جدل “الحشاشين” يتصاعد في مصر.. أخطاء تاريخية وتحذير من التوظيف السياسي

لقطة من مسلسل الحشاشين (مواقع التواصل)

“من وحي التاريخ” عبارة مثلت مخرجا مؤقتا من قبل صناع مسلسل (الحشاشين) الذي يعرض حاليا، لإنهاء حالة من الجدل يبدو أنها لن تتوقف قريبا.

ومثلت الكلمات “طوق نجاة” لتحرير فريق العمل من فكرة أنهم يقدمون عملا تاريخيا خالصا، لكن الجدل تصاعد بعد أن تنصل أحد مراجعي النص التاريخي مما هو معروض على الشاشة.

ليس “وثيقة تاريخية”

وفجّر رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس خالد حسين محمود مفاجأة -وهو عضو لجنة مراجعة النص التاريخي للمسلسل- عندما أقرّ على صفحته في فيسبوك بوجود أخطاء وقال إن العمل في صورته النهائية تجاهل التصويبات.

وشدد على أن فريق المراجعة التاريخية صحح الأخطاء الواردة بالمسلسل ولا يتحمل المسؤولية عما ورد بالحلقات الأولى، وقال “خاصة أننا أكدنا على تلك الأخطاء وبيّناها بشكل لا مجال فيه للبس أما الأخذ بتلك التصويبات من عدمه فهو أمر خارج عن إرادتنا”.

واعتبر أن الأمر في النهاية يرجع إلى فريق عمل المسلسل وفقًا للرؤية الدرامية، استنادًا إلى وجهة نظر ترى أن العمل ليس “وثيقة تاريخية”.

تغليب “المقتضيات الفنية”

من جانبه، اعتبر الروائي عمار علي حسن أن شهادة الدكتور خالد حسين بشأن تجاهل التصويبات تكشف عن تغليب “المقتضيات الفنية” وعدم ترتيب الأحداث كما حوتها كتب التاريخ وقال إن هذين الجانبين “يمكن بمهارة الفن ألا يكونا في تعارض أو تناقض بالضرورة”.

كما ذهب إلى أن ذلك الأمر “يمكن أن تصنعه الرغبة في الدعاية المباشرة والتوظيف السياسي الفج، الذي يلوي عنق التاريخ لخدمة مسار معاصر، ويحول الفن إلى أيديولوجيا زاعقة، وليس مجرد رسالة تصاغ بلا تزييف”.

 

“وحي التاريخ في مواجهة الزوبعة”

وكان طبيعيا أن يضع صناع العمل لافتة “من وحي التاريخ” في مواجهة الزوبعة التي أثيرت أصلا بسبب تلك الحقبة التي يتناولها المسلسل كما يقول أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة رجب عمران للجزيرة مباشر، موضحا أن الفترة الزمنية التي يتناولها والتي تبدأ من القرن الـ11 وما بعده، تعد مثار خلاف كبير.

ويحذر عمران من محاولات تزوير الأحداث وليّ أعناقها ويشير إلى أن دخول الرؤية السياسية على الخط فتح الباب على مصراعيه للجدل.

ويذهب عمران إلى أنه تاريخيًّا لم تثبت رواية مؤكدة من تلك التي نقلها الرحالة الإيطالي ماركو بولو صاحب تسمية “الحشاشين”، لكنه يتحدث عما سماه الطابع الأسطوري للحكاية التي يقول إنها أشبه بقصة شعبية.

وتدور الأحداث حول فرقة “الحشاشين” التي تعد أخطر الفرق السرية في العالم الإسلامي، واشتهرت بالاغتيالات السياسية، وقصة صعود مؤسسها حسن الصباح، وتتركز الأحداث بشمال بلاد فارس، حيث أسس الصباح فرقة من مؤيدي العقيدة الإسماعيلية سماها “الفدائيين” ممن تمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات.

لقطة من مسلسل الحشاشين (مواقع التواصل)

“بأمر الدراما وليس التاريخ”

ويلفت الباحث بالتاريخ الإسلامي بجامعة عين شمس عبد الرحمن عثمان إلى أن حسن الصباح وعمر الخيام شخصيتان تاريخيتان، لكنهما ليسا مرتبطين بشكل مباشر خلافا لما جاء في المسلسل ولا توجد بينهما أي علاقة مباشرة رغم أنهما عاشا في نفس الفترة الزمنية.

كما يلفت إلى أن أحداث الشدّة المستنصرية وهي أعوام عجاف سبعة (1064-1071) حدثت بسبب انحسار مياه النيل، وسوء الإدارة المتصلة بأزمات الحكم، وانتهت قبل سبع سنوات من قدوم ابن الصباح إلى مصر خلافا لما أورده المسلسل.

ويذكر الباحث أن المراجع التي تحدثت عن فترة الحشاشين قليلة ولا تتعدى ثمانية ويشير إلى أن ما كتبه أنصار تلك الفرقة انتهى باحتراق ما يعرف بقلعة “الموت” بأيدي قوات هولاكو خان عام 1256.

ويعلل الباحث ذلك بأن ما كتب عن الصباح كان بأيدي أعدائه وبعض كتب المستشرقين التي اعتمدت الروايات والحكايات الشعبية، واعتبر أن الشيء الوحيد السليم في المسلسل من الناحية التاريخية حتى الآن، هو أن “رصد” والدة الخليفة المستنصر بالله، كانت سوداء البشرة.

بين السرد والخيال

وتعليقا على ذلك وصف مؤلف المسلسل عبد الرحيم كمال العمل بأنه “دراماتورجى” قائلا في تصريح نقلته الصحف المحلية خلال ندوة فنية إنه ليس مؤرخا لكن لديه هامشا في السرد والخيال “يجمع بين الأمرين في سرد حكاية حسن الصباح”.

ودلل المؤلف على فكرته، بأن شخصية زيد بن سيحون التي مثّلها الممثل أحمد عيد “لا وجود لها في التاريخ، وأنها شخصية خيالية”، ويلخص موقفه بالتأكيد على أن “هذا ليس درسا في التاريخ والمسألة بأمر الفن وليس بأمر التاريخ”.

يأتي ذلك بينما تتوالى الانتقادات لظهور مآذن مساجد القاهرة على أنها في العصر المملوكي في القرن الـ11، وقد اتضح أنها ليست في تلك الحقبة وفق ما تداوله نشطاء في مواقع التواصل.

كما سخر آخرون من صور العمارة الإسلامية التي ظهرت موضحين أن مدينة أصفهان التي تتمحور حولها الأحداث كانت تعتمد على العمارة السلجوقية، وأن عمارة مغول الهند هي التي ظهرت في المسلسل وليست السلجوقية.

وردًّا على الجدل المتواصل، قال المخرج بيتر ميمي بصفحته على فيسبوك إن “حسن الصباح لم يرد حوله وصف محدد لأن المغول حرقوا كتبه وأفكاره والموجود كله اجتهاد”.

المصدر : الجزيرة مباشر