاد الإسلامي، التي تدير هذا الجزء من الحي الواقع على التلة”، حسب الموفد.

ويضيف أن كل الجدران مليئة بـ”نجوم داود” المرسومة بالرذاذ الأزرق، مؤكدا أن الجنود الإسرائيليين رسموها خلال توغلهم الأخير “كما تركوا رسائل ضد الإسلام يمكن قراءتها باللغة العبرية. وفي أحد المنازل، قام جندي بالتغوط ليُظهر أنه كان هناك”، كما تنقل الصحيفة عن والدة فلسطيني اعتقلوه.

ازدياد التوغلات

وتذكر (إلموندو) أن التوغلات الإسرائيلية قد تضاعفت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومن بين نحو 300 حالة وفاة مسجلة في جميع أنحاء المنطقة الفلسطينية، حدثت الأغلبية في مخيم جنين. “نرى المنازل والسيارات المدمرة، وندخل ما كان في السابق مسجدا. هنا أسقطوا قنبلة خارقة للتحصينات من طائرة. مرت القذيفة من الطوابق العليا وانفجرت في الطابق السفلي مباشرة، حيث اعتقدوا أن أفراد حماس كانوا يختبئون”، وفق شهادة أحد الشبان.

اكتساح حركتي حماس والجهاد

وتضيف (إلموندو) أن الميدان الواقع وسط المخيم، والذي كان في السابق في أيدي حركة فتح وجناحها العسكري (شهداء الأقصى)، أصبح مؤخرا تحت سيطرة حماس والجهاد الإسلامي.

الأسباب بسيطة، وفق الصحيفة “ينظر قسم كبير من السكان الفلسطينيين إلى حركة فتح، منذ عهد ياسر عرفات، على أنها (مافيا) فاسدة، تحافظ على امتيازاتها الاقتصادية مقابل إفقار شعبها”.

والعنصر الآخر الذي يؤدي إلى السخط والتطرف في أماكن مثل هذه، حسب (إلموندو)، هو “توسيع المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية. وتحيط بكل مدينة فلسطينية مستوطنات عدة، لها طرقها الخاصة ومحال (السوبر ماركت) ومحطات الوقود الخاصة بها التي لا يستطيع الفلسطينيون الوصول إليها بالطبع”.

هذه هي الاستراتيجية الجديدة لحكومة نتنياهو وشركائها القوميين المتطرفين، ويعيش هناك بالفعل أكثر من مليون يهودي.

وختمت (إلموندو) تقريرها بالقول إنه بالنسبة لشباب الضفة الغربية، فإن هذا الوضع الذي يصفونه بـ”المهين”، “لم يكن ليحدث أبدا لو كانت حماس في السلطة، لكن فتح اتفقت مع إسرائيل على أشياء معيَّنة، حتى لو لم يتم الوفاء بها، فإنها توحي بالتفاهم مع العدو. هذه العوامل تضاعف الدعم لحماس”.

يشار إلى أن أهمية التقرير لا تنبع فقط من كون (إلموندو) إحدى أهم الصحف الإسبانية، بل لكونها أيضا وسيلة إعلام محسوبة على اليمين، مما قد يسهم في تصحيح الصور النمطية عن المقاومة الإسلامية الفلسطينية لدى هذا الجمهور الذي يميل تقليديا إلى تأييد إسرائيل.

المصدر : الصحافة الإسبانية