ما الذي يجعل الناس تستمتع بمشاهد العنف؟

مع صعود الأدرينالين وبعض الهرمونات الأخرى المرتبطة بالشعور بالخطر والإثارة يستمتع بعض المشاهدين لأفلام الرعب بهذه المشاعر (غيتي)

في الشهر الماضي، شاهد أكثر من 100 مليون شخص مسلسل لعبة الحبار صاحب المشاهد العنيفة، الأمر الذي طرح سؤالا مشروعا: ما هو سبب الانجذاب لدى البعض لمشاهدة العنف.

يقول الأستاذ المشارك في علم النفس العصبي سايمون جونز إنه “لطالما جذب الموت والدم والعنف الحشود. توافد الرومان القدماء على المذبحة في الكولوسيوم وفي القرون اللاحقة، كانت عمليات الإعدام العلنية بمثابة شباك التذاكر الكبير. والآن في وقتنا الحالي يحب أبرز المخرجين مشاهد العنف في الأفلام”.

ووجدت دراسة نشرت في مجلة (AAP) العلمية أجريت على الأفلام الأعلى دخلا أن 90٪ منها كانت الشخصية الرئيسية متورطة فيه في أعمال عنف.

من يراقب هذه الاشياء؟

من المتوقع أن يستمتع بعض الأشخاص بمشاهد العنف أكثر من غيرهم، فهناك سمات شخصية معينة مرتبطة بالإعجاب بمشاهد العنف، مثل الأشخاص المنفتحون على التجربة، الذين يبحثون عن الإثارة.

على العكس من ذلك، يميل الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الوفاق -يتميزون بالتواضع والتعاطف مع الآخرين- إلى تفضيل وسائل الإعلام العنيفة بدرجة أقل.

لكن لماذا؟

تقول إحدى النظريات أن مشاهدة العنف أمر يشفي الغليل ويستهلك العدوان المفرط عند محبي مشاهدة تلك النوعية من الأفلام.

ومع ذلك، فإن هذه الفكرة لا تدعمها الأدلة بشكل جيد، فعندما يشاهد الأشخاص الغاضبون محتوى عنيفًا، فإنهم يميلون إلى أن يصبحوا أكثر غضبًا.

ويشير بحث جديد مستمد من دراسة لأفلام الرعب، إلى أنه قد يكون هناك ثلاث فئات من الأشخاص الذين يستمتعون بمشاهدة العنف، ولكل منها أسبابه الخاصة.

أُطلق على إحدى المجموعات لقب (مدمنو الأدرينالين) بحسب دراسة نشرت في مجلة (سايركسيف) للعلوم النفسية. يريد هؤلاء الباحثون عن المشاعر القوية والاهتياج تجارب جديدة ومكثفة، وهم أكثر عرضة للتفاعل مع مشاهد العنف. قد يكون جزءًا من هذه المجموعة أشخاصًا يحبون رؤية الآخرين يعانون، إذ يشعر الساديون بألم الآخرين أكثر من المعتاد ويستمتعون به.

تستمتع مجموعة أخرى بمشاهدة العنف لأنهم يشعرون أنهم يتعلمون شيئًا منه، بحسب ما تذكر نفس الدراسة. ومثل مدمني الأدرينالين، فإن هذه المجموعة تشعر بضغط شديد من مشاهدة الرعب إلا أنها تكره هذه المشاعر والأغرب من ذلك أنها تتسامح مع الأمر لأنها تشعر أن مشاهد الرعب تساعدها على تعلم شيء عن كيفية البقاء على قيد الحياة.

أما المجموعة الأخيرة فتحصل على الفوائد بحسب الدراسة، حيث أنهم يستمتعون بالأحاسيس الناتجة عن مشاهدة العنف ويشعرون أنهم يتعلمون شيئًا ما.

فكرة أن الناس يستمتعون بمشاهدة العنف الآمن على الشاشة لأنه يمكن أن يعلمنا شيئًا تسمى “نظرية محاكاة التهديد”.

مشهد من مسلسل لعبة الحبار (نتفلكس)

ومن المثير للاهتمام، أن دراسة حديثة نشرت في مجلة (ساينس دايركت) وجدت أن عشاق الرعب والأفراد الفضوليين المرضى كانوا أكثر مرونة من الناحية النفسية خلال وباء كورونا.

هل هو حقا العنف الذي نحبه؟

هناك أسباب لإعادة النظر في مدى إعجابنا بمشاهدة العنف في حد ذاته، فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي نشرت عرض الباحثون على مجموعتين من الأشخاص فيلم (الهارب – 1993).

عرض على إحدى المجموعات فيلمًا غير محرّر، بينما شاهدت مجموعة أخرى نسخة تم تحريرها وإزالة كل أشكال العنف. على الرغم من ذلك، أعجبت المجموعتان بالفيلم على حد سواء.

تم دعم هذه النتيجة من خلال دراسات أخرى وجدت أيضًا أن إزالة العنف التصويري من الفيلم لا يقلل من إعجاب الناس به، حتى أن هناك أدلة على أن الناس يستمتعون بنسخ الأفلام الخالية من العنف أكثر من النسخ العنيفة.

كما أنه قد يستمتع كثير من الناس بشيء يتزامن مع العنف، وليس العنف نفسه. على سبيل المثال، يخلق العنف التوتر والتشويق وهو ما قد يجده الناس.

الاحتمال الآخر هو أن ما يستمتع به الناس هو الفعل وليس العنف. توفر مشاهدة العنف أيضًا فرصة كبيرة لإيجاد معنى في الحياة، تسمح لنا رؤية العنف بالتأمل في حالة الإنسان، وهي تجربة نقدرها.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع أمريكية