مآسٍ عائلية و5 عقود في السياسة.. تعرف على رحلة بايدن التي توجت بالرئاسة

الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن (يمين) والرئيس الأسبق باراك أوباما (يسار)
الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن (يمين) والرئيس الأسبق باراك أوباما (يسار)

توّج المرشح الديموقراطي جو بايدن حياته السياسية الحافلة، بالفوز بالرئاسة الأمريكية، وسيدخل التاريخ بصفته الرجل الذي أسقط دونالد ترمب.

وبعد مآسٍ عائلية ومحاولتين خائبتين للوصول إلى الرئاسة الأمريكية وحملة انتخابية طغى عليها وباء كوفيد-19، تمكّن بايدن المخضرم في السياسة (77 عامًا) من إقناع الأمريكيين بأنه شخصية توحّد الصفوف في مواجهة ترمب الذي أثار انقساما في المجتمع.

وأكد نائب الرئيس الأمريكي السابق “يمكننا طي صفحة السياسة القاتمة والغاضبة التي سادت في السنوات الأربع الماضية (..) آن الأوان لجمع البلاد والالتقاء مجددًا كأمة واحدة. لكن لا يمكنني القيام بذلك من دونكم”.

وبقي بادين على الدوام وفيًّا للرسالة التي أطلقها عند إعلان ترشيحه للرئاسة في أبريل/نيسان 2019: “نحن نخوض معركة من أجل روح” الولايات المتحدة.

وقال بايدن قبل فترة قصيرة بصريح العبارة، إن خسارته أمام الملياردير الجمهوري الذي لا يحظى بشعبية، ستعني أنه “مرشح مثير للشفقة”.

لكن فوزه -وفق تقديرات وسائل الإعلام وبانتظار التأكيد الرسمي للنتائج- يتوّج مسيرة سياسية بدأها في سن التاسعة والعشرين، وشهدت في بدايتها انتقالًا مفاجئًا من الانتصار إلى الألم.

ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1972، احتفل السناتور الشاب المنتخب عن ولاية ديلاوير محاطًا بأسرته بفوزه في الانتخابات. وبعد شهر قضت زوجته وابنته في حادث سير، وأصيب نجلاه بجروح.

نمّت هذه المأساة التي تبعها فقدان ابنه الأكبر عام 2015، مشاعر التعاطف التي يكنها الناخبون له، وجعل بايدن من التعاطف إحدى سمات مسيرته السياسية البارزة.  

الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن

 

في 2020، لا يزال بايدن يتمتع بطلته الأنيقة، لكن هذا المخضرم في السياسة لم يعد كما كان في أوج عهده كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما.

فحين يكون واقفا على المنصة يبدو واهنًا أحيانا فيما يغطي الشيب شعره، ويخشى البعض حتى في صفوف داعميه عليه من ضغط معركته الطويلة ضد دونالد ترمب (74 عامًا) الذي اعتمد أسلوبًا هجوميًّا.

ومع أنه استأنف، في نهاية أغسطس/آب الماضي، رحلاته بشكل مكثف أكثر، إلا أن امتثاله الصارم للتعليمات الصحية يلجم وجوده على الأرض.

ويرى منتقدوه أن ذلك سمح له القيام بحملة انتخابية بعيدًا عن الناخبين ومتجنبًا في غالب الأحيان الصحافة.

ويطلق عليه دونالد ترمب -ساخرًا- اسم “جو الناعس”، وينتقد بشدة الأسئلة التي توجهها إليه الصحافة، معتبرًا أنها “موجهة لأطفال”، ولا يتوانى عن انتقاد ضعف لياقته البدنية.   

ويتناقل أنصار ترمب -بكثرة عبر تويتر- تلعثم جو بايدن كما أن فريق حملة الملياردير الأمريكي يصفه بأنه رجل عجوز يعاني الخرف.

تحول تاريخي

لكن بالتأكيد سيكون فوز النائب السابق للرئيس باراك أوباما بالرئاسة، الرد الأمثل على هؤلاء، بعد فوزه بالترشّح عن الديموقراطيين في الانتخابات التمهيدية.

ومع أن البعض اعتبره متقدمًا جدًا في السن ووسطيًا كثيرًا، تمكن بايدن من الفوز بغالبية كبرى في كارولاينا الجنوبية بفضل أصوات الأمريكيين السود، حجر الزاوية لكل ديموقراطي مرشح إلى البيت الأبيض.

وحشد بايدن بسرعة، متسلحًا بهذا الانتصار، تأييد معتدلين آخرين ثم هزم منافسه الرئيسي بيرني ساندرز.

وخلافًا للمعركة المريرة والطويلة بين هذا الاشتراكي وهيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الديموقراطية عام 2016، تمكن بايدن سريعًا من جمع التيار اليساري في الحزب مركزًا على هدف واحد يتمثل بالحاق الهزيمة بدونالد ترمب.

وتبقى معرفة ما إذا كان بايدن “الموحد” المعتدل سينجح في إبقاء الوحدة بعد فوزه بالرئاسة.

وقال باراك أوباما إنه حتى لو عرض بايدن البرنامج “الأكثر تقدمية” في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن البعض من اليسار سيعتبرونه فاترًا للغاية.

الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن ونائبته كامالا هاريس (رويترز)
غير حاقد

كانت المحاولة الثالثة هي الصائبة لهذا السياسي المخضرم، بعد فشل محاولتين للترشح للانتخابات التمهيدية الديموقراطية في 1988 و2008.

فخلال محاولته الأولى، اضطر سريعًا للانسحاب بعدما تبين أن خطابه تضمن عبارات مسروقة.

وشغل منصب عضو مجلس شيوخ على مدى أكثر من 35 عاما (1973-2009)، ثم نائب الرئيس من 2009 إلى 2017، ما مكّنه من الوجود على مدى عقود في أروقة السلطة في واشنطن.

وتخللت حياته السياسية الطويلة فصولًا مثيرة للجدل، فضلًا عن نجاحات يبرزها اليوم.

في خضم عملية إلغاء الفصل العنصري، خلال سبعينيات القرن الماضي، عارض ما يسمى بسياسة “الحافلات” التي تهدف إلى نقل أطفال سود بالحافلات إلى مدارس ذات غالبية بيضاء لتشجيع التعليم المختلط.

وأرضى هذا الموقف الناخبين البيض في ولاية ديلاوير، لكنه عاد ليطارده بعد عقود، عندما أخذته عليه السيناتور السوداء كامالا هاريس التي كانت منافسته في الانتخابات التمهيدية، في خضم مناظرة تلفزيونية.

لكن بايدن أعلن أنه “غير حاقد”، حين اختار كامالا هاريس مرشحته لنيابة الرئاسة؛ لتكون أول سوداء من أصول هندية تترشح لهذا المنصب.

ويحظى بايدن بشعبية كبرى في صفوف الأمريكيين السود، ودعا في بداياته السياسية حين كان نائبًا محليًا في ويلمنغتون إلى تطوير المساكن الشعبية، ما أثار استياء السكان البيض. وغالبا ما يروي كيف أسست تجربته كمنقذ بحري في حي تقطنه غالبية من السود لعمله السياسي.

لكن، ثمة فصول أخرى تلقي بثقلها على مسيرته السياسية، مثل تصويته لصالح الحرب في العراق العام 2003، أو جلسة الاستماع العاصفة برئاسته في مجلس الشيوخ العام 1991.

يضاف إلى ذلك تأييده القوي لـ”قانون الجريمة” عام 1994، الذي اعتبر مسؤولًا عن ارتفاع كبير في عدد السجناء، وبينهم نسبة كبيرة من الأمريكيين السود.

ويعترف بايدن، اليوم، بأن ذلك كان “خطأ” مشددًا على شق آخر من هذا الإصلاح الواسع النطاق، يتعلق بقانون مكافحة العنف بحق النساء، والذي يشكل “أكبر مصدر فخر” بالنسبة له.

وفور وصوله إلى البيت الأبيض (نائبًا للرئيس الأسبق باراك أوباما)، في أوج الأزمة المالية، عمل السناتور السابق على اعتماد الكونغرس خطة إنعاش هائلة بقيمة 800 مليار دولار.

وغالبًا ما يذكر هذا الأمر لكي يثبت أن بإمكانه إنعاش الاقتصاد مجددًا، بعدما تضرر كثيرًا بسبب تداعيات الوباء.

السباق إلى البيت الأبيض كان محتدما بين ترمب وبايدن (الأناضول)
ابن سكرانتون

سعى دونالد ترمب إلى انتقاد بايدن باستمرار، وقال عنه “يعمل في السياسة منذ 47 عامًا، ولم يقم بشيء إلا عام 1994، عندما تسبب في الكثير من الأذى لمجتمع السود”.   

ورد بايدن بأن هذه الانتخابات تمثل اختيارًا بين الطبقتين العاملة والوسطى اللتين يدافع عنهما، و”بارك أفينيو” الجادة النيويوركية الفخمة التي تشكل رمزا للوريث الثري.     

ويؤكد بايدن باستمرار على أصوله المتواضعة؛ فقد ولد جوزيف روبينيت بايدن الابن في 20 نوفمبر 1942 في مدينة سكرانتون في بنسلفانيا، وكان والده بائع سيارات. 

وفي خمسينيات من القرن الماضي، شهدت المدينة الصناعية فترة صعبة، ما اضطر والده للبحث عن عمل في ولاية ديلاوير المجاورة، ثم بعد زيارات عدة نقل العائلة الى ويلمنغتون وكان جو بايدن في سن العاشرة، وجعل منها معقله لاحقًا.

وقال بايدن: كان والدي يقول دائما (نحكم على رجل ليس بحسب عدد المرات التي يقع فيها، وإنما بحسب الوقت الذي يستغرقه للنهوض).

هل هو فخور بي؟

نددت نساء عدة بسلوكيات جو بايدن الذي يقبل على ملامسة الناس، واعتبرن إنها غير مناسبة. ووعد بايدن بالانتباه من الآن وصاعدًا “للمساحة الشخصية” للآخرين، واعتذر في أبريل 2019.

أما دونالد ترمب المتهم من قبل أكثر من عشر نساء بالاعتداء الجنسي أو التحرش، فلم يعلّق كثيرًا على الاتهامات الخطيرة من امرأة تدعى تارا ريد، وتقول إن جو بايدن تعدى عليها في التسعينيات، وهو ما نفاه المرشح الديموقراطي بشكل قاطع.     

ولم تعلّق زوجته جيل بايدن (69 عامًا) التي نظمت حملة من أجله في جميع أنحاء البلاد، ردًا على هذا الاتهام.

وشكّلت المعلمة الديناميكية، جيل بايدن، إحدى الاوراق الرابحة في حملة بايدن، وقد تزوجا عام 1977، ولهما ابنة تدعى آشلي.

وروى بايدن في مذكراته أن ابنيه بو وهانتر اقترحا عليه حين كانا لا يزالان صغيرين الزواج من جيل، ويقول عنها “لقد منحتني الحياة مجددًا”.

وغالبًا ما يتحدث بايدن عن الألم الذي لا يزال يسكنه منذ وفاة نجله بو بايدن بمرض سرطان الدماغ العام 2015 قائلًا “هذا لا يختفي أبدًا”، وحالت وفاة نجله دون خوضه الانتخابات الرئاسية عام 2016.

وتولى جو بايدن، الذي أصبح أرملًا بعد حادث السيارة المأسوي، مهامه كسيناتور في يناير/ كانون ثانٍ 1973، وكان في المستشفى بجانب ابنيه اللذين أصيبا في حادث السير.     
حتى اليوم، غالبًا ما يوجِّه التحية إلى المسعفين، مذكرًا بأنهم “أنقذوا حياة” ولديه وحياته أيضًا.

ففي عام 1988، نقله مسعفون إلى المستشفى بشكل طارئ إثر تمدد في الأوعية الدموية، واعتبرت حالته خطيرة لدرجة أنهم استدعوا كاهنًا لرفع الصلوات الأخيرة.

وبايدن كاثوليكي فخور بأصوله الأيرلندية، ويذهب كل يوم أحد تقريبًا إلى كنيسة القديس يوسف الصغيرة، في برانديواين في الحي الراقي الذي يسكنه في ويلمنغتون.

وفي مقبرة هذه الكنيسة يرقد والداه وزوجته الأولى نيليا وابنتهما ناومي وكذلك ابنه بو، تحت شاهد قبر مزين بأعلام أمريكية.

وفي يناير الماضي، قال جو بايدن عن ابنه “كل صباح أستيقظ وأسأل نفسي: (هل هو فخور بي؟)”.

اقرأ أيضًا:

“الرئيس المنتخب”.. قادة وزعماء يهنئون جو بايدن بعد إعلان فوزه

ترمب بعد إعلان بايدن رئيسا: الانتخابات لم تحسم بعد

جو بايدن: يشرفني أنكم اخترتموني وسأكون رئيسا لكل الأمريكيين

وسائل إعلام أمريكية: جو بايدن هو الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة

المصدر : الجزيرة مباشر + وكالات