“سبيل أم عباس”.. تاريخ ذهبي بالقاهرة القديمة قتله الإهمال

عندما تتخذ طريقك من مسجد السيدة زينب بالقاهرة لتمر بمسجد أحمد بن طولون ثم ميدان القلعة عند تقاطع شارع الركيبة والسيوفية مع شارع الصليبة، ستقابلك نفحات من عبق التاريخ المهمل في مصر.

سيجذب انتباهك مبنى أثري قديم بُني قبل أكثر من 150 سنة يحمل نقوشًا عبارة عن آيات قرآنية محفورة بماء الذهب على حوائطه الرخامية، هذا المكان هو “سبيل أم عباس”.

البناء مكون من 5 شبابيك نحاس كل شباك على شكل فازة، وفى أسفل كل شباك عين ماء يجلس بجوارها “سقّا” كان يحمل قِربة لسقاية عابري السبيل ومن لم يملكوا أجرة السقا حيث لم تكن المياه تصل للمنازل.

العيون الخمس تأتى إليها المياه من بئر ماء وسط السبيل تم حفره ثم بناء السبيل عليه، وكان يُجرى ملؤه من النيل أيضًا.

تخطيط حجرة السبيل على شكل مثمّن، وهو تخطيط نادر ويغطيه قبة مثمنة الأضلاع.

من الذي بنى السبيل؟
  • من بين روايات نشأة السبيل، إما أن “بمبة قادن” والدة الخديوي عباس حلمي الأول، أنشأته بعد أن رُزقت به بعد فترة من عدم الإنجاب، أو أنه تم إنشاؤه بعد وفاة الخديوي ليصبح صدقة جارية على روحه.
  • لم تخصص السيدة “قادن” السبيل فقط لسقاية الناس، بل ألحقت به كتّابًا عينت به معلمين لتعليم الأطفال العلوم الحديثة، كما في المدارس الحكومية على عهد الخديوي إسماعيل، لهذا حولته وزارة التعليم سابقًا لمدرسة قبل أن يترك للإهمال حاليًا.
  • عبد الحميد رجب، رجل سبعيني عاصر التاريخ القديم للسبيل، قال للجزيرة مباشر: رغم أنه من أقدم وأفخم أسبلة مصر التاريخية فهو يعاني إهمالًا من قبل الحكومة.
  • رجب منفعلًا: هذا السبيل كان مدرستي الابتدائية وأنا صغير وكانت الغرفة التي بها البئر هي غرفة الموسيقى!
  • رجب: من هذا السبيل كان يتزود الحجاج الي بيت الله الحرام بالماء و”أم عباس” كانت تتصدق على روح ابنها كل عام بالعطايا للحجاج المصريين المسافرين للسعودية وتحملهم بالزاد والماء الذي يكفيهم طوال مدة سفرهم.
  • رجب تساءل بحسرة: هل من المعقول أن يتم تحويل مكان أثرى من أيام محمد على باشا، لمدرسة سابقًا، والآن لمقلب قمامة يلقى أمامه سكان الحي قمامتهم ويصبح مرتعًا للكلاب والقطط الضالة؟
  • رجب: لو أن مثل هذا الأثر موجود بتركيا أو أي مكان في العالم، هل كانت الحكومة ستتركه للكلاب الضالة أم أنه سيصبح مزارًا سياحيًا يأتي إليه السائحون من جميع أنحاء العالم ويصبح مصدرًا للدخل القومي؟
القمامة تحيط بالسبيل الأثري في القاهرة (صحف مصرية)

 

  • سامح زينهم، صاحب محل قديم في المنطقة قال للجزيرة مباشر: سبيل أم عباس من أقدم الأسبلة في مصر القديمة، وله قيمة أثرية كبرى، وأنشأته “بمبه قادن” أم الخديوي عباس بعد أن رزقت بأول ابن لها بعد فترة طويلة، من زواجها من الأمير “أحمد طوسون” ابن محمد على باشا، فنذرت لله هذا السبيل لسقاية المحتاجين.
  • زينهم أضاف: لأن المولود كان هو “عباس حلمى الأول” الذي أصبح واليًا لمصر منذ عام 1848 حتى 1854 أصبح اسم هذا السبيل “أم عباس”.
  • محمود على خلف، صاحب محل جزارة يقول: كان جدي يحكى لنا كيف كانت “أم عباس” تعطي للحجاج والمسافرين المصريين كل عام من هذا المكان احتياجاتهم من الماء والطعام والخيام وغيرها من العطايا.
  • خلف: “أم عباس” كانت تتحمل أيضًا جانبًا من تكلفة كسوة الكعبة المشرفة التي كانت ترسل من مصر إلى المملكة العربية السعودية وكانت الكسوة تخرج من المنطقة التي بها هذا السبيل.
من صمم المبنى؟
  • أثريون في قطاع الآثار الإسلامية بوزارة الآثار المصرية، قالوا إن السبيل قام بتصميمه مهندس تركي، وإنه جمع في تصميمه ما بين الطراز العثماني والأوربي في نفس الوقت.
  • مصمم البناء استخدم الرخام الأبيض المزخرف بنقوش نباتية من الطراز الأوربي كساءً للسبيل، كما زُين السبيل بعدد من الكتابات ذات خط نسخي، بالإضافة إلى كتابة سورة الفتح كاملة بطريقة إطارية على الأضلاع الثمانية، كتبها الخطاط التركي عبد الله بك زهدي.
  • أما بقية النقوش على واجهة السبيل، فتحتوي على آيات من القرآن الكريم عن الماء وخلق الله.
  • ويقول خبراء الآثار أن السبيل يتكون من مستويين، الأول: تحت الأرض وتوجد فيه الصهاريج التي كانت تستخدم في تخزين المياه، وكانت تلك الصهاريج تُملأ بمعرفة سقاءين عن طريق نقلها في قرب جلدية.
  • أما المستوى الثاني فهو عبارة عن حجرة ذات ثلاثة شبابيك، ويوجد في صدر هذا السبيل لوحة من رخام “الشاذروان” وهي ذات فائدة مزدوجة، الأولى تبريد مياه الشرب، والثانية تنقيتها من الشوائب إن وجدت.
  • خبراء الأثار يضفون: كان يتم خلط المياه بمواد عطرية، مثل العنبر والورد أو الزهر؛ وذلك للقضاء على أي عطن قد يلحق بالماء جراء التخزين السنوي، كما أنها تضفي على المياه حلاوة العطر فتنعش الشاربين.
المصدر : الجزيرة مباشر